التحركات التركية في المنطقة العربية أصبحت مثيرة للجدل، فلم يقتصر التواجد التركي على الدول العربية القابعة في الشق الآسيوي، الذي شهد مؤخرًا تمددًا للقواعد العسكرية التركية التي نالت من العراقوقطر، وطلب تركيا من الكيان الصهيوني بنفوذ في قطاع غزةالمحتلة، بل تعداه ليصل إلى القرن الإفريقي والصومال العربية على وجه الخصوص. العراق بدأت القواعد العسكرية التركية خارج حدود الدولة في العراق، حيث قالت وكالة الصحافة الفرنسية إن وسائل إعلام تركية أفادت بوجود انتشار عسكري تركي واسع بالعراق. كما نشرت صحيفة "حرييت" التركية أن أنقرة أنشأت قواعد في منطقة بعيشقة بالموصل تضم 600 جندي. طالبت بغداد خلال ديسمبر الماضي تركيا بسحب قواتها من الأراضي العراقية على الفور، واحترام علاقات حسن الجوار، إلا أن الرد التركي جاء مخالفًا للمطلب العراقي، حيث قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن الانسحاب غير وارد في الوقت الراهن. اللمسات الأمريكية كانت حاضرة وبقوة على التواجد التركي في العراق، فأردوغان كشف عن اجتماع ثلاثي، جمع بين مسؤولين من تركياوالولاياتالمتحدة وحكومة إقليم كردستان العراق في 21 ديسمبر الماضي، حيث كان هدف القمة اتخاذ الأطراف المشاركة فيها خطوات مهمة في الحرب على داعش، واتخاذ مواقف مشتركة. في 11 ديسمبر أطلع رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، عبر اتصال هاتفي، على معلومات حول الأنشطة التدريبية للقوات التركية منذ شهر مارس الماضي بشأن التطورات المتعلقة بالعراق، حسب بيان صادر عن المستشارية الإعلامية لرئاسة الوزراء التركية. وعلى ضوء ما سبق تكون الولاياتالمتحدةالأمريكية قد أعطت الضوء الأخضر لتواجد تركيا في العراق من البداية، حيث أعلن مسؤولون دفاعيون في واشنطن أن الولاياتالمتحدة على علم بنشر تركيا مئات الجنود الأتراك في شمال العراق. وتوجه وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري لطلب المساعدة من الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ للضغط على تركيا؛ لسحب جنودها من شمال العراق، حيث اجتمع الجعفري 19 يناير الحالي مع السفير الأمريكي ستيوارت جونز والسفير الفرنسي مارك بارتيني ونائبة السفير البريطاني بيليندا لويس؛ لبحث ملف توغل القوات التركية، وقال إن العراق سلكت سبل الحوار والآليات الدبلوماسية، إلا أن الجانب التركي لم يُبْدِ أي استجابة حتى الآن، مشيرًا إلى أن بقاء الأتراك على الأراضي العراقية انتقل من عدم الارتياح إلى عدم التحمل. قطر قبل قرابة شهر من الآن، وفي 16 ديسمبر الماضي، أعلن السفير التركي أحمد ديميروك أن أنقرة تعمل على إنشاء قاعدة جوية لها بقطر؛ في إطار اتفاقية دفاعية بين البلدين تهدف إلى مواجهة الأعداء المشتركين. والقاعدة العسكرية التركية في قطر متعددة الأغراض، ستضم ثلاثة آلاف جندي من القوات البرية، بالإضافة إلى قوات تابعة لسلاح الجو والبحرية، وقوات خاصة، ومدربين عسكريين؛ بهدف تقديم التدريب لجيوش دول الخليج العربي. وقال ديميروك إن تركياوقطر لديهما مشكلات مشتركة، وتشعران بالقلق من التطورات في المنطقة، وسياسات بعض الدول الأخرى. نحن نواجه أعداء مشتركين. إن التعاون بيننا في الشرق الأوسط مهم للغاية في هذا الوقت الحرج. ليست تركيا وحدها التي تسعى لامتلاك قاعدة عسكرية بقطر، بل يوجد بها أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط، وهي قاعدة "العديد"، حيث يتمركز فيها نحو عشرة آلاف فرد، وتُعتبَر هذه القاعدة مقرًّا للمجموعة 319 الاستكشافية الجوية، التي تضم قاذفات ومقاتلات وطائرات استطلاعية، إضافة لعدد من الدبابات ووحدات الدعم العسكري وكميات كافية من العتاد والآلات العسكرية المتقدمة؛ ما جعل بعض العسكريين يصنفونها أكبر مخزن استراتيجي للأسلحة الأمريكية في المنطقة، وبالتالي وجود أي قاعدة عسكرية جديدة لأي دولة في قطر لن يكون إلا بعد تمرير قطر الموافقة من تحت يد الحليف الأمريكي. وفي هذا السياق أكد اللواء عبدالمنعم كاطو، الخبير العسكري، أن اعتزام تركيا إنشاء قاعدة عسكرية بقطر جاء بتوصية من الولاياتالمتحدةالأمريكية؛ لفرض استراتيجيتها في المنطقة العربية؛ مما سيهدد الأمن القومي للمنطقة، لا سيما وأنه من المخطط أن يبدأ نحو 3 آلاف جندي تركي العمل في قطر فور الانتهاء من استكمال إنشاء القاعدة التي يعمل بها حاليًّا 100 جندي تركي. الصومال تستعد تركيا لتأسيس تواجد عسكري جديد لها، لكن هذه المرة في القرن الإفريقي بالقرب من خليج عدن الاستراتيجي، من خلال إنشاء قاعدة عسكرية بالصومال. وتقول تركيا إن الغرض منها تدريب جنود صوماليين رشحتهم الأممالمتحدة. وكشفت مصادر تركية أنها ستبدأ عملها الصيف المقبل، وأنه سيتم من خلالها تدريب 1500 جندي صومالي على يد 200 جندي تركي. في السياق ذاته قال موقع "هابر 7″ الموالي للحكومة التركية إن إنشاء القاعدة يأتي في إطار سياسة فتح أسواق جديدة للأسلحة التركية. وأكدت مصادر دبلوماسية أن من أسباب هذا التوجه التركي الجديد الانفتاح على مجال الصناعات الدفاعية خارج البلاد، مشيرة إلى أن تركيا تبحث عن أسواق جديدة لبيع الأسلحة التي تقوم بإنتاجها في البلاد. وأضافت المصادر أن تركيا تبدأ أعمالها في هذا الإطار من خلال تعزيز تواجدها في الشرق الأوسط وإفريقيا، ويأتي اختيارها لقطروالصومال للأهمية الجيوسياسية لهاتين الدولتين. الربط بين التواجدين التركي والأمريكي في الصومال يكتنفه الكثير من الغموض، والسبب أن التواجد الأمريكي في الصومال محاط بدرجة عالية من السرية، فمصادر حكومية صومالية والاتحاد الإفريقي أكدا أن هناك قواعد أمريكية في الصومال، منها مطار كيسمايو الذي يستعمله فريق من القوات الأمريكية لقيادة العمليات الخاصة المشتركة. وهذا التواجد في المدينة الساحلية يتم التكتم عليه. الدلائل تشير إلى أن التحركات التركية في المنطقة إن لم تكن مرسومة بدقة من الولاياتالمتحدةالأمريكية، فهي على الأقل بتنسيق معها. فتركيا ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، وزيارة جون بايدن نائب الرئيس الأمريكي السبت المقبل لتركيا تدل على مدى التقارب التركي الأمريكي، وهو تقارب يجب أن يكون تحت المجهر؛ بسبب الأزمات التي تمر على المنطقة، كما أن هذا التقارب له مخاوف استراتيجية، خاصة أن القواعد التركية أصبحت تحاصر منطقة الخليج العربي شمالًا من العراق وشرقًا من قطر وجنوبًا من الصومال. كما أن تواجدها في خليج عدن قد يؤثر سلبًا على الأمن القومي المصري في ملفين هامين، هما سد النهضة، وقناة السويس.، فالصومال دولة حليفة لإثيوبيا. وعلى ما يبدو فإن التراجع النسبي للدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، قابله ازدياد في نفوذ حليفها التركي.