حَوارٍ أشبه بزنازين أقسام الشرطة، تفصل بين منازل المئات؛ لتضيق على قاطنيها، في قرية تشق الجبل، يختلط هواؤها بالأتربة البيضاء المتطايرة، الناجمة عن إحدى مصانع الأسمنت، حتى أطلقوا عليها بلد الألف حارة وزقاق. قضت «البديل» يومًا كاملًا بقرية بني خالد بمركز سمالوط بالمنيا، تجولت داخل عشرات الحواري الضيقة، التي يعيش بها نحو 15 ألف نسمة، يطلقون على أنفسهم أحياء. ويصعب الوصول إلى القرية الكائنة وسط الجبل الشرقي لمدينة سمالوط، فيجب أن تستقل وسيلة من موقف السيارات الرئيس بمركز سمالوط إلى المعديات النيلية، ومنها إلى البر الآخر، لكي تصل إلى موقف التوك توك والدراجات النارية، ثم تنتظر قرابة الساعة لحين الوصول إلى مدخل القرية. مداخل القرية عبارة عن حوار تصطف خلف بعضها كعربات القطار، مساحة كل منها لا تزيد عن متر ونصف، تصطف بداخلها منازل الأهالي على الجانبين، لا تزيد مساحة الحد الفاصل بين صفي المنازل المواجهة لبعضها عن متر واحدا قال رضا الزيني، سائق توك توك: التسلل داخل تلك الزوارق الضيقة أمر شبه مستحيل، وحال نقل أي مريض أو مصاب إلى خارج القرية، يخرج محمولًا على الأكتاف في مشهد مضني، ولعدم توافر سيارات ربع النقل أو الميكروباص، يعاني المريض مشقة الانتقال بواسطة التوك توك والسير على المطبات العشوائية، فوسيلة المواصلات هشة وتنخدع عند كل مطب. قال هشام بيومي، عامل بمحاجر المنيا: سيارات الإسعاف والإطفاء لا تتمكن من الدخول للقرية، في حين تنتشر حالات الإصابة بالأمراض الصدرية بين الأهالي، وأشار إلى منزل التهمته النيران؛ بسبب انفجار اسطوانة بوتاجاز، جرينا شايلين ميه وتراب ولحقنا البيت واللي فيه. ومن داخل المنزل المحترق والمملوك لأحد المواطنين يدعى خليل، رصدت «البديل» تفحم واجهة المنزل ووضع أثاثه بعرض الشارع، وذكر صاحبه أن شباب القرية أخمدوا النيران قبل أن تطال منازلهم، حملوا جراكن المياه وأجولة الرمل والتراب، فيما علت أصوات السيدات بالصراخ. قال مصطفى حيدر، عامل: مخنوقين وبنتنفس بالعافية، ليوضح بأن ضيق مساحة الشوارع أوجد حالة نفسية سيئة للسكان، وزاد من استشعارهم بأنهم محاصرون في خنادق ضيقة وكأنهم في سجون، وأن شواطئ النيل المتكدسة بأكوام القمامة تعد المتنفس الأوحد لهم. وأوضح حيدر، أن سبب انتشار الأمراض الصدرية بالقرية خاصة عند الأطفال؛ بسبب استنشاق الأهالي، صباحًا ومساءً، هواءً ممزوجًا بغبار مصانع الأسمنت الموجودة بالقرية، كما تنتشر محاجر الحجر الجيري، وورش صناعة الرخام والبلوك. لون الدخان الأبيض ترك بصمته على واجهة المنازل وأرصفة الشوارع والطرقات، والأشجار والنخيل، كما توجهت كاميرا «البديل» إلى داخل بعض منازل الأهالي، ورصدت أجهزة التنفس الصناعي في فم الأطفال منهم علي رائد، وكذلك مظاهر الجرب على بعض العجائز منهم سيد إبراهيم، إضافة لإصابة البعض بأمراض السرطان والفشل الكلوي والعضوي، والحساسية على الصدر والرئة. أوضح خلف محمد محمود، مأذون القرية، أن فيض السموم والاختناق، أصاب المئات بالجرب والمرض، وسكن أطفال القبور منهم سيد فاضل شهرين، ومحمد مؤمن نصر، 4 سنوات، ورانيا حمد على 13 سنة، وخالد محمد جمال 5 سنوات. وأكد المزارع حسين رشدي، أن القرية تشبه الصحراء الجرداء، ولا زرع بها ولا ماء، فوسط محاجر الجير ومصانع الأسمنت والورش المتعددة، لا تصلح التربة للزراعة، خاصة مع الهواء الملوث، كما أن الماشية لم تعد تنتج ألبانًا بالكم المتعارف عليه، وبعضها ينفق ويصاب بأمراض لا تعالج. وطالب الأهالي بتشغيل الفلاتر الخاصة بالمصانع طوال اليوم لتنقية الهواء، وإغلاق الورش المتناثرة بالقرية، وتخصيص وحدات سكنية ضمن مشروعات الإسكان القومي والاجتماعي، لينتقل إليها الأهالي، وتوفير رعاية صحية مجانية، بإنشاء وحدة صحية أو مستشفى مركزي. وطالب مؤسس مبادرة تحسين سمالوط، رجب عبد العليم بإنشاء كوبري علوي بديلًا للمعديات النيلية، يخدم قرية بني خالد، وجميع قرى سمالوط المطلة على النيل. وقال اللواء جمال قناوي، رئيس مركز سمالوط: أرسلنامذكرة لمجلس الوزراء طالبنا فيها بإنشاء كوبري علوي، وتمت الموافقة عليه مؤخرًا، ضمن مقترح الخطة الاستثمارية لعام 2017 2022 لهيئة الطرق، بتكلفة تقديرية تصل إلى 750 مليون جنيه. وأضاف المهندس محمد سعد، وكيل وزارة البيئة بالمنيا ل«البديل»: غالبية منازل القرية أخذت تزحف بعد بناء مصنع الأسمنت وتشغيله.