خطوة اعتبرها كثيرون أنها تهدف للحد من التوتر القائم بين إيران والسعودية في الوقت الراهن، يبدأ الثلاثاء المقبل الرئيس الصيني شي جينبينج جولة شرق أوسطية، تشمل السعودية ومصر وإيران، حسبما أعلنت وزارة الخارجية الصينية. وتعكس هذه الزيارة في توقيتها وأهدافها استراتيجية بكين إزاء التعامل مع منطقة الشرق الأوسط في الفترة الأخيرة لتوسيع نفوذها، حيث ظلت الصين منغلقة في محيطها الإقليمي لفترة ليست بالقليلة بعد الحرب العالمية الثانية، منشغلة بالوضع الاقتصادي والسياسي الداخلي، وتعد هذه الجولة من الزيارات النادرة التي يقوم بها رئيس صيني للمنطقة. وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، أن الرئيس الصيني شي جين بينغ سيقوم بجولته في السعودية ومصر وإيران بين 19 و23 يناير، وتأتي هذه الزيارة في ظروف إقليمية حساسة في ظل التوتر القائم بين السعودية وإيران، خاصة بعد عملية إعدام نمر باقر النمر والغضب الإيراني وما أعقبه من حشد سعودي للدول العربية ضد طهران. وقال دبلوماسي صيني تعليقًا على الأزمة السعودية الإيرانية: إن الصين تحاول تقديم نفسها كوسيط بين السعودية وإيران، مثلما فعلت مع الحكومة السورية والمعارضة. ودعت الصينالرياضوطهران بعد اشتعال الأزمة إلى التهدئة وضبط النفس، إثر زيارة أجراها نائب وزير الخارجية جانغ مينغ إلى البلدين لنزع فتيل التوتر بين الجانبين، الذي يخشى من تداعياته على باقي ملفات المنطقة من سوريا إلى اليمن. أهمية هدوء الشرق الأوسط للصين في الوقت الراهن يرى محللون أن زيارة الرئيس الصيني في الوقت الراهن لمنطقة الشرق الأوسط، تعكس رغبة بكين في الوساطة من أجل تهدئة الأوضاع بين السعودية وإيران، وإيقاف الحروب المندلعة بمنطقة الشرق الأوسط على إثرها، وتشير أغلب التقارير إلى أن هذه الحروب تعيد الاقتصاد العالمي للركود، لا سيما أن الصين تعتبر من المعتمدين الأساسين على منطقة الشرق الأوسط في الحصول على إمداداتها من الطاقة بنسبة 55% من النفط. عملت بكين على تعزيز استثماراتها الاقتصادية في المنطقة بشكل لافت خلال العقود الأخيرة، الأمر الذي ترغب الصين في الحفاظ عليه، فصعود التوتر القائم بين إيران والسعودية ليس في مصلحة الاستثمارات الصينية بالشرق الأوسط. وترى بكين أنه حان الوقت على ما يبدو أن يجب أن تتراجع الصين عن السياسة الاقتصادية الناعمة التي كانت تتبعها إزاء الشرق الأوسط، إذا كانت راغبة في الحفاظ على استثماراتها، واليوم تعمل من أجل هذا التغيير بشكل تدريجي، فتحركاتها باتت مترجمة لعدة معطيات ودوافع، أهمها الحفاظ على استثماراتها وإمداداتها من الطاقة التي أصبحت مهددة في ظل الحروب المندلعة مؤخرًا في المنطقة، فضلًا عن تنامي وظهور التنظيمات الإرهابية التي أصحبت تمثل خطرًا وجوديًّا على الشرق الأوسط، بالإضافة إلى تخوف الصين من تأثيرات هذا التنامي على سكان منطقتها الغربية الغنية بالغاز، والتي تقطنها غالبية مسلمة. مازال الدرس الليبي الذي انتهى بخسارة صينية روسية عندما امتنعوا على التصويت لقرار مجلس الأمن عام 2011 الذي وفر غطاء لتدخل الناتو في ليبيا، حاضرًا بقوة في أذهان المسؤولين الصينين، فقد خسرت بكين على ضوء ذلك نفوذها الاقتصادي في ليبيا، والآن لا تريد تكرر هذا السيناريو مجددًا، وقد برز ذلك في الملف السوري، حيث لعبت دورًا مثيرًا للجدل في مجلس الأمن، حينما استخدمت الفيتو في أكثر من مناسبة لإسقاط مشروع قرار يدين النظام، وقد يؤدي إلى إسقاطه، وفي الفترة الأخيرة اقترحت لعب دور الوسيط بين النظام والمعارضة واستقبلت مبعوثين من الجانبين. مدى نجاح الوسيط الصيني العلاقات الاقتصادية المترابطة بين الصين ودولتي السعودية وإيران خلال الفترة الأخيرة يؤهلها لأن تكون وسيطًا مقبولًا، خاصة أن زيارة رئاسية تكون محور اهتماماتها هذه الوساطة ستكون مرشحة وبقوة لوقف التصعيد على أقل تقدير، إذا لم تبني جسرًا لعودة العلاقات السعودية الإيرانية. يقول محللون: رفع العقوبات الغربية عن إيران، مهد الطريق أمام الصين لعقد صفقات تجارية مع طهران، ثاني أكبر مستهلك لمنتجاتها، الأمر الذي عزز العلاقات الثنائية بينهما، وكانت بكين دائمًا تنظر بعين الاعتبار إلى احتياجاتها من الطاقة، وغيرها من المصالح التجارية والسياسية مع إيران، التي استمدت هي الأخرى جانبًا من الثقة، ففي ظل قطيعة أوروبية اقتصادية برغبة أمريكية، كانت الصين تقف بجوار طهران وتحل محل الشركاء التجاريين التقليديين لطهران، وأصبحت الشريك التجاري الرئيسي لها. عزمت الصين في السنوات الأخيرة أن تأخذ زمام المبادرة للتعاون مع حلفاء واشنطن في المنطقة في محاولة لتعزيز فرصها بأن تظهر كقوة إقليمية سياسية بعد نجاحها الاقتصادي، وكانت من بين هذه الدول السعودية التي تعد من أهم حلفاء واشنطن في المنطقة، وعوضًا عن الدور الأمريكي الذي أظهر أهدافه الاستعمارية، كان للصين رؤية مختلفة للتعاون مع الرياض وغيرها من الدول العربية، وهذه العلاقات الصينية المتشابكة مع إيران والسعودية ستعزز الفرصة في أن تكون ضمانة حقيقية للوساطة بين الطرفين. تطلعات وتحركات الصين في الشرق الأوسط يشهد النظام الدولي منذ فترة ليست بالقليلة متغيرات وتطورات وتحولات سريعة على الصعيد السياسي والاقتصادي، ورغم صعوبة التنبؤ بنتائج هذه التحولات، إلَّا أنه بدا واضحًا من خلال العديد من المؤشرات صعود قوى إقليمية، وتراجع قوى أخرى والتي كانت مهيمنة بصورة كبيرة على العالم فيما يعرف بنظام «الأحادية القطبية» بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. والأكثر وضوحًا من هذه التحولات الأخيرة، أن قدرة واشنطن على قيادة أحادية للنظام الدولي لم تعد متوفرة في الفترة الأخيرة، في المقابل بدأ ظهور دول أخرى مؤثرة اعتبرها كثيرون مشاريع أقطاب جديدة في النظام الدولي بشكله الحديث. من هذه الدول التي ظهرت على الصعيد الدولي بقوة، وتنامى نفوذها الإقليمي بشكل واضح، كانت الصين التي لا شك أن دورها القوى في النظام الدولي، ظهر من خلال تصاعده في قضايا الشرق الأوسط، حيث يقول لي شاو شيان، نائب رئيس المعاهد الصينية للعلاقات الدولية المعاصرة، في تصريحات له: على الصين أن تزيد من تطلعاتها بالتوجه أكثر في قضايا الشرق الأوسط، لكنه أكد أن دور بكين سيكون مختلفًا عن باقي القوى الكبرى الأخرى، في إشارة على ما يبدو لدور أمريكا وحلفائها في المنطقة.