«الحق فرصتك واقضي ليلة رأس السنة معانا بنص الثمن فقط 4000 آلاف جنيه شامل العشاء، حفلات للفنانين بأسعار خيالية فقط 3000 جنيه للفرد، حفلات لأكبر المطربين تبدأ من 1500 حتى 3500 شامل الضريبة والخدمة».. بهذه العروض والإعلانات تستعد الفنادق والقري السياحية لإقامة حفلات رأس السنة التي يحضرها رجال الأعمال والفنانون، بينما يقض آلاف الفقراء تلك الليلة ككل ليلاليهم، علي أرصفة الشوارع أو باحثين عن لقمة في صناديق القمامة، ورغم أن ثورة 25 يناير قامت في الأساس لتصحيح الأوضاع وتقليص الفجوة بين الطبقات، لكن الأمور تسير من سيئ لأسوأ، فمازالت الطبقية تتسع، ما ينذر بثورة جياع قد تحصد معها الأخضر واليابس. من جانبها، «البديل» أخذت على عاتقها نقل أحلام وآمال الغلابة، مع بداية العام الجديد 2016، والتى لم تتعد الحصول على لقمة العيش والحياة الكريمة. «زيادة المعاش وحصان المولد ووجبة ماكدونالدز».. أبرز مطالب الفقراء في 2016 يقول سعد أحمد، معاق: «أعيش في شقة إيجارها 500 جنيه شهريا، ومعاشي 560 جنيها، ولدي بنات في سن الزواج، فاضطررت لبيع المناديل في الشارع حتي أستطيع الإنفاق علي بناتي وتوفير حاجتهن, وأرجو من الرئيس زيادة معاشات الغلابة؛ حتي نستطيع توفير اللقمة فقط»، مضيفا: «معاشي لا يكفي مصاريف المنزل، فأختار بين توفير لقمة العيش لبناتي أو دفع إيجار الشقة، لذا اضطررت إلي الجلوس في الشارع، رغم إعاقتي؛ حتي أتمكن من الإنفاق علي أسرتي». «زوجي مريض ولا يستطيع العمل».. كلمات لخصت بها أم مروة، مأساتها، قائلة: «لجأت لبيع المناديل؛ حتي أستطيع توفير لقمة العيش لزوجي وابنتي الصغيرة, وكل ما أتمناه في عام 2016 أن أجد عملا مناسبا أتمكن من خلاله الإنفاق علي أسرتي». أما الحاج جودة، الذي غمرت ملامحه علامات الشيخوخة والمرض، ويفترش الشارع لبيع الليمون ويتخذه مسكنا أيضا, يتمني في 2016 أن يجد أموال لعلاج ظهره الذي تناوب عليه المرض، ولا يستطيع توفير ثمن العلاج المناسب، مضيفا: «أحلامي بسيطة، أريد فقط أن يشتري الناس مني ليمونا كثير وأتحصل على رزق بالحلال؛ حتي أستطيع علاج ظهري، الذي أصيب بعد سقوطي من التوك توك». ولم تتمن نفيسة أحمد، السيدة المسنة، أكثر من مكان تنام فيه، بدلا من الشارع، وتجد بطانية تحتمى بها من البرد القارص. واكتفي محمد سعيد، موظف، بعودة حق ابنه شهيد ثورة 25 يناير، وأن يرى رؤوس الفاسدين في نظام الرئيس المخلوع مبارك، معلقة بميدان التحرير. ونسلط الضوء على فئة أخرى تدمى القلوب، إنهم أطفال الشواع أو القنبلة الموقوتة، كما تطلق عليهم وسائل الإعلام, الذين رفضوا التصوير؛ خوفا من الملاحقات الأمنية. يحلم محمد، الذي لم يتعد العشر سنوات، في 2016، بأن يجد بيتا يرتاح فيه من تعب الجلوس في الشارع، قائلا: «الناس فاكرة إننا مجرمون، لكن نفسي في بيت ياخدني, ومسدس لعبة وحصان المولد». وبغضب شديد، يقول حسني، 16 عاما: «الناس فاكرينا حرامية، وكل مرة بقف في إشارة، بشوف نظرة خوف الناس علي شنطهم أو تليفوناتهم مننا، للأسف النظرة دي بتوجعني جدا، ونفسي أقولهم أنا ظروفي اللي جابتني الشارع», حالما بنظرة عطف ورحمة من المجتمع، وألا ينظر إليه الناس علي أنه مجرم أو حرامي. «نفسي أروح المدرسة وأشيل الشنطة زي ما بشوف العيال الصبح، ونفسي أنام وأنا مش خايفة من الشارع».. أحلام بسيطة طالبت بها سمية، صاحبة ال9 سنوات، بينما تتمنى مني، 6 سنوات، شراء عروسة تلعب بها، ولا يأخذها منها أو يكسرها أحد. وجاءت أغرب أمنية وأقساها من الطفل مجدي، صاحب ال10 سنوات: «نفسي آكل في المحل ده»، في إشارة إلى مطعم ماكدونالدز الذي لا يعرف اسمه. إعلانات الشقق وقنوات الطهي تفجر بركان «الغلابة» حذر أساتذة علم النفس من الإعلانات التي أغرقت القنوات التلفزيونية للإعلان عن الشقق والفيلات والشاليهات بأسعار يفترضون أنها زهيدة, مؤكدين أنها تثير غضب الطبقات المهمشة وأطفال الشوارع وسكان العشوائيات، وتساهم بدور كبير في ظهور حالة من الغليان قد تؤدي إلى تدمير المجتمع بأكمله، وهو ما يؤكده الدكتور رمزي سعيد، طبيب نفسي، قائلًا: «للأسف زاد استفزاز الفئة المهمشة؛ من خلال الإعلانات التلفزيونية، التي تروج للشقق والكمباوندات والفيلات، وتحمل عبارة بأرخص الأسعار، إلى جانب قنوات الطبخ التي تقدم كل ما لذ وطاب، في المقابل هناك أناس يحلمون بعشة كي يحتموا تحتها من البرد القارس ولقمة عيش يسدون بها جوعهم». وأضاف سعيد أن هذه القنوات سواء المعلنة أو قنوات تعليم فن الطهي والقائمين عليها، هدفهم الربح فقط، ويغفلون جانبًا كارثيًّا، يكمن في استفزاز الفئات المهمشة؛ سواء المناطق العشوائية أو أطفال الشوارع، الذى قد يؤدي إلى كارثة، فليس لديهم ما يخشون عليه، ولن يهابوا شيئًا، وإذا خرجوا مطالبين بحقهم، ولا يستطيع أحد أن يصدهم أو يردعهم، فأطفال الشوارع من الأساس لديهم شعور بكراهية المجتمع والطبقية، مما يدفعهم إلى ارتكاب الجرائم بشتى ألوانها، كانتقام لما شهد من عذاب سواء بالضرب او الاعتداء الجنسي أو أي انتهاك آخر. ومن جانبه، يقول الدكتور رشاد علي، أستاذ الصحة النفسية بجامعة الأزهر، إن هناك الكثير من الفئات المهمشة بالمجتمع المصري مثل أطفال الشوارع وسكان العشوائيات، وللأسف هذه الفئات قنابل موقوتة، وإذا لم تنتبه الحكومات إلى ذلك سنفاجئ بغضب طبقي غير عادي قد يصيب تلك الطبقات، ما يؤدي إلى تدمير المجتع بأكمله, مضيفًا: «هذه الطبقات مصابة بحالات نفسية سيئة؛ لشعورهم بالدونية والتهميش، ما يدفعهم إلى ارتكاب أعمال إجرامية؛ حتى يثبتوا وجودهم في المجتمع». وأشار علي إلى أنهم بذلك يشفون غليلهم من المجتمع، لكن خطورة هذه المشاعر تمكن في أنها سهامًا موجهة للمجتمع ككل، ويبدأون التفكير في الانتقام؛ لشعورهم بأنهم فئات مهمشة وليس لهم وجود، فسكان العشوائيات مثلًا ليس لديهم خدمات، وفي الوقت ذاته يرون غيرهم يعيشون عيشة الرغد إلى جانب شعورهم بأنهم فئات مكروهة، مما يولد لديهم شعورًا بإهدار كرامتهم فيتولد لديهم شعور بتدمير المجتمع. سياسيون: المهمشون في انتظار شرارة الثورة «عيش حرية عدالة اجتماعية».. كانت أبرز مطالب المواطنين في ثورة 25 يناير 2011, ما دفع آلاف المواطنين إلى المشاركة في الثورة, ولم يقتصر الأمر على شباب الأحزاب أو من لديهم باع في العمل السياسي، لكن الميدان ضم أيضًا الآلاف من أبناء الطبقات المهمشة، الذين قرروا المشاركة في الثورة، وأصروا على عدم ترك الميدان إلَّا بعد تنحي الرئيس المخلوع مبارك؛ لاقتناعم بأن الحكومات المقبلة ستنظر إليهم بعين الاهتمام، لكن لازال الأمر كما كان من قبل، مما دعا عددًا من السياسيين للتحذير من إهمال الطبقة المهمشة وعدم الاكتراث لمطالبهم البسيطة حتى لا تتحول إلى بركان. يقول الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: «الطبقات المهمشة تعلم جيدًا أن الدولة تتجاهلم، مما يضعهم على أهبة الانتظار لانتفاضة هنا أو هناك للمشاركة فيها، فداخل كل شخص منهم رغبة لتغيير حياته، مما يجعلهم في انتظار فرصة لذلك، والتجربة تؤكد ذلك بما شهدناه مسبقًا بميدان التحرير في يناير». ويوضح الدكتور ممدوح أنور، الخبير السياسي: «للأسف الدولة لا تدرك خطورة صمت تلك الطبقات المهمشة, التي إذا خرجت عن صمتها، لن يستطيع أحد إسكاتها أبدًا». وأضاف أنور ل«البديل»: «إذا عبر شخص واحد فقط من أبناء هذه الطبقة عن غضبه؛ كحرق نفسه أو غيرها من وسائل التعبير الأخرى، ستلتف حوله الطبقات المهمشة كافة، دون خوف أو تردد، فهم في انتظار شرارة البداية، وهو ما نلحظه إذا تحدثنا مع أحد سكان العشوائيات أو الشوارع، فنجد في حديثه نغمة تهديد ووعيد وكراهية أيضًا لأبناء المجتمع». وأكد أنور أن الأمر تعدى كونهم مهمشين، لكنه استفحل وعلى الدولة إنقاذ ما يمكن، وأن تجد حلولًا سريعة لهم، فليس مطلوبًا من مثل هؤلاء انتظار خطة وزارة التضامن الاجتماعي التي ستنفذ بعد عامين.