ألصق الصهاينة بتاريخ الأمة الإسلامية عامة والدولة الفلسطينية بشكل خاص كثيرا من التزييف، حيث سخر الكيان جميع إمكانياته وأدواته لخلق متغيرات على أرض الواقع تقلب رأسًا على عقب كل الحقائق التي سادت آلاف السنين، كما تمارس إسرائيل أنواعا متعددة من التزوير والسطو على تاريخ؛ بهدف ترسيخ الفكر الصهيوني داخل الأمة العربية، وأن الأرض الفلسطينية هي حق تاريخي مكتسب لليهود، ومن جانب آخر تحاول تشويه صورة الشعب الفلسطيني ووضعه في خندق واحد مع الجماعات الإرهابية. محاولة تهويد جديدة حاولت إسرائيل على مر العصور أن تفرض فكرة يهودية الدولة عبر تهويد جميع المؤسسات وإطلاق الأسماء الصهيونية على الشوارع والقرى الفلسطينية ومصادرة الأراضي، حتى وصل الأمر إلى محاولة تهويد عقول الأطفال والشباب الفلسطيني من خلال إصدار كتب لتزييف التاريخ، وفرض مناهج دراسية تؤكد على يهودية الدولة، بجانب سعيها لمحو الثقافة الإسلامية والفلسطينية، وإدخال تغييرات جوهرية على التركيب السكاني والوضع الجغرافي والإداري والاقتصادي لتحويل الفلسطينيين إلى أقلية هامشية ليس لها أي حقوق. كما صادقت وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية مؤخرًا على كتاب المدنيات المعدّ للمرحلة الثانوية، تحت عنوان «أن نكون مواطنين في إسرائيل»، وهو نص مشوّه ومترجم عن العبري المُعد للمدارس اليهودية، بخلاف كتب المدنيات السابقة التي تضمنت مقدمتها نصوصًا عن الديمقراطية مقتبسة مما يعرف ب «وثيقة الاستقلال»، فإن الكتاب الجديد يورد صلاة يهودية في مقدمته، وهو ما يعكس المحاولات الصهيونية لجعل التشدد هو السمة الأساسية في المجتمع الفلسطيني. يتبنى الكتاب الجديد العديد من المصطلحات والمسميات اليهودية فقط، فكلمة فلسطين تستبدل دومًا بمصطلح «أرض إسرائيل» الذي يتم إقحامه بنصوص تاريخية كوعد بلفور الذي استخدمت فيه كلمة فلسطين، ويعتمد الكتاب مصطلح حرب التحرير المقصود بها النكبة الفلسطينية، كما شطب من قائمة الحريات والحقوق حق الجمهور في معرفة ما يدور حوله وحق الاحتجاج والتنظيم، ويعتبر أن الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة «ديمقراطية تدافع عن ذاتها». كما ورد بالكتاب أن الأردن هي الجزء الشرقي من أرض إسرائيل، وهو ما ينسجم تمامًا مع الروايات الصهيونية المتشددة وخاصة اليمينية منها والتي ينتمي إليها وزير التعليم الصهيوني نفتالي بينيت. ومن جهة أخرى يزعم الكتاب أن أغلبية المسيحيين أغنياء وأن قسمًا كبيرًا منهم يخدم بالجيش الإسرائيلي، كما يحتوي الكتاب على تعاليم إسرائيلية كثيرة جدًا، ويتجاهل الحقوق الجماعية والقومية لفلسطينيي الداخل وقياداته ومؤسساته. احتجاجات وانتقادات هذه المحاولة الصهيونية الجديدة لتزييف وتدليس التاريخ والعقول، قابلتها احتجاجات شديدة من قبل لجنة متابعة قضايا التعليم في المجتمع العربي وأساتذة جامعيين، حيث سارعت القائمة العربية المشتركة في الكنيست لتأكيد رفضها القاطع لمنهج المدنيات الجديد، مشددة على كونه خطوة استعلائية استبدادية تعكس الرغبة بتكريس هيمنة الأغلبية المهاجرة للبلاد، وتشويه هوية وتاريخ ومكانة السكان الأصليين. ووصف المحتجون الكتاب الجديد بأنه «محاولة لفرض الرواية اليهودية القومية على الطلاب العرب من خلال تجاهل تام لقضاياهم، وتفضيل يهودية الدولة على ديموقراطيتها، إذ يكرر مرارًا أن إسرائيل هي دولة يهودية قومية، وذلك بهدف إقصاء العرب وتهميشهم». موجة انتقادات الكتاب وصلت إلى الإعلام الصهيوني، حيث هاجمت صحيفة هاآرتس في افتتاحية بعنوان «هذه ليست مواطنة»، وانتقدت مساعيه الحثيثة لتفتيت المجتمع الفلسطيني في إسرائيل لطوائف وأقليات دينية هامشية، كما قالت الصحيفة إنه من غير المقبول تعديل منهج المدنيات بشكل راديكالي، لاسيما وأنه الجانب التعليمي الوحيد الذي يحاول جسر الفوارق بين مجموعات السكان بإسرائيل. تعنت إسرائيلي وبدائل فلسطينية ضربت وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية عرض الحائط بالاحتجاجات ولم تكترث بملاحظات الأكاديميين العرب واليهود وتوصياتهم المهنية، وقد دفع ذلك قادة فلسطينين للتمرد على الكتاب وإعلانهم مقاطعته والعمل على وضع كتاب بديل، حيث رأى رئيس لجنة التربية العربية محمد حيادري، أن الحل يكمن في تشكيل طاقم مهني مشترك، يضم أكاديميين ومهنيين ومربيين يمثلون فلسطينيي الداخل، لصياغة منهج بديل يكفل خصوصية الطالب والمعلم العربي القومية والثقافية والتربوية، كما أكد عضو اللجنة التربوية البرلمانية يوسف جبارين، أنه شرع في الاتصال مع جهات أكاديمية ووطنية لصياغة وإصدار كتاب مدنيات بديل. من جانبها بعثت لجنتا المتابعة العليا للجماهير العربية، ومتابعة قضايا التعليم العربي، قبل أسبوعين برسائل احتجاج إلى الوزارة أكدتا فيها أن المدارس العربية ستقاطع الكتاب الجديد؛ لأنه متردٍ بمضمونه، ويخدم فكر ونهج فئات يمينية يهودية، ويؤكد أن إسرائيل دولة قومية يهودية، فضلاً عن أنه يفرض على الطلاب تعاليم الصهيونية وتعريفات أساسية للدولة مختلَف عليها، ويتجاهل تمامًا ملاحظات جوهرية تم تقديمها على مضمون الكتاب. محاولات تزييف صهيونية منذ عام 1967 تحاول إسرائيل يوميًا تطبيق موقفها اتجاه القدس، ورغم أن الكيان الصهيوني يمارس السيطرة الفعلية عليها إلا أنه يفتقر لسيادة شرعية يحاول نيلها بكافة الطرق، وإن نالها من جميع دول العالم فإنه لن ينالها أبدًا من أبناء الأرض الأصليين. استعمل الكيان كل الأدوات العلمية من أجل تطويع الأحداث التاريخية لمصلحة الدولة السياسية، وظهر ذلك جليًا في تصريحات رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو المثيرة للسخرية والاستفزاز في الوقت نفسه، والتي زعم فيها أن «النازيين لم تكن لديهم نية في إبادة اليهود بل أرادوا إبعادهم فقط، ولكن مفتي القدس حينها أمين الحسيني نصح هتلر بإحراقهم»، وقال نتنياهو في أكتوبر الماضي، إن مفتي القدس سافر إلى برلين وقال لهتلر: إذا طردتهم، سوف يأتون إلينا، فسأله هتلر: إذن ماذا علي أن أفعل معهم، فأجاب الحسيني: أحرقهم. الهلوسة الصهيونية حينها قابلتها موجة انتقادات في أوساط سياسية واسعة، وصلت إلى حد استفزاز الحكومة الألمانية وهو ما دفعها إلى الإعلان عن أن مسؤولية المحارق النازية تقع عليها، وأنه لا مبرر لتغيير رؤية هذا الشعب للتاريخ بأي شكل من الأشكال، وقال المتحدث باسم المستشارة الألمانية شتيفن زايبرت: إن جميع الألمان يعرفون تاريخ القتل الإجرامي العرقي الذي قام به النازيون وأدى إلى الانفصال عن الحضارة ولا أجد مبررًا لتغيير رؤيتنا للتاريخ بأي شكل.