برزت خلال العام الحالي أزمة التدخل التركي في العراق ومحاولات بغداد الدبلوماسية لوضع حد للانتهاكات الخارجية ضد سيادتها، فضلًا عن أزمة النفط المشتعلة دائمًا بين حكومة بغداد المركزية وإقليم أربيل. الحصاد المر للتحالف الدولي في العراق مر أكثر من عام على شن التحالف الدولي غارته ضد تنظيم داعش الإرهابي، إلا أن نتيجة هذه الضربات لم تظهر بشكل فعلي حتى الآن. وبعد نشر الصحف والوكالات العالمية تقارير رسمية ومعلومات كثيرة عن حصاد الضربات التي تقودها أمريكا، نجد أن ما ثبت على أرض الواقع شعار واحد هو سيد الموقف (داعش باقية وتتمدد). بدأت حرب الولاياتالمتحدة وحلفائها على داعش في العراق فعليًّا في 19 سبتمبر عام 2014، واستخدمت فيها مئات الطائرات المقاتلة والتجسسية والصواريخ المجنحة، إضافة إلى الأقمار الاصطناعية وأحدث تقنيات الرصد. وبحسب «روسيا اليوم» حشدت واشنطن تحالفًا يمكن القول إنه الأكبر في التاريخ ضد مجموعة إرهابية، ورصدت لحربها ضده 3.5 مليار دولار من ميزانيتها الدفاعية البالغة 650 مليارًا، ونشرت المئات من جنودها وخبرائها في الدول المجاورة. وكان لسلاحها الجوي نصيب الأسد، حيث قصف نحو 70% في العراق. ومع ذلك لم يؤدِّ ذلك إلى أي نتائج تُذكر. ومع كل هذا لا يزال الغموض حتى نهاية العام الحالي حول موعد حسم الحرب والقضاء على داعش، حيث إنه حتى الآن يسيطر على مساحات واسعة من الموصل، ومعظم أجزاء الرمادي، وأجزاء من كركوك بيجي، والكثير من المدن العراقية. وبحسب السفير الأمريكي في العراق ستيوارت جونز فإن للتحالف أكثر من 5 آلاف مستشار عسكري في العراق. ووفقًا للتحالف فإنه درَّب أكثر من 15 ألف عنصر أمني عراقي، ونفذ حتى الآن 4583 ضربة جوية، معظمها نفذها الطيران الأمريكي، وقدم 450 مركبة مصفحة كاشفة للعبوات الناسفة والألغام للقوات العراقية، فضلًا عن 200 صاروخ من طراز هيل فاير المتطور، الذي يُستخدَم ضد السيارات المفخخة المدرعة، وذخائر متنوعة. سياسة أمريكية تدعم التقسيم تمحورت السياسة الأمريكية في العراق خلال العام الحالي على الدعم السياسي المعلن والمباشر لحكومة العبادي، من خلال تزويد الجيش العراقي بالسلاح، أو دعم التحالف الدولي بقيادة واشنطن ضد تنظيم داعش. فيما فضحت تصريحات المسؤولين الأمريكيين عن العراق استراتجية واشنطن المبيتة نحو بغداد، فما كانت تصريحات البنتاجون عن تقسيم العراق إلا إشارة واضحة لنوايا وصفها كثيرون بالخبيثة. وقال رايموند أوديرنو، رئيس أركان الجيش الأمريكي المنتهية ولايته، إن "تحقيق المصالحة بين مكونات الشعب العراقي يزداد صعوبة"، معتبرًا أن تقسيم العراق ربما قد يكون الحل الوحيد لتسوية النزاع. وتحدث أودينيرو عن إمكانية تقسيم العراق قائلًا "هذا الأمر يعود إلى المنطقة، وإلى الشخصيات السياسية والدبلوماسيين في رؤيتهم كيف يمكن لهذا الأمر أن يجري، ولكن هذا أمر يمكن أن يحصل، وقد يكون هو الحل الوحيد". وحول الاستراتيجية الأمريكية لقتال داعش في العراق، قال أوديرنو "إذا لم يحرز الجيش الأمريكي التقدم الذي يحتاجه في الأشهر القليلة المقبلة، فعلى الأرجح علينا النظر تمامًافي نشر بعض الجنود مع القوات العراقية، ومن ثم نرى إذا كان قد حدث تغير أم لا". ويرى محللون أن لدى واشنطن خطًّا ثابتًا في تعاملها مع الوضع السياسي بالعراق، لا تعلق على نظام المحاصصة الذي أنشأته، لكنها لا تخفي تشكيكها في قدرة الحكومات العراقية في كافة الأزمنة على حشد جميع مكونات المجتمع العراقي لمحاربة داعش، لاعبة على وتر الحرب المذهبية بين هذه المكونات. ففي يونيو الماضي صرح رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال مارتن ديمبسي أن العراقيين يحتاجون إلى مزيد من الوقت للتغلب على انقساماتهم وخوض معركتهم مع داعش بأنفسهم. وأضاف ديمبسي "ندرس أيضًا خيارات بديلة في حال تبين أن الحكومة العراقية عاجزة عن اتخاذ خطوات «تغير قواعد اللعبة»، مثل تشكيل حرس وطني يضم أفرادًا من العشائر السُّنِّيَّة. وفي هذه الحالة سنضطر للبحث عن سبل أخرى لمواصلة ممارسة الضغط على داعش، واختيار شركاء آخرين يمكننا الاعتماد عليهم للدفاع عن أنفسنا". وفي مايو الماضي أيضًا أثار مشروع قرار أمريكي يتعامل مع الأكراد والسنة في العراق ك "بلدان مستقلة"، حيث صوتت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي على قانون يتعامل مع البيشمركة والفصائل السُّنِّيَّة المسلحة كقوتين مستقلتين. وينص القرار الذي طرحه أعضاء الكونجرس من الحزب الجمهوري على الاعتراف بالمكون الكردي والعشائر السُّنِّيَّة كدولتين مستقلتين؛ بهدف تقديم مساعدات أمريكية مباشرة لهما بعيدًا عن حكومة العراق المركزية. التدخل التركي في العراق تزايدت الاشتباكات الدبلوماسية بين تركياوالعراق في عام 2015، لا سيما مع شن أنقرة غارات في شهر أغسطس على مواقع حزب العمال الكردستاني بالعراق، الأمر الذي لاقى غضب الحكومة العراقية التي أكدت أن هذه الضربات تمثل اعتداء على سيادة العراق ولا بد من احترام القوانين الدولية في هذا الشأن. حدث في نوفمبر من عام 2015 تطور آخر، عندما تدخلت تركيا في منطقة بعشيقة شمال الموصل، وقالت تركيا إن هذه القوات موجودة لتدريب قوات البيشمركة الكردية، بينما اعتبر العراق أن هذا اعتداء صارخ على سيادة العراق من تركيا، وذلك بوجود هذه القوات بدون إذن رسمي من بغداد. وفي 12 ديسمبر 2015 قدم العراق احتجاجًا رسميًّا لمجلس الأمن؛ احتجاجًا على تواجد القوات المسلحة التركية قرب الموصل، وقال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إن وجود هذه القوات يمثل انتهاكًا لسيادة العراق على أراضيه من تركيا، بينما قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن هذه القوات موجودة منذ زمن وبعد اتفاق مسبق، مضيفًا أنه لن يقبل سحب القوات التركية من العراق. إلا إن هذه الأزمة انتهت في النهاية بسحب تركيا قواتها تدريجيًّا من شمال العراق، حتى انسحبت نهائيًّا قبل أيام قليلة من انتهاء العام الحالي. وكثرت تحليلات الخبراء والمحللين عن أسباب تدخل تركيا في العراق، ففي الوقت الذي تحدث فيه البعض عن تأمين وصول النفط الكردستاني إلى تركيا، تحدث البعض الآخر عن أهداف توسعية في العراق بعد فقد تركيا نفوذها نسبيًّا بسوريا بسبب التدخل الروسي، بينما أكد فريق ثالث أن هذه المنطقة تعتبر ذات أهمية قصوى لتركيا، خاصة وأنها كانت في الماضي تقع تحت الحكم العثماني؛ لذا ترغب أنقرة مرة أخري في ضمها. ورغم كثرة التحليلات، إلا أن هذا الأمر حُسِم في النهاية بانسحاب القوات التركية؛ نتيجة الضغط الدولي وتنديد مجلس الأمن وأمريكا والجامعة العربية. أزمة النفط بين بغداد وأربيل في العام الحالي شهدت العراق تجدُّد أزمة قديمة، وهي قضية النفط الذي يسيطر عليه إقليم كردستان شمال العراق، ففي هذا العام اتسعت فجوة الخلافات بين إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد، على خلفية تصريحات متبادلة بين الطرفين بشأن الاتفاق النفطي بينهما، والذي وقع في ديسمبر عام 2014 الماضي، ويقضي بارتباط بيع النفط بقانون الموازنة العامة للعراق. ووصل تدهور الأزمة إلى حد دراسة برلمان إقليم كردستان التشريع لحكومته لبيع النفط دون الرجوع إلى بغداد، حيث أعلن وزير الثروات الطبيعية في حكومة الإقليم في يونيو الماضي أن حكومته تدرس بيع النفط بأقل من ثلاثة دولارات عن سعر النفط العراقي، وذلك على خلفية عدم تسلم الإقليم الكردي حصته كاملة من الموازنة العامة والبالغ نسبتها 17%. وأدى تردي أسعار النفط وهبوط مستوى الإنتاج إلى زيادة حدة التوتر بين بغداد وأربيل. ووفقًا لخبراء الاقتصاد فإن غياب قانون النفط والغاز الذي ينظم عملية البيع سيجبر الإقليم على بيع نفطه مستقلًّا لتأمين احتياجاته، مشيرين إلى أن الاتفاقية الأخيرة حلت الكثير من المشاكل المالية بين المركز والإقليم، لكنها تلكأت؛ لذلك فإن أي محاولات من الطرفين، سواء الإقليم أو الحكومة العراقية، لتغيير الاتفاق النفطي، قد يفتح الباب أمام الخلافات بين الطرفين مرة أخرى.