بعد هجمات "باريس" التي أوقعت 129 قتيلا وآلاف الجرحي، أصبح مصير اللاجئين السوريين على مفترق طرق، حيث شهدت الأيام القليلة الماضية دعوات متعددة في الدول الأوروبية والغربية للحد من تدفق اللاجئين، ووصلت هذه الدعوات إلى المطالبة بطرد اللاجئين باعتبارهم سبب في دخول الإرهاب إلى هذه الدول، لتتضاعف بذلك معاناة هؤلاء اللاجئين الذين خرجوا من بلادهم هربًا من الإرهاب ليجدوه يلاحقهم في الدول الأوروبية. أمريكا بعيدًا عن تصريحات الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، والتي أكد فيها عدم ربط الهجمات الإرهابية في باريس بملف المهاجرين واللاجئين، وعلى عكس تصريحات ممثل الخارجية الأمريكية "مارك تونر" والتي أكد فيها على أن بلاده لن تغير من خطتها باستقبال المهاجرين السوريين، كشف أكثر من نصف حكام الولايات وأغلبهم من الجمهوريين عن رفضهم استضافة اللاجئين السوريين، وبلغ عدد هذه الولايات الرافضة لاستقبال اللاجئين 27 ولاية من بينهم "ألاباما، أريزونا، فلوريدا، جورجيا، نيو مكسيكو". وقال حاكم ولاية ألاباما الجنوبية "روبرت بنتلي": بعد النظر في الهجمات الإرهابية ضد المواطنين الأبرياء في باريس، سأعارض أي محاولة لنقل اللاجئين السوريين إلى الولاية، فيما أعلن حاكم ولاية ميشيغان "ريك سنايدر" الذي تستضيف ولايته إحدى أكبر الجاليات من أصول شرق أوسطية، عن قرار مماثل نظرا للأوضاع الرهيبة في باريس. الأمر لم يقتصر فقط على حكام الولاياتالأمريكية، بل وصل إلى المرشحين للانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث أكد العديد من المرشحين الجمهوريين للانتخابات، أنه لا ينبغي على الولاياتالمتحدة استقبال لاجئين سوريين خوفا من اندساس عناصر من تنظيم "داعش". ألمانيا أما ألمانيا فقد تراجعت أيضًا عن الترحيب باللاجئين، حيث قالت وزارة الداخلية الألمانية إن السوريين الذين وصلوا للبلاد ربما يرسلون لدول أوروبية أخرى، وأوضحت الوزارة أن قواعد "دبلن" ستطبق على الرعايا السوريين الذين يمثلون أكبر مجموعة من طالبي اللجوء منذ 21 أكتوبر الماضي، وهو ما يعني إعادة هؤلاء اللاجئين إلى دول الاتحاد الأوروبي التي وصولوا إليها، وأضافت أن وزارة الهجرة واللاجئين ستحدد ما إذا كانت ستسمح للمهاجرين بطلب اللجوء في ألمانيا أو تنقلهم لدول أخرى في الاتحاد الأوروبي بناء على دراسة كل حالة على حدة. وكانت ألمانيا قررت في أغسطس الماضي، إعفاء السوريين من مقتضيات قواعد "دبلن" الخاصة بالاتحاد الأوروبي، والتي تلزم المهاجرين بطلب اللجوء في أول دولة يصلون إليها، كشكل من أشكال الترحيب باللاجئين وتسهيل لجوئهم إلى ألمانيا، لكن بعد هجمات "باريس" انطلقت الدعوات إلى الحد من تدفق المهاجرين، وشمل ذلك اقتراحًا بإلغاء حقوق لم شمل الأسر لبعض اللاجئين السوريين، وفي ذات الإطار قال وزير المالية الألماني "فولفغانغ شويبله"، عقب الحادث الإرهابي، إن على بلاده أن تبلغ العالم بأنها وصلت إلى أقصى حدود قدرتها على مساعدة لاجئي الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا. الخطوة الألمانية قابلتها انتقادات حادة من قبل المنظمات الحقوقية، حيث أعربت منظمة "برو أزيل" وهي أكبر منظمة لمساعدة اللاجئين في أوروبا، عن قلقها من هذا الإعلان الألماني، وقالت إنه سيثير أجواء من الخوف والإحساس بعدم الأمان بين عشرات آلاف اللاجئين الذين وصلوا ألمانيا عبر المجر وكرواتيا، واعتبر المنظمة أن إعادة هذه الأعداد الضخمة من اللاجئين إلى كرواتيا أو المجر غير واقعي، وتشل عمل الجهاز المركزي الألماني للجوء والهجرة، فيما اعتبر معظم المراقبين أن إعلان الداخلية الألمانية عن العودة إلى العمل بمعايير "دبلن" غير ممكن التطبيق، لأن معظم اللاجئين الذين وصلوا ألمانيا لم يسَجلوا رسميا في أي دولة أوروبية مروا عبرها، وتقدموا بطلبات لجوئهم في ألمانيا. النرويج أعلنت الحكومة النرويجية أنها ستعيد جميع اللاجئين الذين يدخلون أراضيها من روسيا، وقال نائب وزير العدل النرويجي "ييران كالمور"، إن القانون النرويجي يسمح للحكومة بإعادة آلاف اللاجئين الذين دخلوا البلاد عن "الطريق القطبي" من روسيا، حتى إذا لم يكن لهؤلاء حق الإقامة في الأراضي الروسية، كما تعد النرويج حاليا تعديلات على قوانين الهجرة إلى البلاد، من أجل تبني إجراءات سريعة لترحيل طالبي اللجوء، دون انتظار صدور قرارات قضائية بشأن شكاواهم ضد هيئات الهجرة. فنلندا سارت فنلندا على نهج سابقيها من الدول الأوروبية التي حملت اللاجئين مسئولية حادث "باريس" الإرهابي، واستغلته لشن حملة وحشية شرسة عليهم لمضاعفة معاناتهم، حيث رجحت سكرتيرة وزارة الداخلية الفنلندية "بيافي نيرغ" رفض السلطات 65% من طلبات اللجوء التي قدمت خلال الأشهر القليلة الماضية، وأوضحت أن وزارة الدفاع اختارت تلقائيًا مجموعة من المرشحين للحصول على حق اللجوء ممن وصلوا البلاد خلال الأشهر الأربعة الماضية، وقيمت فرصهم واستنتجت أنه سيتم رفض طلبات 60-65% من هؤلاء. النمسا لم تختلف النمسا كثيرًا عن جاراتها الأوروبية، فقد قررت الحكومة النمساوية تشديد الرقابة على الحدود والمعابر، من خلال التحضير لبناء سياج بطول 24 كم في منطقة معبر "شبيلفيلد" على الحدود مع سلوفينيا لمنع تدفق اللاجئين، حيث أعلنت وزيرة داخلية النمسا "يوهانان ميكل لياتنر" استعداد السلطات للشروع فورًا بالأعمال التحضيرية لبناء السياج خلال يومين في حال ساء الوضع المتعلق باللاجئين. الأممالمتحدة انطلاقًا من الإجراءات الأوروبية والغربية المشددة ودعوات طرد اللاجئين أو ترحيلهم بسبب إلصاق تهمة الإرهاب بهم، انتقدت الأممالمتحدة، هذه الدعوات معتبرة أن هذا الأمر "ليس الحل"، وقال المتحدث باسم الاممالمتحدة "ستيفان دوجاريك": يمكن أن نفهم أن بعض الدول تأخذ إجراءات لحماية مواطنيها من الإرهاب بكافة أشكاله، لكن التركيز على اللاجئين يأتي على مواطنين ضعفاء هم أنفسهم فروا من العنف، وأوضح أن هؤلاء الناس فروا تحديدا من التدمير الذي يمارسه تنظيم داعش.