يتسم نشاط تنظيم داعش بديناميكية سريعة مثيرة للغاية، سرعان ما ينقل بؤرة نشاطه من منطقة لأخرى بسرعة عالية، من سوريا إلى العراق، ثم اليمن، وبعدها لبنان، وأخيرا فرنسا، وهذا الانتقال الديناميكي السريع يحتاج إلى قدرات هائلة من المال والظروف المناسبة، وبدون دعم دول كبرى لها مصالحها ونفوذها في مثل هذه المناطق لا يمكن أن تتم هذه الحركة الديناميكية الخطرة، كما أن عمليات داعش اتسعت بشكل لا يدع مجالا للريب من أنها مدعومة عالميا، فقد شملت عملياتها العراق ومصر وسوريا واليمن وتركيا وفرنسا وغيرها، فهل يحدث كل هذا من دون دعم كبير، وبدون إسناد دولي متمكن ومتجذر في العالم؟. سؤال يوجه إلى داعش، كما تم توجيهه من قبل لتنظيم القاعدة، لماذا لم يظهر أي نشاط داعشي في الكيان الصهيوني مثلا؟. الربط بين تنظيم داعش وتنظيم القاعدة مقبول جداً فكلاهما يحملان نفس الأيديولوجيات، ولكن بالرجوع إلى تاريخ القاعدة نجد أنها صناعة أمريكية بامتياز، حيث أظهر تسجيل فيديو اعترافات لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بأن واشنطن دعمت تنظيم القاعدة ماليا منذ عشرين عاماً، وأشارت إلى أن تلك العناصر تم استقدامها من السعودية، وأضافت أن أمريكا صنعت تنظيم القاعدة للتغلب على الاتحاد السوفيتي للحد من قدرته على السيطرة على آسيا الوسطى. صحيح أن تنظيم القاعدة صناعة أمريكية، ولكنها في نفس الوقت هي مَن أحرقته، فبإحراقه استطاعت أن تسيطر على منابع النفط في أفغانستانوالعراق، وكان منفذاً لهيمنتها على العالم بعد أحداث 11 سبتمبر، الذي كان عبارة عن سلسلة من الهجمات استهدفت عدة أماكن بأمريكا في توقيتات متزامنة. وعلى ما يبدو أن المخابرات الدولية قررت التخلص من داعش، فكانت هجمات 14 نوفمبر في باريس، التي كانت عبارة عن سلسلة من الهجمات المتزامنة في باريس، راح ضحيتها أكثر من 120 قتيلا، ولكن لماذا تتخلص المخابرات الدولية ومن خلفها الولاياتالمتحدة من داعش وفي هذا التوقيت؟. التدخل الروسي العسكري في سوريا سرَّع التدخل الروسي من قرار الولاياتالمتحدة وحلفائها للتخلص من داعش، فبالرجوع إلى كلمة هيلاري كلينتون بأن دعم واشنطن للقاعدة كان للحد من سيطرة الاتحاد السوفيتي على آسيا الوسطى، وقتها قامت أمريكا بدعم القاعدة لمحاربة الخطر الأحمر، وعندما أرادوا السيطرة على الأرض أحرقوا تنظيم القاعدة بذريعة محاربة الإرهاب ليسيطروا على أفغانستان، في الوقت الراهن، السيناريو لم يتغير، الأماكن وحدها هي ما تغيرت، فبدلاً من شرق آسيا أصبح الشرق الأوسط، وبدلاً من الاتحاد السوفيتي أصبحت روسيا، وبدلاً من أفغانستان أصبحت سوريا، و بعد التعديل في كلمة هيلاري كلينتون لتتناسب مع الوقت الحالي فتصبح "واشنطن دعمت داعش للحد من سيطرة روسيا على الشرق الأوسط"، فبعد دخول الروس إلى سوريا وجدت الدول التي صنعت داعش، بأن داعشها الذي صرفت عليه الكثير ومولته وقضت سنين لصناعته بهدف الاستفادة منه في إثارة الأزمات في المنطقة للدخول من خلاله عسكرياً فيما بعد بالبلد الذي تستهدفه كما فعلت مع تنظيم القاعدة، سيذهب مع الريح في حالة ما استطاع الروس القضاء عليه، وعلى ما يبدو بأن افتعال هذه الهجمات الباريسية سيجعل لها ذريعة للتدخل بشكل مباشر في سورياوالعراق، وبالتالي لا تجعل الشرق الأوسط ساحة يتفرد بها الدب الروسي. الهجمات الباريسية جعلت من فرنسا لها ضحايا من وراء داعش، وبالتالي ستفتح لها مجالاً أكبر في المناورة بالملف السوري، وعلى ما يبدو بأن فرنساوالولاياتالمتحدة اكتشفتا عدم صواب قرارهم بعدم محاربة داعش في سورياوالعراق وقررتا تصويب هذا القرار، وما كان مرفوضاً بالأمس من فرنسا وحليفاتها بأنه من غير المقبول محاربة داعش لأن محاربتها ستساهم في بقاء الرئيس الأسد، أصبح ممكناً اليوم بعد هذه التفجيرات، وإذا كان التدخل الروسي في سوريا لحماية أمنه القومي، فالتدخل الفرنسي وحليفاتها بسورياوالعراق في حال حدوثه سيكون أيضاً لحماية أمنها القومي من الإرهاب، كما أن قضاء روسيا وحدها على داعش سيمنحها مظهر البطل وهو شيء لا تريده الولاياتالمتحدة وحليفاتها، خاصة أن روسيا تحاول استعادة ثنائية القطب من جديد. انتصارات الجيش السوري شهدت سوريا في الآونة الأخيرة انتصارات عديدة وسريعة للجيش السوري لم يكن آخرها استعادته لمطار كويرس بعد حصار دام ثلاث سنوات، انتصارات أقلقت الولاياتالمتحدة وحليفاتها، لاسيما وأن انتصار الجيش السوري على الإرهاب يعني رجوع الإرهابيين إلى بلدانهم، كما أن المعلومات الأولية تشير إلى أن أكثر من 2000 فرنسي مجندون في داعش، وبالتالي عودتهم إلى باريس ستشكل خطراً عليها، فالتفجيرات التي حدثت في باريس ستعطيها الغطاء اللازم لتبديل موقفها من داعش أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، وتكون بمثابة المخرج المشرف الذي بواسطته يستطيع الفرنسي النزول من أعلى الشجرة. مؤتمر فيينا3 تزامنا مع عقد مؤتمر فيينا3، كانت تفجيرات باريس التي أعطت الولاياتالمتحدةوفرنسا مخرجاً مشرفاً إذا ما أرادت تغيير موقفها السياسي في فيينا3، وتغيير سياستها مع داعش، فكلنا يعلم أن روسياوإيران أطراف مشاركة في مؤتمر فيينا 3، وكلا الدولتين كانتا تناديان بضرورة محاربة الإرهاب، مطالب دائماً ما كانت تصطدم بالتعنت الأمريكي والفرنسي، وجاءت هذه التفجيرات في باريس كالقشة التي سيتعلق بها الطرف الأمريكي وحليفه الفرنسي لحمايتهما من الغرق، فبدلاً من أن يكون تغيير نهجهم من داعش سببه الوعي الروسي الإيراني الذي طالبهم من البداية بمحاربة داعش، سيكون الآن التفجيرات هي التي جعلتهما تغيران وجهة نظرهما حيال داعش، وبالتالي لن تمنح روسيا انتصارا سياسيا عليها في المحافل الدولية، وفي نفس الوقت ستجد طريقة تستطيع من خلالها تبرير سياستها المتخبطة تجاه داعش أمام الرأي العام. أزمة اللاجئين اشتداد الأزمة في سوريا ألقى بانعكاساته السلبية على المجتمعات الأوروبية، فارتفع عدد اللاجئين السوريين لديهم، ما يتطلب سرعة في العمل على إنهاء الأزمة، وبما أن الأطراف المتصارعة في سوريا هي النظام السوري المدعوم من روسيا، وداعش من جهة، فالطرف الأسهل على أمريكا القضاء عليه لإنهاء الأزمة السورية هو داعش، والقضاء على داعش سيضمن لأمريكاوفرنسا تقليل عدد اللاجئين الذين أصبحوا يشكلون عبئاً ثقيلاً عليهم، ومن جهة أخرى سيضمنون بأن لا يأتي إليهم لاجئون إرهابيون من سوريا إلى بلدانهم. الاتفاق النووي الإيراني على ما يبدو أن الاتفاق النووي الإيراني مع المجموعة 5+1 لعب دوراً بصورة غير مباشرة في الكشف المبكر عن نية أمريكا وحليفاتها في القضاء على داعش، خاصة أن فكرة فك الحصار الاقتصادي عن إيران بعد رفع الحظر عنها، سيعطيها أريحية كبيرة في محاربتها لداعش، فالاتفاق النووي اعتبره البعض اعترافاً أمريكياً بالدور الإيراني في المنطقة وطريقة جديدة في تعاطي واشنطن مع طهران، لاسيما وأن حليفها السعودي باتت سياساته في المنطقة عفوية وغير مدروسة تقودها الأهواء الشخصية وهو ما يهدد أمن المنطقة برمتها، وبالتالي الانفتاح الأمريكي الأوروبي على طهران ليس من باب المحبة، ولكن سياسة إيران بالمنطقة في محاربة داعش، المارد الذي صنعته أمريكا، وعلى ما يبدو أنها لن تستطيع أن تصرفه وحدها، أصبحت تروق لأمريكا وأوروبا، فتفجيرات باريس هنا جاءت متسقة مع فرضية أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تنوي التخلص من داعش. وفي هذه الحالة، هل تكون فرضية أن هجمات باريس من الممكن أن تكون من صناعة المخابرات العالمية والأمريكية واردة؟، ليغيروا من خلالها ملامح السياسة في العالم بشكل عام والشرق الأوسط على وجه خاص كما هو الحال في هجمات 11 سبتمبر، فالكذب والقتل والخداع وارد في السياسة الأمريكية، فغزو العراق كان مبني على كذبة، مفادها بأن العراق يمتلك أسلحة نووية.