لن نتحدث عن أسباب سقوط الطائرة الروسية في سيناء، ولا عن مواقف الدول التي استبقت التحقيقات الرسمية وخرجت للتحدث عن سقوطها بعمل إرهابي، ولا عن الهجمة الإعلامية الغربية الغير مهنية التي استهدفت السياحة المصرية، ولنترك كل ذلك للمستقبل القريب الذي بدوره سيوافينا بحقيقة الحادث الأليم، وهل مواقف الدول والتقارير التي نشرت عن الحادث صحيحة أم لا؟، لكن ما يهمنا في هذا التقرير هو التعرف على الدول الرابحة والخاسرة سياسيًا من سقوط الطائرة الروسية في سيناء دون اتهام أحد منهم بالضلوع أو المساهمة في الحادث، وإنما بناءً على وضع هذه الدول وموقفها من قضايا إقليمية. أمريكا وحلفاؤها الغربيين وتخبط موسكو رجوع روسيا مرة أخرى إلى الواجهة الدولية، والمشاركة في أغلب قضايا منطقة الشرق الأوسط، جعل الدول الغربية تشعر أن الدب الروسي بدأ يستعيد قوة الاتحاد السوفيتي مرة أخرى قبل التقسيم، وأن العالم اقترب من سياسة القطبين، ولعل ما يحدث في القضية السورية أكبر دليل على ذلك، فمع استمرار الدعم الروسي للرئيس بشار الأسد، دون مقدرة غربية وخليجية على خلخة هذا الدعم أو إسقاط النظام، فضلًا عن وصول الأمر إلي شن روسيا غارات في سوريا لمحاربة تنظيم داعش، تيقن الجميع أن موسكو بدأت تخطو نحو زيادة النفوذ الإقليمي للتوازن مع الغرب، ما أعطي أمريكا وحلفاءها الغربيين ربحًا سياسيًا كبيرًا بعد سقوط الطائرة الروسية في شمال سيناء، فبعد هذه الحادثة شهد الجميع تراجع الحماسة التي بدأت بها روسيا لحسم الملف السوري، وبات الجميع يفكر في حل لكارثة الطائرة المنكوبة. وبعيدا عن الأزمة السورية تتشابك روسيا مع الغرب في الملف الأوكراني، وعزز سقوط الطائرة الروسية انشغال موسكو عن التحرك السياسي والدبلوماسي في هذا الملف، كما أظهرت المواقف الغربية وسرعة بريطانياوأمريكا في التحدث عن أن الطائرة الروسية سقطت نتيجة عمل إرهابي، مدى التخبط الروسي بعدما أعلنت عن تعليق رحلاتها إلى مصر، وقد يكون نتائجه خسارة القاهرة كحليف في بعض القضايا الإقليمية مثل سوريا وتضامنها مع الدول الغربية المعادية وهو ما كانت تريده هذه الدول. الصمت الخليجي وتحرك الإمارات ما حدث مؤخرًا من مواقف دولية إزاء مصر جراء سقوط الطائرة الروسية والاتهامات بأن هناك تقصيرا أمنيا وتعليق هذه الدول رحلاتها، مما أثر على الوضع الاقتصادي والسياحي في مصر، يستوجب تحركات عربية خليجية أكثر نشاطًا من أجل وقف هذا الهجوم الغربي، لاسترجاع الثقة في الدولة المصرية مرة أخرى بعد سقوط الطائرة، إلا أن ما حدث من صمت خليجي خاصة سعودي بعد سقوط الطائرة كان متوقعًا على خلفية توسع هوة الخلافات نسبيًا بين الرياض ومصر في قضايا مهمة مثل سوريا واليمن، فبعد الدعم المصري الصريح للضربات الروسية في سوريا، وبعد عدم تحرك مصر بالشكل المطلوب من السعودية في ملف اليمن، أصبحت العلاقات بين مصر والمملكة ليست على ما يرام. ولعل الإحراج الروسي للإدارة المصرية بعد تعليق الطيران إلى مصر في أعقاب سقوط الطائرة الروسية، كان ربحًا سياسيًا مهمًا للرياض، خاصة لاسترجاع مصر إلى الحضن السعودي، وتقارب الهوة في ملفات تعتبرها السعودية مهمة جدًا لبقاء نظامها الملكي، وهي ملفات تتشابك مع إيران في المنطقة. وخلافًا للصمت السعودي كان هناك تحرك إماراتي حليف الإدارة المصرية، تنفست من خلاله الصعداء بعد التحرك البريطاني الأمريكي المفاجئ بانتقادات تشير إلى أن هناك مناطق خارج السيطرة المصرية، حيث نشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية تقريرًا ليس مفاجئًا بالمرة لكن مفاجئ من حيث التوقيت وربطه الكثير بأنه جاء على خلفية الموقف البريطاني إزاء حادثة الطائرة الروسية، قالت فيه إن دولة الإماراتالمتحدة هددت بوقف صفقات أسلحة بمليارات الدولارات مع بريطانيا، وكذلك إيقاف استثماراتها وتعاونها الاستخباري مع لندن إذا لم يقم ديفيد كاميرون باستهداف الإخوان المسلمين. نشر هذا التقرير في هذا التوقيت رآه البعض ضغطًا من الإمارات على الحكومة البريطانية من أجل التوقف عن اتخاذ مواقف سلبية من الإدارة المصرية، وتحرك منها للضغط على أذرع الإعلام الإخواني في بريطانيا والتي تستقي منه صحف بريطانية التقارير والأخبار عن سقوط الطائرة في مصر. خسارة سياسية لمصر ما أظهره حادث سقوط الطائرة الروسية، وإعلان موسكو تعليق رحلاتها إلى القاهرة، أثار جدلًا كبيرًا حول قوة النظام المصري، ومدى تحركه الرسمي في الأزمات المشابهة، تاركًا المجال الإعلامي ومواقع التواصل الاجتماعي لإدارة المشهد، حتى استغلته جماعة الإخوان كمكسب سياسي لها في معركتها ضد الإدارة المصرية، وإظهار مدى التخبط الحكومي خارجيًا وداخليًا حيال تلك الأزمات.