ما بين مواطن بسيط يلعن الظروف وهمته ليلحق بوظيفة ما بعد الظهر وشعبطته في أتوبيس العودة في سواد الليل إلي أسرته وما بين عجوز يفحمنا بسرده لخير زمان وما بين شاب يكسر الملل علي القهوة يقرأ في باب الوظائف الخالية ..ذهبت ذاكرتي إلي أيام حكومة نظيف بل سافرت إلي عهد الجنزوري وعادت في النهاية إلي الجنزوري أيضاً , داهمني الشك بذاكرتي هل هي بخير أم تأثرت بالتعاقب السريع للأحداث ؟! ذهبت لمشاهدة التليفزيون, إستوقفني البث المباشر لإحتفالات الكاتدرائية بأعياد الميلاد المجيد وممن كانوا يجلسون في الصفوف الأولي من كبار شخصيات الدولة ولواءات الجيش خاصة قائد الشرطة العسكرية صاحبة المدرعات المرتبكة في أحداث ماسبيرو , تحركت ذاكرتي الراكدة إلي مشهد ما بعد حادث كنيسة القديسين الذي لا يختلف كثيراً عن حادث ماسبيرو ونفاق قيادات الدولة ووضع أيديهم الملطخة بدماء الشهداء في أيدي البابا شنودة والذي قدم لهم التحية بحضورهم ..وماذا لو كان من الحاضرين أب أو أم لشهيد من شهداء ماسبيرو؟! مرّ شريط الأحداث في ذاكرتي التي استحضرت نفس التحذيرات من مخطط خارجي يستهدف أمن مصر وإستقرارها والتي تثير ذعر المواطن البسيط والملايين التي تقع علي شاكلته والتي لا يهمها سوي لقمة عيشها وخشيتها من أن تتأثر بأي من الأحداث العارضة..لا أخفي عليكم فهذه كلمة سر إجهاض أي ثورة , فقط زاوج بين الإستقرار ولقمة العيش ثم أعد أي حادث مفتعل كنموذج بسيط لما يمكن أن يحدث إذا إشتعلت الأحداث وستجد الملايين يلعنون فيمن يسعي لهز عرش سلطة فاسدة لا يهمها سوي مصالحها فقط لأنهم إستغلوا جيداً الشعب المنهمك علي لقمة العيش ولو علي حساب إستقرار زائف يتخفي وراءه الفاسدون. كالعادة يصمت المواطن الكادح ويصمت أصحاب السلطة ويعلو صوت الشباب بحماسهم وجرأتهم وإيمانهم بأن الوطن فوق كل شيء كما صاح بيتر يوسف بهتافه الذي رّج أركان الكاتدرائية داعياً بسقوط حكم العسكر غير عابئاً بموقف سيده البابا شنودة فقط قال ما أملاه عليه ضميره نحو إخوته من الشهداء. وكأن آلة الزمن توقفت عند تلك اللحظات وكأن آلة الذاكرة لم تسع سوي تلك المواقف بداية من الجنزوري “رئيس وزراء مبارك” وعودته لنفس المنصب وبعد قيام ثورة خلعت رئيسه وكأن الثورة قامت من أجل العودة إلي الوراء وكأن المجلس العسكري يعاقب الثوار علي إختيارهم المخفق لعصام شرف وأن العسكري يبلغ من الحكمة والحنكة في إدارة تلك المرحلة وإنقاذ الوطن برجل من رجال النظام المخلوع إسمه كمال الجنزوري والذي من المفترض أن ينهي الفترة الإنتقالية رئيساً للوزراء ووقتها لا نتعجب من أن يدّعي أحد أن كل ما مضي كانت أحداث قد ألحقت أضراراً بالوطن وجعلته علي حافة الهاوية ثم تدارك المجلس العسكري الموقف بتعيينه للجنزوري للعبور بهذه الأزمة إلي بر الأمان الزائف في حكومة إنقاذ العسكري لا الوطن! بإستمرار تزاوج القيادات الدينية بالسلطة الحاكمة والسير في نفس طريق إستحضار آيات النفاق والتلويح بنفس ورقة الفتنة الطائفية وبنفس دعوات شباب لم يعرفوا المستحيل بالنزول للميادين في 25 يناير وبنفس الإعلام الموجه والذي لا يهمه سوي إيرادات الإعلانات ولو علي حساب قول الحق ..أتيقن من أن النظام لم يسقط بعد , قد تتلاعب بي ذاكرتي فأهرول إلي نتيجة العام الميلادي أجذب في أوراقها مكتشفاً أنه قد مر عام علي الثورة وأننا في يناير 2012 والأحداث تكرر كما هي وبنفس المنهج المباركي . كل ذلك يعطيني الأمل في أن الثورة ستستمر بنظام يدّعي الذكاء فيقع في شر أخطائه وبحماس شباب يحمل كفنه علي يده من أجل وطنه وبخبرة الكبار وصبرهم علي أحلامهم وبثقافة الرواد التي تنير طريق الثورات..ويبقي الشعب صاحب القرار الأخير في يناير الآخر!