على مدار العام الماضي وصولًا لبداية العام المالي 2015/2016 الجاري، رفع عدد من مؤسسات التصنيف الدولي في مقدمتها "فيتش، موديز، ستاندرآند بوزر"، درجة ثقتها في قدرة الاقتصاد المصري على التعافي لدرجة مستقرة، مع زيادة توقعاتها المستقبلية في التعافي، ليتوقع صندوق النقد الدولي بعد ذلك وصول معدلات النمو في مصر نحو 3.5% خلال السنة المالية الحالية، لتعلن الحكومة أنها بصدد تنفيذ إجراءات تتفق مع برنامج الإصلاحي الاقتصادي الاجتماعي، الخاص بتهيئة مناخ الاستثمار وتحقيق الانضباطين المالي والنقدي، بما في ذلك إعادة النظر في قوانين الضرائب وحماية الفئات الأولى بالرعاية. مع تراجع الاحتياطي النقدي بنهاية سبتمبر الماضي بمعدل 1.75 مليار دولار مسجلًا 16.334 مليار دولار عن أغسطس السابق عليه، سادت حالة من التخوف لدى البعض، بالتزامن مع حضور كل من وزارتي المالية والتعاون الدولي والبنك المركزي فعاليات الاجتماعات الدورية لصندوق النقد والبنك الدولي، وعرض توجه الحكومة خلال الفترات المقبلة، لتعلن إحدى مؤسسات التصنيف الائتماني أن معدلات التعافي الاقتصادي أصبحت متباطئة وسط تخوف من آثار تراجع الاحتياطي النقدي على الاقتصاد، في ظل أزمة الحكومة في تدبير العملة الدولارية للصناع والمستوردين، لشراء مستلزمات الإنتاج. خبراء الاقتصاد أكدوا معظم الإجراءات الإصلاحية التي أعلنت عنها الحكومة، حتى وإن نفذت جزءًا ضئيلًا منها، إلَّا أنه لم تظهر آثارها؛ خصوصًا أن المواطن مازال لم يشعر بها، لظروف خارجة عن إرادة الحكومة وأخرى تعتبر ضمن مهام مسؤوليتها، مطالبين بضرورة العمل الفترات المقبلة على جذب مزيد من الاستثمارات، وتحسين بيئة الأعمال لعودته مرة أخرى لتحريك الاقتصاد. قالت الدكتورة سلوى العنتري، الخبيرة المصرفية ورئيس اللجنة الاقتصادية بالحزب الاشتراكي: مؤشرات التعافي الاقتصادي تتوقف على معدلات النمو الحقيقي للاقتصاد، خلال الفترات التي أعقبت اندلاع ثورتي 25 يناير و30 يونيو، مؤكدة أنه للمرة الأولى منذ 4 سنوات ماضية، يحقق معدل النمو نسبة 4% بعد أن كان يحقق 1.5 و2%. وأضافت العنتري: بالإضافة لقدرة الحكومة السيطرة على الفجوة التمويلية، موضحة أنه تم تخفيض عجز الموازنة فعليًّا، بالنسبة للناتج المحلي، طبقًا لما هو مستهدف بكل عام مالي، بالمقارنة بسنوات قليلة سابقة، مشيرة إلى أنه رغم وجود تحسن طفيف في مؤشرات الاقتصاد حاليًا إلَّا أن الواقع لا يعني أننا مازلنا في مرحلة عنق الزجاجة ولم نتعاف بعد. وأشارت العنتري إلى أنه لا يمكن انخفاض معدلات البطالة بنسبة طفيفة، لكنها مازالت قائمة، وكذلك الحال بالنسبة لعجز الموازنة الذي مازال أزمة تؤرق الاقتصاد القومي، مؤكدة أن مشكلة تناقص الدولار وتوفيره للقائمين على القطاعين الاستيرادي والصناعي لم يتم حلها حتى الآن. وأوضحت العنتري أن هناك نقصًا حادًّا في مواردنا من النقد الأجنبي لدرجة أنها أصبحت خارج السيطرة من قِبَل البنك المركزي؛ بسبب سياسات سابقة، بالإضافة لتأثر قطاع موارد القطاع السياحي وتحويلات المصريين العاملين في الخارج، وبالتالي هذه الأسباب تعتبر خارجة عن إرادة الحكومة؛ بسبب الظروف السياسية التي مرت بها البلاد عقب الثورة. وأضافت العنتري أن البنك المركزي مهمته مقتصرة على تدبير الاحتياجات الأساسية من السلع الاستراتيجية والأدوية والمواد الخام اللازمة للقطاع الصناعي، وإصدار إجراءات لمحاربة السوق السوداء، في المقابل مازالت مكونات الاحتياطي النقدي للبلاد في تراجع، مع الأخذ في الاعتبار أنها ليست مملوكة للدولة، خصوصا أنها ودائع دول عربية من الممكن سدادها في فترة زمنية محددة. وأشارت العنتري إلى أن مسألة تعافي ملف النقد الأجنبي يتطلب عودة القطاع السياحي مرة أخرى، باعتباره موردًا للعملات الأجنبية، مشيرة إلى أن الأمر يتوقف على وضع خطط على الأجل القصير والتعامل مع الاحتياجات والموارد المحدودة، من منطلق المفاضلة وتغيير الوضع الراهن. وذكرت العنتري أن البنك المركزي ليس مسؤولًا عن تلك السياسيات، معتبرة أنها مسؤولية الحكومة التي لم تتخذ أي إجراءات لحظر السلع الترفيهية التي تستنزف النقد الأجنبي أو على الأقل تفرض عليها ضرائب تصل ل200% كإجراءات منع دخولها وإلغاء الدعم عليها؛ لأنها لا تغطي الاحتياجات الأساسية للمواطن. وطالبت العنتري بضرورة إصدار الحكومة قوانين تمنع دخول السلع الاستفزازية أو السلع البديلة للمنتج المحلي ومراقبة الأسواق، وأن يكون للحكومة دور فعال وحقيقي، من خلال جهاز المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية في القضاء على الاحتكار وحماية المستهلك المصري، مؤكدة أن كل تلك النقاط من شأنها توفير النقد الأجنبي لخزانة الدولة. وشددت على ضرورة إعادة هيكلة الاقتصاد القومي ودعم الصادرات المصرية، بما يحقق لها التنافسية مع مثيلها الأجنبي. من جانبه قال حلمي الراوي، مدير مرصد الموازنة وحقوق الإنسان: المواطن مازال لم يشعر بأي تغيير ملموس للتعافي الاقتصاد الذي صرحت به الحكومة، مؤكدًا أن الأسعار تتزايد بشكل جنوني، خصوصًا بالنسبة للمنتجات والسلع التي تعد استراتيجية كالخضروات وغيرها. وأضاف الراوي أنه حتى الآن مازالت الحكومة تعلن عن خطط للإصلاح الاقتصادي الاجتماعي ولم تظهر مؤشراتها، مشيرًا إلى أن أي طرق للإصلاح المنشود تتطلب وجود سياسيات مالية واقتصادية ونقدية، وهو حتى الآن غير موجود. وأشار الراوي إلى أن الحكومة ممثلة في وزاراتها الاقتصادية تدشين برنامج تكافل وكرامة لمحدودي الدخل، معتبرًا أنه ليس برنامج، لكنه محاولة للسيطرة على عجز الموازنة العامة الذي يتفاقم سنويًّا. وأوضح الراوي أن تقييمات مؤسسات التصنيف الدولي للاقتصاد القومي لا يمكن إنكار الأخذ بها، لكن هدفها سياسي من حيث الأساس، معتبرًا أنها لا تؤثر إلَّا على المشروعات الكبرى فقط، لكن لا تأثير لها على مستوى الاستثمارات التي تحرك السوق. وأشار إلى أن المرحلة الراهنة تتطلب إعادة النظر في بنود النفقات، وتطبيق موازنة البرامج والأداء الذي أعلنت عنه وزارة المالية ولم تنفذه حتى الآن، والعمل على التوسع في الاستثمارات القومية لتحريك الاقتصاد وتوفير فرص العمل.