«إن عذاب مصر الحقيقي قد بدأ منذ حُصر العقل المصري في إطار المسلمات النهائية، التي لا تقبل المناقشة، وكان هدف الغزاة والطغاة باستمرار أن يفقدوا هذا العقل قدرته على التفكير والحركة، لذلك ركزوا كل جهدهم على تحطيم حيويته وتبديد قدرته الخارقة على الابتكار والملاحة في البحار الصعبة، وكان أخطر ما فعلوه أن حولوا هذا العقل إلى عقل يعرف جيدًا علامات "التنصيص" ويجهل علامات الاستفهام والتعجب، عقل يفتقد تدريجيًا إلى الحاسة النقدية، التي تمكنه من تحطيم المحرمات التي تحول بينه وبين الثورة على واقعه وانتزاع مقدراته من أيدي الطغاة والغزاة». هكذا يقول صلاح عيسى في كتابه «حكايات من دفتر الوطن»، الذي صدر حديثًا عن الهئية المصرية العامة للكتاب، ضمن مطبوعات مشروع مكتبة الأسرة، وصدرت الطبعة الأولى من بعض فصول هذا الكتاب عام 1973 بعنوان "حكايات من مصر". ويقول عيسى في الطبعة الجديدة: بدأت في صيف 1988 بإعداد طبعة جديدة فإذا بي أغرق فيها شهورًا وأعيد كتابة بعض فصولها من الأساس وأضيف إلى بعضها الآخر ما كشفت عنه الدراسات التى صدرت بعد الطبعة الأولى، وأضيف ما وجدته من حكايات لم تدركها الطبعة الأولى، وبعد أن انتهيت وجدت بين يدى كتابًا جديدًا ليس هو الطبعة الأولى، فقررت تغييره إلى "حكايات من دفتر الوطن". ويضيف في مقدمة الكتاب: كان أملي أن تنقل هذه الحكايات قارئها إلى الزمن الذي جرت فيه الأحداث بكل ملامحه وشخوصه ومبانيه وحوادثه وصحفه وفنونه، ومن هنا كان ذلك العدد الكبير من الصور التاريخية النادرة لأبطال الزمان الذي ولى بشرًا وأماكن وحوادث، وهذه الحكايات ليس فيها سطر واحد من الخيال أو عبارة واحدة لا تستند إلى مرجع أو مصدر سواء كان وثيقة أو صحيفة أو مذكرات أو دراسات وأبحاث، فهو تاريخ يخضع لكل شروط حرفة التأريخ. الكتاب صدر قبل ذلك في نسخته الكاملة بنفس العنوان في سلسلة كتاب الأهالي عام 1992، وفي مكتبة الأسرة عام 1998، ويقول القراء عنه: كتاب تاريخ عبارة عن عدة روايات، كتاب شيق وممتع جدًا في القراءة، لو منهج التاريخ في المدارس كتب بنفس أسلوب الكتاب "كان زمان حاجات كتير اتغيرت في الثقافة المصرية، أهم حاجه تكتشفها في الكتاب إن التاريخ بيعيد نفسه وإن الشخصية المصرية في عهد المماليك هي نفسها أيام الثورة العرابية هي نفسها الشخصية المصرية في 2015، شخصية الهلباوي أيام الاحتلال هي نفسها شخصية فريد الديب في العصر الحالي، وموقعة القتال بين المصريين والأجانب وعدم تدخل الشرطة المصرية لوقف القتال أيام الثورة العرابية هي نفسها موقعة الجمل في العصر الحالي مع اختلاف الأسلوب، أما عصر المماليك فتقريبًا مشابه بنسبة كبيرة للعصر الحالي، التجارة بالدين وقضاء فاسد وانحلال في الأخلاق". صلاح عيسى كاتب وصحفي ومؤرخ، ولد في 4 أكتوبر عام 1939، في قرية بشلا بمحافظة الدقهلية، حصل على بكالوريوس في الخدمة الاجتماعية عام 1961، ورأس لمدة خمس سنوات عددا من الوحدات الاجتماعية بالريف المصري، بدأ حياته كاتبا للقصة القصيرة ثم اتجه عام 1962 للكتابة في التاريخ والفكر السياسي والاجتماعي، تفرغ للعمل بالصحافة منذ عام 1972 في جريدة الجمهورية، أسس وشارك في تأسيس وإدارة تحرير عدد من الصحف والمجلات منها الكتاب والثقافة الوطنية والأهالي واليسار والصحفيون، واعتقل لأول مرة بسبب آرائه السياسىة عام 1966 وتكرر اعتقاله أو القبض عليه أو التحقيق معه أو محاكمته في سنوات 1968 و1972 و1975 و1977و1979و1981، وفصل من عمله الصحفي، وأصدر أول كتبه الثورة العرابية عام 1979، وصدر له 20 كتابًا في التاريخ والفكر السياسي والاجتماعي والأدب، منها تباريج جريج ومثقفون وعسكر ودستور في صندوق القمامة ورجال ريا وسكينة.