أصبح التفوق اليهودي في المنطقة العربية، وتغلغل وهيمنة النفوذ الصهيوني في دوائر ومراكز صنع القرار العالمي حقيقة لا مراء فيها، فقد نجح الصهاينة في الحصول على الدعم اللازم من دول الغرب لإقامة دولتهم في فلسطين، وتأسيس المنظمات، وتقوية نفوذهم، والوصول لمراكز القوى وصنع القرار السياسي في الدول الكبرى عن طريق اللوبي الصهيوني القوي اقتصادياً وإعلامياً وتنظيمياً والمتغلغل في كل مفاصل الحياة الأمريكية، والذي يضم أفراداً ومنظمات يعملون بكفاءة ودقة عالية من أجل صياغة السياسة الأمريكية بالكيفية التي تضمن تحقق الولاء الأمريكي لإسرائيل، ولهذا يعتبر اللوبي من أقوى جماعات الضغط في الولاياتالمتحدة، نظراً لسيطرته شبه المطلقة على أبرز أنشطة ومجالات الحياة الأمريكية. ويتكون اللوبي الصهيوني من مزيج من اليهود الأمريكيين، ومن شخصيات إنجيلية مسيحية مرموقة، وعدد من المحافظين الجدد، وتعتبر منظمة الآيباك (لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية) من أقوى المنظمات الصهيونية التي تغلغلت في عصب الاقتصاد الأمريكي، وتملك تأثيراً هائلاً في السياسة الخارجية الأمريكية، وبإيجاز شديد فإن الآيباك هي من يمسك بعصب حياة الكونجرس الأمريكي، وتحتل مكانة شبه ميثولوجية في عقول الاستراتيجيين الأمريكيين والأكاديميين وصناع القرار. ويظهر تأثير اللوبي على النظام السياسي الأمريكي لتوظيفه لخدمة اليهود، بسبب تمتعه بنفوذ قوي في واشنطن يسخره لممارسة الضغوط على السلطتين التشريعية والتنفيذية لدفعهما نحو الدعم والتأييد المطلق لدولة إسرائيل، ويمتد هذا التأثير إلى الكونجرس الأمريكي، لأنه يضم بين أعضائه الكثيرين من الصهاينة المسيحيين، وقد عمل اللوبي الصهيوني منذ البداية مدعماً برجال المال والبنوك والأعمال والإعلام وغيرهم، على إيصال العناصر الموالية لإسرائيل إلى سدة الحكم داخل الإدارة الأمريكية، عن طريق تمويل الحملات الانتخابية المحلية والفيدرالية لأعضاء الكونجرس ومجلس الشيوخ. وعلى أرض الواقع فقد تمكن اللوبي من إقناع القادة الأمريكيين وغيرهم بتأييد العدوان الصهيوني المتواصل على فلسطين، واستئصال خصوم إسرائيل الإقليميين كالعراقوسورياوإيران، فأثناء بروز العراق كقوة إقليمية صاعدة في المنطقة تهدد أمن وبقاء دولة إسرائيل المزعومة، كان انشغال اللوبي وإسرائيل في تلك الآونة بالتحريض على العراق لإسقاط نظام صدام حسين العدو اللدود لليهود، لحماية أمن إسرائيل، ولتوجيه رسالة قصيرة من كلمتين لكل النظم المعادية للوجود الصهيوني في المنطقة، وهي (إنك التالي)، لكي تعي الدول العربية وتدرك جيداً أن من يسلك طريق صدام المحفوف بالمخاطر، والمعادي والمتحدي للسياسة الصهوأمريكية فسوف يلقى ذات المصير. أما بعد سقوط بغداد فقد بادر اللوبي وإسرائيل إلى التحريض على سوريا من أجل تغيير النظام السوري، لأنهم يرون أن سوريا قد تجاوزت الخط الأحمر، ومن ثم فلابد من التخلص منها، وها هي الفتن والمؤامرات لازالت قائمة ولم تنته بعد لتفتيت سوريا لتلقى ذات المصير الذي لاقاه العراق من قبل. وبتسليط الضوء على موقف اللوبي وإسرائيل من إيران، نجدهما يدركا جيداً أن إيران هي العدو الأشد خطراً وبأساً، لأنها الخصم الأكثر قرباً من امتلاك أسلحة الدمار الشامل، والتي من خلالها سيحدث توازن في موازين القوى في المنطقة العربية، وإقصاء الكيان الصهيوني من الانفراد بميزان القوى، ومزاحمته على الأوضاع القائمة، ولهذا بذل اللوبي جهوداً حثيثة لفرض حصار اقتصادي على إيران – وكان له ما أراد – لإنهاكها اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، لتسهيل عملية الانفراد بها والانقضاض عليها، وظل اللوبي يمارس ضغوطاً مكثفة على إدارة بوش وأوباما لوضع حد للبرنامج النووي الإيراني، ثم التخلص من إيران قبل أن يستشري خطرها ويعظم خطبها. إلا أننا ندرك جيداً أن الواقع يقر بأن الولاياتالمتحدة لم تحقق أي نجاح يذكر بشأن البرنامج النووي الإيراني، ولازال اللوبي يكثف من حملاته المحمومة لإشعال العداوة بصورة أكثر فاعلية من ذي قبل بين طهرانوواشنطن، لإجبار الأخيرة على التخلص من إيران، بينما تظل إيران تجابه وتقاوم وتمضي في طريقها من دون أن تتعثر، وسوف نرى ما الذي سيحمله المستقبل القريب في طياته من انحرافات خطيرة قد تؤدي إلى المساس بمستقبل العلاقات الدولية. ومن منظوري الخاص فلا أرى خطراً هائلاً بالصورة التي قد تترآى للبعض من اللوبي الصهيوني ومن على شاكلته من جماعات الضغط المتناثرة هنا وهناك في شتى أرجاء العالم، إلا على الأمم والشعوب المتخلفة والفاسدة التي يسربلها التطاحن والتمزق والانقسام، ويسهل استدراجها واستغلالها والتلاعب بمصيرها وتطوعيه بالطريقة والكيفية التي تخدم آمال وتطلعات الآخرين، أما الدول والشعوب الواعية القوية المتلاحمة، والتي تبدو كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمي، فإمكانية تمزيق أواصرها وتفتيت وحدتها، تبدو كسراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، أو تبدو كالسير في درب مظلم تحوطه الأشواك، من دون إغفال أن لكل قاعدة استثناء قد يرد عليها.