زيادة الانتهاكات الإسرائيلية في الوقت الراهن ضد القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية داخل الأراضي الفلسطينية، تعيد لنا الذاكرة تفاصيل المخطط الذي ينفذه الكيان الصهيوني منذ عدة أعوام لبسط سيطرته على هذه المقدسات، فبين تهويد للقدس، وتشريد للفلسطينيين، وتدنيس الأقصى، وبناء جدار الفصل العنصري، وإقامة مستوطنات، وتحويل المساجد إلى كنس يهودية، تشهد الأراضي المحتلة هجمة صهيونية في محاولة لتغيير معالم التاريخ في معظم أجزاء فلسطين. تهويد القدس منذ اليوم الأول لاحتلال القدس عام 1967، عملت الحكومات الإسرائيلية المتلاحقة جاهدة لتهويد المدينة المقدسة وتغيير طابعها العربي والإسلامي، وطال مسلسل التهويد كافة أحياء المدينة العربية وسكانها، ونفذ المسلسل بأدوات الاستيطان ومصادرة الأراضي والسيطرة على التعليم و"عبرنة الأسماء" . وركز الإسرائيليون كل جهودهم على البلدة القديمة في القدس وفي القلب منها الحرم القدسي الشريف، فكانت هناك رؤية يهودية بأن الهيكل المزعوم سيقام فوق قبة الصخرة بعد عام 1967، لذلك فرضت إسرائيل سيادتها على القدس بعد احتلال المدينة، التي تسمح لها بالتحكم بالداخلين للمدينة والخارجين منها. الاستيطان يعتبر الاستيطان حجر الزاوية في تهويد المدينة، وذلك من خلال إحاطة المدينة بحزام من المستوطنات في شرق المدينة وجنوبها وشمالها، وهدفت هذه السياسة إلى مضاعفة عدد المستوطنين في القدس، وإفراغ المدينة من سكانها الفلسطينيين. وتنتشر هذه المستوطنات في محافظة القدس على شكل تجمعات استيطانية مكثفة تتخذ الشكل الدائري حول المدينة وضواحيها ممثلة بمراكز استيطانية كبيرة المساحة، وفقا لمركز أبحاث الأراضي الفلسطيني. ولا يكون استيطان بغير مصادرة أراضي، فصادرت إسرائيل آلاف الدونمات في القدس لإقامة المستوطنات عليها، ولم تغفل إسرائيل سكان القدس من مخططاتها، إذ سعت إلى تهجيرهم من المدينة لتصبح الغالبية فيها يهودية، حيث عملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على تنفيذ توصية لجنة وزارية إسرائيلية لشؤون القدس عام 1972 تقضي بأن لا يتجاوز عدد السكان الفلسطينيين في القدس 22% من المجموع العام للسكان. وجرى تطبيق هذه السياسة عبر سحب الهويات من السكان العرب في القدس، لكن على الرغم من سحب الهويات من أكثر من 5 آلاف عائلة مقدسية إلا أن الفلسطينيين يشكلون حوالي 39% من مجموع السكان داخل حدود المدينة، حسب معطيات مركز المعلومات الوطني الفلسطيني. ومن الأساليب التي ابتكرها الإسرائيليون لتهويد المدينة، قانون التنظيم والتخطيط، الذي جعل حصول المقدسيين على الترخيص والبناء تعجيزيا، بحيث أدى ذلك إلى تحويل ما يزيد على 40% من مساحة القدس إلى مناطق خضراء يمنع البناء للفلسطينيين عليها، وتستخدم كاحتياط لبناء المستوطنات كما حدث في جبل أبو غنيم، ودفع هذه الإجراءات إلى هجرة سكانية عربية من القدس إلى الأحياء المحيطة بالمدينة للخلاص من كابوس الإجراءات الإسرائيلية، وطالت عملية التهويد في القدس الأسماء العربية، فجرى "عبرنتها" عبر إطلاق أسماء عبرية على الشوارع والأحياء وأبواب البلدة القديمة. اقتحامات المسجد الأقصى تسعى اسرائيل إلى احتلال الأقصى، بدعوى وجود بقايا معبد«هيكل» سليمان المزعوم، تحت مجمع المسجد الأقصى، الذي يضم الجامع القبلي، وجامع قبة الصخرة، ومتحفا ومدارس للعلوم الدينية، وباحة كبيرة، واعتبرت إسرائيل باحات المسجد الأقصى ساحات عامة تابعة للكيان الصهيوني، وبالتالي شرعت في دخول ذلك باعتبار إن العملية ليست اقتحاما بقدر ما هي الدخول إلى أراضيها". وتركزت الاقتحامات من باب المغاربة كونها قريب من الحي اليهودي وحائط البراق، وذلك لربط الدين والتاريخ وللتأكيد أن السيادة للإسرائيليين، حتى أصبح في نهاية أكتوبر 2014، التقسيم الزمني واقعا في المسجد الأقصى، بمعنى أنه بين السابعة والنصف صباحا وحتى الحادية عشرة صباحا ساعات مخصصة لصلاة اليهود في المسجد. منذ احتلال اسرائيل للقدس الشرقية عام 1967، وألحقت اسرائيل أضرارا كبيرة بالمسجد الأقصى، عقب حرب الأيام الستة عام 1967 بين اسرائيل من جهة ومصر والأردن وسوريا من جهة أخرى، التي خلفت عشرات الآلاف من الضحايا. وتنوعت الأضرار التي ألحقها اليهود المتطرفون خلال اقتحاماتهم المتكررة ومن أبرز الانتهاكات التي شهدها المسجد الأقصى: الاسترالي المتطرف "دينس مايكل روهن"، يضرم النيران في محراب الجامع القبلي، ومنبره العريق الذي يعود لألف عام، بتاريخ 21 أغسطس 1969، وفي عام 1990 تقتل الشرطة الاسرائيلية 21 متظاهرا فلسطينيا ، خلال الانتفاضة الأولى التي انطلقت عام 1987 واستمرت حتى التوقيع على اتفاق أوسلو عام 1993. يدخل رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق أرييل شارون المسجد الأقصى، عام 2000، ليشعل بذلك فتيل الانتفاضة الثانية التي امتدت حتى 2007، حيث قُتل 25 شخصا وجرح نحو 700 في المواجهات التي اندلعت عقب زيارة شارون. في يناير من عام 2006 تم الكشف عن كنيس يهودي أسفل المسجد الأقصى ومكون من طابقين للرجال والنساء، حيث تقام فيه الصلوات الإسرائيلية، فضلا عن إقامة سبع غرف أسفل المسجد الأقصى. في مطلع عام 2008 كشفت مؤسسة الأقصى عن قيام السلطات الإسرائيلية بحفر نفق جديد ملاصق للجدار الغربي للأقصى، وتعميق الحفريات وتوجيهها نحو باب السلسلة، كل ذلك نتج عنه تشققات واسعة في بيوت المقدسيين الواقعة تحت هذه الأنفاق. الترميم ممنوع هناك مئات من المقابر والمساجد والمقامات المتداعية التي تحظر إسرائيل بوسائل "قانونية" إقامة الشعائر الدينية فيها أو مجرد ترميمها، فحسب تقارير نشرت كثيرًا في الصحافة الفلسطينية، كانت هناك محاولات متكررة من قبل فلسطينيي الداخل لترميم هذه المقدسات، لكن أفشلتها السلطات الإسرائيلية بدعوى أنها أملاك إسرائيلية تتبع لما يعرف ب"حارس أملاك الغائبين" إضافة لملاحقة من يعملون على الترميم ومحاولة ترهيبهم. ومن الأمثلة التي لا حصر لها ، منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه من ترميم مسجد البركة احد مساجد البلدة القديمة في الخليل. تحويل المساجد والمقامات لكنس يهودي وثقت دراسة نشرت في أواخر عام 2012 بعنوان "المقدسات الإسلامية والرموز اليهودية بين التقديس والتدنيس" الانتهاكات الإسرائيلية بحق المقدسات الإسلامية في فلسطين، حيث أشارت الدراسة إلى أن هناك متعاونين هربوا من فلسطينالمحتلة أو قتلوا بعدما أقدموا على بيع أوقاف إسلامية في يافا وحيفا واللد لما يعرف ب"دائرة أراضي إسرائيل" أو جهات خاصة. وحسب الدراسة أبقت إسرائيل عددا قليلا من المساجد داخل المدن الفلسطينيةالمحتلة كي توهم المجتمع الدولي بأنها متسامحة وحضارية، لكنها في الوقت نفسه تحول دون صيانتها وتجعلها فريسة للتقادم، ووفرت الدراسة دلائل على انتهاك إسرائيل للقانون الدولي ولنكثها وعودها بحماية المقدسات غير اليهودية ومقاضاة المعتدين عليها. وفي بعض الحالات يبادر الاحتلال تحت جنح الظلام لتسوية هذه المساجد بالأرض بعد نجاح جهات عربية بترميمها، كما حصل مع مسجد النبي روبين الذي فجر في 1993 ومسجد صرفند عام 2002 ومسجد أم الفرج في 2007، وقدمت ذات الدراسة عينات على تحويل عشرات المقامات الإسلامية لمقامات يهودية، كمقام الشيخ سمعان قرب مدينة كفار سابا الذي حول لمقام شمعون بن يعقوب، وهناك مساجد مآذنها مرتفعة وجدرانها تحمل كتابات عربية قد حولت لكنس كما هو الحال مع مسجد قرية العباسية المهجرة قضاء يافا. وترصد الدراسات التاريخية المختلفة لقائمة من عشرات المساجد التي انتهكت سلطات الاحتلال الإسرائيلي حرماتها منذ النكبة، منها مسجد قرية الزيب قضاء عكا، والذي حولته إلى مخزن للأدوات الزراعية، ومسجد عين الزيتون في قضاء صفد، الذي حولته إلى حظيرة للأبقار، والمسجد الأحمر في صفد، الذي حولته إلى ملهى ليلي، والمسجد اليونسي، الذي حول إلى معرض تماثيل وصور، ومسجد القلعة في صفد الذي جعلته مقرا لمكاتب البلدية. حولت المؤسسات الصهيونية، مسجد الخالصة قضاء صفد إلى متحف بلدي، ومسجد عين حوض قضاء حيفا، إلى مطعم وخمارة، أما المسجد الجديد في قيساريا والمبني منذ عهد الخليفة عبد الملك بن مروان فتحول إلى مطعم وخمارة. لم تتوقف قوات الاحتلال في نهجها لطمس الهوية الإسلامية لفلسطين عند هذا الحد من التهويد والطمس لدور العبادة، بل تخطت ذلك بكثير، حيث استعملت مسجد السكسك في يافا كمقهى للعب القمار وبيع الخمور، ومسجد مجدل عسقلان متحفا في أحد جزأيه ومطعما وخمارة في الجزء الآخر، في حين ما زال مسجد المالحة في القدس يستخدم لإحياء السهرات الليلية. بناء جدار الفصل العنصري بدأ العمل بجدار الفصل العنصري، منذ عام 2002 على الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، كان ضمن مشروع ممنهج لخلق واقع جديد، عبر اختراقه أراضي المحافظاتالفلسطينية، عازلاً لبعضها، ومحاصراً للبعض الآخر، ملتهماً آلاف الدونمات، ومفسحاً المجال لسياسات وعمليات تهويدية جديدة، على رأسها ضم الكتل الاستيطانية الموجودة على أراضي الضفة الغربية لإسرائيل، عبر اتّباع سياسة الأمر الواقع. وبدأ الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ هذا الجدار الذي تم بناؤه بعد اتساع رقعة الهاجس الأمني والخوف الإسرائيلي من السكان الفلسطينيين الأصليين؛ لتغيير الواقع على الأرض هدف إلى المضي قدمًا في تحقيق أهداف برنامجه من حيث التهويد ومصادرة الأراضي، وإحاطتها بالمستوطنات، بهدف العزل التام عن كل شيء، على الرغم من قرارات مجلس الأمن الدولي، وقرارات الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة التي تعتبر هذا الضم غير قانوني ولا تعترف به.