عجز الموازنة والدين العام.. قيود على النمو الاقتصادي الحكومة تتوسع في طرح سندات وأذون خزانة لسد العجز جودة يطالب بفض الاشتباك بين "المالية" و"التخطيط" و"الاستثمار القومي" و"التضامن" فهمي: هيكلة القطاع الحكومي.. ومراقبة الأسواق.. أدوات للسيطرة على التضخم تعاني موازنة الدولة العامة بعد اعتمادها بقانون من رئيس الجمهورية، من عجز مقدر وصوله ل251 مليار جنيه بنهاية يونيو2016، علي الرغم من وصول قيمة العجز المقدر بموازنة السنة المالية2014/2015 السابقة لنحو 262.55 مليار جنيه بزيادة تجاوز ال22.55 مليار جنيه عما كان مقدرا بالربط المبدئي للموازنة السابقة. في الوقت الذي أقرت وزارة المالية إجمالي المصروفات بموازنتها الحالية بقيمة بلغت 864.6 مليار جنيه بزيادة بلغت 120.1 مليار جنيه، مقابل إيرادات قيمتها 622.3 مليار جنيه في موازنة العام المالي الجاري بالمقارنة ب486.11 مليار جنيه في العام المالي السابق له، بفارق 136.19 مليار جنيه. ووجهه خبراء الاقتصاد انتقادات لوزارة المالية بسبب توسعها في طرح أدوات دين بهدف تدبير الفجوة التمويلية، ليتفاقم معها رصيد الديون متجاوزا ال2.2 تريليون جنيه بنوعيه الحكومي والخارجي، بما لذلك من تأثير علي معدلات النمو الاقتصادي الذي تستهدفه الحكومة في كل بيان مالي لموازنة جديدة ولا يتحقق بسبب عجز الموازنة المزمن، مؤكدين أن على الحكومة عمل روشتة إصلاح اقتصادي تتضمن إعادة هيكلة القطاع الحكومي وترشيد النفقات، والتوسع في البرامج الاجتماعية بما يحقق الكفاءة الاقتصادية المطلوبة. الدكتور صلاح جودة، الخبير الاقتصادي، قال إن موازنة الدولة للعام المالي 2015/2016 تعاني من عجز قيمته 251.1 مليار جنيه بما يساوي 12.5% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، رغم أن وجهة نظر الحكومة وتحديدا وزارة المالية أنه يساوي 10% من نفس الناتج. وأضاف أن وزارة المالية حاولت خفض العجز من خلال رفع سعر المواد البترولية من بنزين وسولار، علي الرغم من تراجعها عالميا بواقع 67 دولار، بالإضافة إلي تقليص استثمارات السكة الحديد، بجانب تقليل دعم الطاقة من 76 مليار جنيه ل62 مليار جنيه بالموازنة الحالية بواقع خفض مقداره 14 مليار جنيه. وأشار جودة إلى تخفيض دعم السلع التموينية بواقع 3 مليارات جنيه لنحو 37 مليار جنيه، مطالبا وزارة المالية بإعادة النظر في خطة التنمية الاقتصادية التي تستهدفها الحكومة فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية في العام المالي الجاري، مشيرا إلى تصريحات لها بتحقيق حصيلة قيمتها 35 مليار جنيه بعد تطبيق قانون القيمة المضافة، وكذلك توحيد سعر الضريبة علي الدخل بنسبة 22.5%. وأوضح أن موازنة العام المالي 2015/2016 الجاري، رصدت 422 مليار جنيه للإيرادات، وأن أبرز الجهات التي يتم تحصيل ضرائب منها هي الهيئة العامة للبترول والبنك المركزي، وضرائب الجهات السيادية من خارج الموازنة العامة. وأضاف أن إجمالي الإيرادات غير الضريبية بالموازنة بما في ذلك المنح والمساعدات الخارجية قد بلغت نحو 2.2 مليار جنيه مقابل 26 مليار جنيه في موازنة العام المالي 2014/2015 الماضي، ومقارنة ب96 مليار جنيه في السنة المالية السابقة عليهما. وأشار إلي أن نسبة الضرائب من إجمالي الإيرادات تشكل 68% في العام المالي الجاري، بزيادة 15% فقط عن العام المالي 2014/2015 الماضي، وبما يساوي 365 مليار جنيه، مشيرا إلي تراجع نسبة ضرائب الدخل من 25% إلي 22.5% وإلغاء ضريبة الأغنياء المعروفة إعلاميا ب"ضريبة ال5%" ولمدة 3 سنوات. جودة، أوضح أن الموازنة تضمنت خفضا للدعم المقدم على المواد البترولية من 103 مليارات جنيه إلي 61 مليار جنيه بنسبة 40%، في الوقت الذي بلغ فيه حجم الناتج القومي المحلي نحو 2.8 تريليون جنيه وبما يعادل 350 مليار دولار طبقا لتصريحات حكومية، علي الرغم من أن الناتج المحلي الحقيقي يساوي 2.3 تريليون جنيه وبما يساوي 328 مليار دولار. وأضاف أن الحكومة ثبتت مخصصات الباب الثاني بالموازنة العامة منذ 3 أعوام مالية بواقع 33 مليار جنيه ، بجانب فوائد الدين التي تجاوزت نحو 203 مليار جنيه تنقسم ل195 مليار جنيه فوائد دين محلي، و8 مليارات جنيه للدين الخارجي. وحذر من استمرار طرح أدوات الدين في صورة أذون خزانة وسندات، معتبرا أن تلك الممارسات تتسبب في ارتفاع فاتورة الدين العام بشكل خطير، كما أن الحكومة بذلك تضغط على الودائع وتزاحم في تمويل الاستثمارات. وانتقد تأخر وزارة المالية في إعداد الموازنة مما أدى لطرحها بعد بدء السنة المالية بأسبوع، وهو ما يتطلب المساءلة الرئاسية والمجتمعية من جانب الأحزاب والقوى السياسية، لأن القانون اشترط عرضها قبل بدء العمل بها ب3 أشهر. جودة أكد أنه لا يعقل أن تشكل مخصصات خدمة الدين وفوائده أكثر من 27%، وكذلك الأجور التي تبلغ 26% من جملة النفقات، والدعم البالغ 23%، مقابل أقل من 15% للاستثمارات، ما يعني أن أكثر من ثلاثة أرباع الموازنة يذهب للأجور، والدعم، والدين وفوائده، ليتبقي فقط نحو 25% يخصص لكل أوجه الإنفاق الأخري. وبرأي جودة، فإن هناك معوقات أمام الموازنة العامة تحد من قدرات الدولة على الانطلاق بالاقتصاد من بينها ارتفاع حجم الفجوة التمويلية ل251.1 مليار جنيه، بالإضافة للمصروفات التي تحد من قدرتها علي الوفاء بالالتزامات الجديدة بموجب الدستور تجاه الصحة، والتعليم، والبحث العلمي، مما يؤدي إلى زيادة العجز، بالاضافة إلى عدد من القرارات التي اتخذت عقب ثورة يناير وتسببت في تكبيل الموازنة كان منها قرارات بزيادة الأجور والمعاشات، وتعويضات للعاملين بالدولة، فضلا عن ارتفاع أقساط وفوائد الدين العام، مشيرا إلى أنه تم سداد نصف تريليون جنيه خلال العام المالي 2014/2015. في الوقت نفسه، قدم جودة، خطة لتوفير موارد جديدة للسيطرة علي الفجوة التمويلية، تتضمن عدة محاور من بينها ترشيد الدعم علي الطاقة، وتوسيع القاعدة الضريبية، ودمج الاقتصاد غير الرسمي، بجانب الاستفادة من تراجع أسعار البترول عالميا في حالة الاستيراد. كما طالب جودة، بضرورة مراجعة الرواكد الحكومية بأجهزة الدولة والتخلص من غير المستخدم وتحقيق إيراد جراء الاستغلال الجيد، وكذلك العمل علي التشغيل الاقتصادي للسكك الحديدية وزيادة الإيرادات عن طريق الاستغلال الامثل لموارد الهيئة. وشدد علي ضرورة فض التشابك المالي بين وزارات (المالية، التخطيط والإصلاح الإداري للدولة، بنك الاستثمار القومي، التضامن)، للسيطرة علي الدين الحكومة البالغ حاليا نحو 1.9 تريليون جنيه خلال ال11 شهرا الأخيرة، مع وضع خطة لاستغلال الموارد غير المستغلة. وأضاف جودة، أنه يبنغي العمل علي حل الأزمة بين وزارة المالية والبنك المركزي فيما يتعلق بتحصيل الأرباح بشكل مسبق، وربط العمل بالإنتاج لتحقيق العدالة الاجتماعية، كذلك مراجعة مؤشرات كفاءة العمل والاعتماد علي الكفاءات والخبرات لتحسين الأوضاع الاقتصادية، من خلال وضع الشخصيات المناسبة في مواقعها المناسبة، والتشجيع علي العمل في القطاع الخاص، وتنفيذ إعادة هيكلة حقيقية للجهاز الإداري للدولة. وقالت الدكتورة بسنت فهمي، الخبيرة المصرفية، إن الحكومة لا تسعي لحل المشكلات القائمة من جذروها، فعدد كبير من العاملين في الدولة يحصلون علي رواتب بدون أداء عمل، ما يستوجب البحث عن بدائل لحل أزمة العمالة المكدسة داخل أجهزة وقطاعات الحكومة، بدون إثارة المشكلات أو إحداث أزمات، وذلك من خلال طريقة اختيارية للعاملين الراغبين في الخروج علي المعاش المبكر مقابل تعويضهم، وكذلك وضع معايير للتعيين بحيث تتم إعادة هيكلة القطاع الحكومي برضى الموظفين وليس إجبارهم علي أمور لا يرغبونها، مع اعطاء فرصة للشباب للعمل. وأوضحت أن الأوضاع الاقتصادية في مصر صعبة في ظل خفض كل من الصين وروسيا لسعر صرف عملتيهما الوطنية، الأمر الذي يساعد علي زيادة الاستيراد مقابل تراجع الإنتاج المحلي، بالتزامن مع ارتفاع سعر صرف الدولار في مواجهة الجنيه، مما يعد خطرا علي الاقتصاد القومي، علي حد وصفها. وأشارت إلى أن المواطنين خصوصا الفئات المهمشة والأكثر فقرا، هم الأكثر تضررا تأثرا بتلك الأمور، معتبرة أنهم خارج حسابات الحكومة التي تنشغل حاليا بالفئات الأكثر دخلا. فهمي ألمحت إلى تخوفها من ارتفاع معدلات التضخم البالغة حاليا نحو 10%، مطالبة بضرورة قيام الحكومة بدورها في الرقابة علي الأسواق وتطبيق سياسات إرشادية لأسعار السلع والخدمات، مشيرة إلى أن الدعم لا يذهب لمستحقيه، وأن هناك إنفاقا بذخيا في الموازنة والتي كانت تخصص أكثر من 25% للدعم بدون أن يكون له مردود علي مستوى الخدمات المقدمة أو معيشة الفئات الأقل دخلا. وأضافت أن استمرار الحكومة في دعم وحماية الفئات الغنية علي حساب الفقراء هو الغباء بعينه لأن الفئات القادرة تستطيع حماية نفسها جيدا بسبب أموالها، مقابل زيادة احتقان الفقراء ونشأة نزاعات طبقية تأكل الأخضر واليابس. فهمي، انتقدت طريقة عرض الحكومة لقانون الاستثمار باعتباره آلية جذب للاستثمارات الأجنبية، بينما جذب الاستثمارات يتطلب تهيئة مناخ الأعمال واستقرار الأوضاع الاقتصادية والأمنية، فالقانون ليس عصا سحرية لحل الأزمة الراهنة على حد قولها. من جانبه، قال الدكتور فخري الفقي، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، والمسؤول السابق بصندوق النقد الدولي، إنه ينبغي معايرة الأجور التي تقرها الحكومة وفقا لما يتلاءم مع معدلات التضخم وارتفاع الأسعار، في الوقت الذي أصبحت قيمة السلعة أو الخدمة تتخطي حجم الأجر، وأن زيادات الأجور تمت بشكل عرضي، موضحا أن معدل النمو الحقيقي ارتفع من 2% إلي 4% خلال الفترة الحالية، وأن معدلات السيولة في جسم الاقتصاد القومي تراجعت ل14%، وهو ما خلف موجات تضخمية بنسبة بلغت 10% حاليا. وأشار إلي أن السبب في ذلك وجود ما يقرب من 4.8 مليون موظف حكومي و1.7 مليون موظف بالهيئات الاقتصادية والشركات بقطاع الأعمال العام لا ينتجون، بينما نفقات أجورهم في الموازنة تبلغ 217.1 مليار جنيه، وهي تكلفة تزيد عن ما يقدمونه من انتاج. وأوضح أن إجمالي موظفي الجهاز الحكومي في الولاياتالمتحدةالأمريكية يبلغ نحو 2 مليون موظف، مشيرا إلي أن الجهاز الإداري في مصر حاليا مترهل ولا ينتج، بينما الفترة الراهنة تتطلب من الجميع العمل والإنتاج لتحقيق معدلات نمو أفضل، وكذلك توسع الحكومة في البرامج الاجتماعية المقدمة للفقراء والفئات محدودة الدخل لتحقيق التنمية المستدامة.