العشوائية والإهمال وإهدار المال العام، وتسهيل التعديات على الأراضي، إلى جانب حالة التسيب وعدم الانضباط في المنظومة والهيكل الوظيفي، ناهيك عن البيروقراطية الإدارية، هي أبرز وجوه الفساد داخل الوحدات المحلية والقروية بمحافظة المنيا، رصدتها "البديل" في أكثر من واقعة ومن خلال تصريحات رسمية وشعبية، وقد لمسها المواطنون والمشتغلون. وكشفت عدة وقائع قدرا كبيرا من إهدار المال العام والفساد المالي والإداري، خاصة بقسمي الإدارة الهندسة والتنظيم. وتأكيدا لمسلسل إهدار المال العام كشف مصطفى حمدي، رئيس مركز العدوة، عن واقعة إحالة عدد من موظفي الإدارة الهندسية للنيابة العامة، لثبوت إهدار مبلغ 3 ملايين ونصف المليون نتيجة تلاعب الموظفين في محاضر مخالفات المباني، بعدما تبين تحرير محاضر منذ 4 أعوام دون تحديد المساحة والتكاليف، وتحرير 34 محضرا بمساحات أقل من الموجودة فعليا، ومحاضر حررت دون تحديد مساحة أو تكاليف نهائيًّا، و6 محاضر بمساحات مطابقة ولكن تكاليفها أقل من المحدد قانونا. وكشف مدير التفتيش الهندسي بالمنيا المهندس خالد محمد، تفاصيل إحالة 10 قضايا للنيابتين العامة والإدارية بشأن مخالفات الوحدات المحلية بالمراكز التسعة للمحافظة، بعد فحص 75 مقايسة بواقع 141 قرار هندسي خاص بلجنة المنشآت الآيلة للسقوط بالوحدات المحلية، وأيضا بعد مراجعة تنفيذ 11عملية خاصة بإدارة المشروعات بالوحدات المحلية. وامتد فساد المحليات ليصل إلى الوحدات القروية، وكشفت واقعة إحالة رئيس قرية الحسينية إلى النيابة، لاتهامه وآخرين بإعداد تقارير مخالفة بشأن قطعة أرض موضع نزاع كائنة بقرية بني صامت، وذلك بناء على تقرير معاينة لقطعة الأرض، أوضح أنها حجرية وليست منزرعة. وفي 10/5/2015 قدم محي أحمد أحمد طلبه صاحب مكتب مقاولات وتجارة أراض وعقارات س ت52160 ب ض24696ت01006919287 بلاغا للنيابة الإدارية برقم 468 ضد فساد الوحدة القروية لقرية بني محمد سلطان مركز المنيا مرفق مع شكواه تسجيل صوتي يتضمن اعتراف موظفي قسم التنظيم باختلاس ورشاوي ومخالفات منذ 2010 قال مقدم الشكوي إن الاتفاق بين الموظفين والمواطنين على ارتكاب المخالفات بات علنا وأصبح التعدي على الرقعة الزراعية وأملاك الدولة أمرا هينا من خلال تسهيل موظفي الوحدات المحلية تلك التعديات حتى أصبحت قرى المنيا مخبأ للتعديات التي طفحت ووصلت إلى حد العلانية. وتقف مداخل ومخارج القرى شاهدا على الفساد وحصلت "البديل" على مستندات تكشف تعدي صاحب مدرسة خاصة بقرية الحسينية بمركز بني مزار على الطريق العام وأراض تابعة لمديرية الري دون تدخل المسؤولين، بعدما ثبت إخطار قسم التنظيم بالوحدة المحلية بقرية الحسينية ببني مزار بمخالفة صاحب المدرسة. وفي يوم 25 سبتمبر المنصرم أصدرت جمعية زراعية بقرية بمركز مطاي بطاقة حيازة زراعية لقطعة أرض تابعة لهيئة الأوقاف مساحة 30 فدان لصالح مواطن يدعى خلف إسماعيل خليل بالمخالفة للقانون، برغم إخطار قسم التنظيم للوحدة المحلية لقرية إبوان. واشتكي مواطنون بالقرى موظفي قسم التنظيم في أكثر من واقعة، وقالوا إن الموظفين يفرضون إتاوات علي كل من يضع مواد بناء أمام منزله في مقابل عدم تحرير محاضر ضدهم، كما أنهم في بعض الأحيان يطالبونهم بدفع أموال بحجة تحرير محاضر يفاجئون بعدم تحريرها متسائلين أين تذهب هذه الأموال، وأضافوا بأن الموظفين لا يستطيعون ممارسة تلك المخالفات مع أقاربهم وكبار المسؤولين ومن لهم نفوذ. أما عن وقائع الإهمال والتقاعس عن تحرير محاضر ضد المخالفين والمعتدين علي الأراضي فحدث ولا حرج، وشهدت عزبة كوم الغنامة التابعة لقرية صفط الخمار تعدي المواطن حمدي عبد الصالحين على شارع عمومي عن طريق استقطاع قطعة أرض وبناء مقبرة فوقها كمدفن لأسرته، برغم تقديم كل من صلاح عبد السلام مرسي وشقيقه مصطفى بلاغا للوحدة المحلية لصفط الخمار بتلك المخالفة، غير أن المحضر لا يزال حبيس الأدراج منذ 3 أعوام. في الوقت نفسه تشيد العديد من المزارع الخاصة بالدواجن في أحضان الرقعة الخضراء بالمخالفة للقانون، وسط تجاهل وتواطؤ المسئولين. مشكلة أخرى تعكس حالة تقاعس المحليات، تتمثل في عدم تخصيص صناديق قمامة بالقرى والحضر، حتى أخفت مقالب القمامة ميادين المنيا التاريخية وملئت الشوارع خاصة أمام المدارس والمصالح الحكومية ورصدت "البديل" أكوام القمامة أمام منطقة المنيا الأزهرية وميادين عمر أفندي والساعة والصهاريج، وفي القرى تحول نهر النيل إلى مقلب قمامة. وتسببت مشكلة تفاقم القمامة في انسداد مئات المجارى والترع التي تعتمد عليها الأراضي المنزرعة، بسبب عدم توفير صناديق للقمامة. واتهم وكيل وزارة الري بالمنيا المهندس ممدوح علي متولي الوحدات المحلية بالتسبب في تلوث تلك المجارى بعدم توفيرها وسائل لتجميع القمامة من منبعها، وإعادة تدويرها والاستفادة منها, كي لا يلجأ المواطنون لإلقاء فضلاتهم بالترع والمجاري وهو ما يعد السبب الرئيسي في تلوثها، ما يتسبب في إهدار الدولة ميزانية ضخمة لتطهير تلك المجاري. وتأتي المطبات العشوائية على الطرق السريعة شاهدا على عشوائية وإهمال الوحدات المحلية، الأمر الذي ينجم عنه العديد من حوادث الطرق. وذكرت مديحة عبد البر، موظفة بالوحدة المحلية بالمنيا، أن عشرات الموظفين لا يحضرون لعملهم، في حين يسجل موظف الحضور والانصراف أسماءهم ضمن الحاضرين، وهو أمر معتاد داخل الوحدات المحلية كافة، وأضافت أنه عقب حضور لجنة من الرقابة الإدارية أو مجلس المدينة يتم إعلام الموظفين مسبقا كي يمتنعون عن الغياب، وبالتالي تغيب آليات الردع. وقال رئيس الوحدة المحلية بالمنيا إسماعيل الفحام إن الوحدة تبذل قصاري جهدها للحد من التعديات علي الأراضي الزراعية، وقد قطعت شوطا كبيرا في هدم المنازل المخالفة والمبنية على أراضي أملاك دولة بقرية أبوفليو، كما أزالت العديد من المطبات العشوائية، وأضاف أن المحافظة والوحدة المحلية لا تدخر جهدا في الضرب بيد من حديد على المخالفين. وقال محافظ المنيا اللواء صلاح زيادة إن محاربة الفساد سواء بالمحليات أو غيرها في مقدمة اهتمامات المحافظة، ولن يترك فاسدا دون عقاب، واتخاذ كافة الإجراءات القانونية ضده للحد من الفساد أينما كان، وأيما كان مصدره ومنبعه.