"خطأ عسكري غير مقصود" هو المبرر الذي تخرج به القوات الأمريكية في كل مرة يسقط فيها عشرات المدنيين الأبرياء أو العسكريين الأفغان بغارات أمريكية تستهدف مناطق مدنية مكتظة بالسكان أو معسكرات لقوات أفغان، وكأن القوات الأمريكية تمارس قصفًا عشوائيًا في أفغانستان تزعم من خلفه أنها تحارب تنظيم القاعدة وطالبان، ولكنها في الحقيقة لا تزيد إلا معاناة المدنيين والعسكريين هناك. مع تزايد الهجمات التي تشنها الطائرات الأمريكية بدون طيار في أفغانستان مؤخرا، يزداد عدد الضحايا من القتلى أو الجرحي الأفغانيين، غالبيتهم من المدنيين لاسيما في صفوف النساء والأطفال، حيث تشير التقارير إلى أن عدد الضحايا وصل إلى أكثر من 400 قتيل خلال النصف الأول من العام الجاري، إضافة إلى تدمير المئات من المنازل والمؤسسات الحكومية والمدنية والبنى التحتية للشعب الأفغاني. نشرت جامعة "رود آيلاند" الأمريكية تقريرًا عن الحرب الأمريكية في أفغانستان، تحت عنوان "تكاليف الحرب"، ووصفت فيه هذه الحرب بأنها "حرب دموية حقيقية"، فمنذ أن دخلت أمريكا إلي أفغانستان في عام 2001 من أجل إسقاط نظام طلبان أدت إلى سقوط أكثر من 100 ألف قتيل، وذكر التقرير أن عدد من قُتلوا في هذه الحرب مدنيين وعسكريين ما يقرب من 149 ألف، وأُصيب أكثر من 162 ألف فرد وذلك منذ عام 2001 وحتى عام 2014، وأوضح التقرير أن أكثر حالات القتل بين المدنيين وقع في عام 2007، حيث قتل أكثر من 17,700 فرد مدني، وكذلك أيضًا في الفترة بين عامي 2009 إلى عام 2014، كما أورد التقرير أن 26,270 مواطن أفغاني قتلوا و29,900 جروحوا كنتيجة مباشرة لقتال القوات الأمريكية، وأن إجمالى القتلى في هذه الحرب يتجاوز 100 ألف ويقترب من 150 ألف قتيل ما بين مدنيين أفغانيين وصحفيين وأفراد إنقاذ وميليشيات. من جانبها ذكر تقرير لمنظمة العفو الدولية أن الضربات الجوية التي تنفذها طائرات بدون طيار تابعة لوكالة الاستخبارات الأمريكية على باكستان بالتحديد في منطقة وزيرستان ترتكب جرائم حرب، بسبب وقوع عدة حالات قتل بسبب استهدافها مدنيين، وقالت المنظمة إنها تابعت تسع ضربات جوية في الآونة الأخيرة سقط خلالهما ضحايا في هذه المنطقة المؤهلة بالسكان من المدنيين، وكل هذه الضربات كانت بزعم استهداف قادة لتنظيم القاعدة في باكستانوأفغانستان. لم يختلف تقرير منظمة العفو الدولية عن ذلك التقرير الذي أعدته منظمة "هيومن رايتس ووتش" والذي أكدت فيه أن هذه الهجمات تعد انتهاكًا للقانون الدولي بسبب متابعتها لأمر تنفيذها والذي يفضي إلى وقوع ضحايا مدنيين بطريقة عشوائية. الأرقام الضخمة التي خرجت بها تقارير الأممالمتحدة والمنظمات الحقوقية بشأن عدد الضحايا سواء القتلى أو الجرحي من المدنيين العزل والعسكريين الأفغان، دفع الأممالمتحدة والجمعيات الحقوقية لمطالبة الإدارة الأمريكية بالكشف عن المعلومات الاستخباراتية التي تستند إليها في شن تلك الغارات الجوية، لأن ذلك يُعد تعديًا على الأعراف القانونية الدولية واستخدام لقوة مميتة خارج إطار الحرب، فعناصر طالبان التي تدعي الولاياتالمتحدةالأمريكية ملاحقتهم يصعب جدًا الفصل والتفرقة بينهم وبين المدنيين، وهو ما يشير إلى شن القوات الأمريكية الجوية غارات عشوائية دون التفرقة بين المدنيين والمسلحين. على صعيد متصل؛ ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن الجيش الأمريكي كثف غاراته الجوية في أفغانستان خلال الأسابيع الأخيرة، حيث وسع نطاق الغارات لتشمل حملة قصف ضد مسلحين من تنظيم "داعش" تمكنوا من هزيمة حركة "طالبان" الأفغانية في القتال على أراضي بالجزء الشرقي من البلاد. ونقلت الصحيفة عن مسئولين أمريكيين قولهم إن الضربات ضد "داعش" كانت جزءًا من سياسة دفاعية لحماية قوات التحالف من التعرض لأذى، فيما أكد مسؤولون أفغان أن الضربات ضد أهداف داعش جاءت جزئيًا بناء على طلب من جهاز الاستخبارات الداخلية الأفغانية، الذي يعتقد أن الوقت قد حان لمجابهة خطر "داعش" في الحصول على موطئ قدم شرق أفغانستان. سقوط المدنيين العزل في الغارات الأمريكية دفع الشعب الأفغاني ومنظمات المجتمع المدني مرارًا إلى دعوة الحكومة للتحرك من أجل وقف هذه الهجمات التي لا تأتي بأي أهداف إيجابية بل إنها تزيد معاناة شعب أفغانستان، ليخرج المسئوليين الأمريكيين والسياسيين والعسكريين مبررين الهجمات على المدنيين بأنها "خطأ غير متعمد"، فهل يُعقل أن الطائرات الأمريكية غير مجهزة بأنظمة دقيقة يمكنها تحديد أهدافها بدقة قبل قصفها؟