بعد 12 عام من التفاوض، البرنامج النووي الإيراني أصبح شرعياً ومقبولاً لدى القوى الكبرى والمجتمع الدولي، وبالتالي ستسقط العقوبات الأممية والأوربية والأميركية المفروضة على إيران بسبب طموحها النووي، وهو ما يعني بشكل أولى انتعاش للاقتصاد الإيراني المحاصر، كذلك توسيع العلاقات الدبلوماسية بين طهران وعواصم العالم، والأهم اعتراف القوى الكبرى بوجوب التعاطي مع إيران كرقم رئيسي في معادلات المنطقة والعالم، سواء من الناحية الجيوستراتيجية، أو احتمالية إدماج الجمهورية الإسلامية في تكتلات الكبار مثل دول البريكس أو الاتحاد الأوراسي. باختصار انتقلت أحدى أضلاع مثلث الشر سابقاً إلى مرحلة جديدة فرضت فيها إيران نفسها كقوة عالمية شرعية فرضت إرادتها بعد معركة دبلوماسية باردة وطويلة، كللت باتفاق لوزان قبل 3 أشهر، والتوقيع النهائي أمس الأول. أولاً يجب الإشارة إلى أن التوقيع في فيينا مس الأول كان على كافة التفاصيل والبنود المتعلقة ليس فقط بالبرنامج النووي، ولكن أيضاً بمسألة رفع العقوبات، وذلك على ضوء اتفاق لوزان الإطاري، والاتفاق التمهيدي قبل نحو عامين، وخرج الاتفاق كاملاً في أكثر من 152 صفحة بعد مفاوضات ونقاشات حول أدق التفاصيل وطريقة صياغة البنود استمرت لأكثر من 6 أسابيع، وصلت ذروتها الأسبوع الماضي، وسط تمديد لأكثر من مرة لموعد التوقيع النهائي الذي كان من المفترض أن يكون أخر الشهر الماضي، وسط ضغوط داخلية على طرفي التفاوض الأساسيين؛ الوفد الإيراني والوفد الأميركي، حيث حزمة القوانين التي شرعها مجلس الشورى الإيراني لضمان ما أسماه بعض النواب المحسوبين على التيار المحافظ بحقوق وكرامة الجمهورية الإسلامية، والتي أغلبها يتعلق بمنع زيارات التفتيش للمنشآت العسكرية وضمان رفع فوري للعقوبات، وحصر الاتفاق في الشأن النووي فقط، وعلى الناحية الأخرى لا تزال إدارة أوباما تعاني من صداع الجمهوريين ونواب الكونجرس الذين يسعوا حتى اللحظة لإجهاض الاتفاق، وإن صرح أوباما أمس أنه سيلجأ لحق الفيتو بصفته رئيس الولاياتالمتحدة على أي قرار يصدره الكونجرس يعطل تنفيذ الاتفاق النووي. اقرأ : اتفاق «لوزان» النووي..انجاز حَذّر ينتظر اختبار يونيو على أن الاتفاق الأخير أنحصر في الشأن النووي، بمعنى أن طاولة المفاوضات طيلة الأشهر الماضية لم يضع عليها سوى الملف النووي فقط وبتفضيل من الجانب الإيراني والأميركي، وخاصة أن الأخير فضل تجاهل أو فصل الملفات عن بعضها البعض لإنجاز اتفاق بشأن الملف النووي، الأهم والأكثر إلحاحاً بالنسبة لكل من واشنطنوطهران، إلا أن بعد التوقيع أخيراً على الاتفاق النووي النهائي، ودخوله طور التنفيذ ومراقبة ذلك، فأن هناك متغيراً أساسياً قد حدث وستترتب عليه عدداً من المتغيرات التي من شأنها إعادة ترتيب الخارطة السياسية في المنطقة، هذا المتغير الأساسي هو أن إيران بعد الاتفاق النووي وإسقاط العقوبات المفروضة عليها من المجتمع الدولي، صارت دولة طبيعية يحق لها ويحق لدول المنطقة والعالم تطبيع العلاقات وتطويرها، وهو ما شكل دوماً هاجس ومعضلة لدول رئيسية في المنطقة، ويمثل لإيران فرصة انطلاقة نحو دور أكبر وعلى نحو أكثر شرعية من وجهة نظر المجتمع الدولي بعد إزالة العقبة النووية التي حالت دون ذلك سابقاً. 1-معضلة السعودية وإسرائيل من ناحية أخرى، وبعد توقيع اتفاق لوزان الإطاري، لم تكلّ أطراف إقليمية ممثلة في إسرائيل والسعودية في الاستمرار في سردية "الخطر الإيراني"، كفرصة أخيرة لعرقلة الاتفاق أو على الأقل توسيعه ليشمل ما يتخطى الشأن النووي سواء لإجبار إيران على تعهدات متعقلة بسياستها الإقليمية وعلاقاتها بحلفائها في محور المقاومة، أو تسوية إقليمية بضغط أميركي بين طهرانوالرياض تمتد من اليمن مروراً بالعراق إلى سوريا ولبنان، أو قص أظافر إيران الصاروخية الباليستية، وهو المطلب الإسرائيلي المُلّح، ناهيك عن أن امتلاك إيران لبرنامج نووي "شرعي" يعني انطلاق الأخيرة نحو مرحلة جديدة من القوة اقتصادياً وسياسياً، وهو ما يعني مزاحمة إسرائيل والسعودية، ولذلك شرعت كل من الدولتين في إستراتجية عرقلة الاتفاق، وصلت ذروتها عشية اتفاق لوزان، واستمرت كفرصة أخيرة حتى توقيع أمس الأول في فيينا، وإن تقلصت إلى مستوى تكرار دعائي مستمر منذ سنوات، وبالتالي يبقى أمام كل من الرياض وتل أبيب معضلة التعامل مع طهران الجديدة، الدولة التي تقلصت لديها موانع كانت تعرقل دول العالم والمنطقة في إقامة علاقات طبيعية معها، أقلها عقوبات فرضها مجلس الأمن والأمم المتحدة تحت البند السابع، وهو المرتكز الذي راهنت عليه السياسة السعودية-الإسرائيلية طيلة العقديين الماضيين لكبح طموح إيران المشروع في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وهنا أمام العاصمتين عشر سنوات هي عمر الاتفاق للعمل على تشويهه ومحاولة إيجاد ذرائع وشكوك حول التزام طهران به، أو إيجاد مبررات جديدة مثل الوهم الذي ابتكرته تل أبيب حول القنبلة النووية الإيرانية، أو تهديد الرياض بشراء مظلة نووية من باكستان أو تطوير برنامج نووي بالتعاون مع روسيا، لإثناء الإدارة الأميركية عن سياستها الرامية إلى تسوية الأوضاع في الشرق الأوسط والتخلي عن أعباء حلفائها، الذين يسعوا للعودة مرة أخرى لمرتكز إيران كخطر على مصالح الولاياتالمتحدة وكونها دولة "مارقة" تدعم "الإرهاب" وإلى ما ذلك من سردية دعائية مشتركة لإسرائيل والسعودية، وهو ما بدأت الولاياتالمتحدة في معالجته بطمأنة مخاوف الدولتين بمزيد من صفقات السلاح والمساعدات العسكرية. اقرأ: الاتفاق النووي الإيراني ..إسرائيل والسعودية واللعب في الوقت الضائع 2-داعش كمحفز لتطوير العلاقات بعد الاتفاق النووي وإذا كان المتغير الرئيسي في المنطقة العام الماضي هو نشأة وتمدد ظاهرة داعش، فالعام الجاري شهد متغير أهم هو الاتفاق النووي، وإزاءه ستتغير معطيات مواجهة الظاهرة الأولى، التي بعد أكثر من عام على وجودها، لم يسجل نجاح للقوى الإقليمية في موجهتها سوى إيران ومحور المقاومة، بينما غرقت باقي القوى المؤثرة في الإقليم في مستنقع الاستثمار والتهوين والتسويف، إلى أن وصل خطر داعش إلى أراضيها، في الوقت الذي عولت فيه معظم الدول العربية على الإستراتيجية الأميركية لمواجهة التنظيم الإرهابي، فأن واشنطن وشركائها الإقليميين وعلى رأسهم الرياض لم يفلحان في وقاية دول خليجية مثل الكويت، أو دولة محورية هامة مثل مصر خطر التنظيم، وبالتالي ومع زوال قدر كبير من موانع التعامل مع إيران باعتبارها دولة مارقة سابقاً، فأنه من المتوقع أن يعاد طرح وصياغة إستراتيجية مواجهة داعش في المنطقة على ضوء انجازات محور المقاومة، أو حتى على إرشاد تلاقي تكتيكي بين واشنطنوطهران في هذا السياق، بالحد الأدنى في سوريا والعراق. وإن لا يعني ذلك أن الاتفاق الأخير بين إيران والسداسية الدولية قد شمل تفاهمات حول عدد أخر من القضايا والملفات، بل العكس أصر أطراف الاتفاق على حصر التفاوض بالشأن النووي وتداعياته من رفع العقوبات والحظر، لكن في نفس الوقت يتبقى المتغير الرئيسي في هذه المعادلة هو تسوية الملف النووي والعقوبات الذي كان يعرقل تطوير علاقة بلدان إقليمية ودولية مع إيران، وبالتالي فأنه من الأدعى أن تكون بوابة هذا التطوير وخاصة لدول المنطقة هو التصدي لخطر داعش. «غزة» و«داعش» و«قطر»و«تركيا».. ملفات تسارع من التقارب المصري الإيراني 3-موقف "حلفاء الحزم"؟ بعد 2011 ألتقي كل من تركياوقطر والسعودية على تقليص نفوذ محور المقاومة واستهداف حلقته الوسطى، سوريا، إلا أن تطورات الموقف في مصر عام 2013 جعلت مساحة التلاقي بين هذه الأطراف تقل واحتدم الصراع بينهم ليسمح لإيران باستعادة زمام المبادرة وتوسيعها إلى اليمن، تقلص مساحة التلاقي تجلى في حرب غزة الأخيرة، حيث وقع القطاع بين محوري تركيا- قطر وبين محور مصر-السعودية- الإمارات، وهو ما جعل إيران ومحورها بعيد عن أولويات المواجهة لعام كامل، ولكن ما أعاد الاصطفاف مرة أخرى إلى شكله الأول في 2011 هي وفاة الملك عبدالله وصعود جناح السديريين المهادن لكل من تركياوقطر والإخوان، والمتعجل مواجهة النفوذ الإيراني، وهو ما ترتب عليه تقارب بين الرياض وأنقرة والدوحة على هذا الأساس: مواجهة طموح إيران في المنطقة وتقويضه، وإن جاء ذلك على حساب حليف السعودية الدائم، مصر التي لم يعدل نظامها الجديد بوصلته عن مواجهة جماعة الإخوان والدول الداعمة لها، فجاءت "عاصفة الحزم" كاختبار للتراص الإقليمي الجديد بين السعودية وباكستانوتركياوقطروالإمارات ومصر في اليمن ، لتوضح التباينات والخلافات بين هذه الدول، والتي نجحت إيران في تحييد بعضهم بصفقات اقتصادية ضخمة مع باكستانوتركيا، وبالتالي ومع تحسن وضع إيران بعد الاتفاق النووي، فأنه من غير المستبعد أن تتزايد هذه التباينات بين دول من المفترض أنها حليفة، نتيجة لتحسين بعضها علاقتها بإيران. اقرأ: تفكك تحالف "الحزم"..عبثية العدوان تعجل بنهايته