أراده البعض اتفاق شامل، لا ينحصر فقط في الشأن النووي وما يتعلق به من تفاصيل تقنية وقانونية. فيما أراد طرفي الاتفاق، إيران ودول 5+1- أو بالأحرى إيران و الولاياتالمتحدة- أن يتوصلوا إلى حل يحفظ حقوق الأولى النووية دون اللجوء إلى عمل عسكري من شأنه إشعال حرب إقليمية وربما عالمية، وينهي مخاوف تتعلق بإمكانية تطور البرنامج النووي الإيراني إلى انتاج سلاح نووي. إيران من جانبها أرادت في المقام الأول طمأنة الغرب والعالم أنها لا تريد ولا تعمل على امتلاك تقنية تصنيع سلاح نووي، ورفع العقوبات الاقتصادية المتراكمة التي أثقلت الاقتصاد الإيراني لعقود ومنعته من التطور إلى مرحلة المنافسة الاقليمية والعالمية، ولكن أيضاً دون تنازلات قد تضر بحلفائها. وبخصوص مسار التفاوض وحدوده، دائما ما كانت التكهنات من كافة الأطراف المعنية اقليمياً وعالميا قبل وأثناء وبعد كل جولة مفاوضات ترتبط بإمكانية التوصل إلى اتفاق سياسي شامل يطبع العلاقات بين إيران والغرب، ويمهد لتسوية لملفات أخرى بخلاف النووي، وهو ما سيترتب عليه إعادة تدوير لزوايا العلاقات بين إيرانوالولاياتالمتحدة وحلفاءها في المنطقة وعلى رأسهم السعودية وإسرائيل؛ الأولى لازالت تخشى أن تدير واشنطن علاقة جيدة مع إيران ينتج عنها زيادة النفوذ الإيراني في المنطقة على امتداد الخارطة من لبنان إلى اليمن، مما يغلب الرؤية الإيرانية في معالجة الملفات المهمة من مكافحة الإرهاب والأزمة السورية، بينما إسرائيل ترى أن أي توافق من أي نوع بين إيران والغرب -تحديداً واشنطن- سيضر بها. من هنا بدأ الطرفين في طرح اشتراطات ومحاذير وخطوط حمراء لأي توافق مستقبلي بين واشنطنوطهران. قبل الاتفاق التمهيدي في 2013، الذي بدأت بموجبه جولات المفاوضات التي أفضت إلى اتفاق لوزان التمهيدي، كان أغلب المحللين على اختلاف جنسياتهم يروا أن إيران تسعى إلى طرح ما يزيد عن الملف النووي على مائدة المفاوضات، سواء كتكتيك تفاوضي يرجى منه التوصل إلى مكاسب في الملف النووي، أو سعي لمحاصصة بينها وبين واشنطن في النفوذ الإقليمي في العراق وإيجاد حلول وسط للأزمة السورية وغيرها من المتشابكات التي تربط إيران مع حلفاءها في المنطقة في سورياولبنان وفلسطين وأخيراً اليمن. تلك التحليلات ارتبطت بأمنيات ومخاوف من سعي طهران إلى تحسين وضعها كقوة إقليمية واضطرار واشنطن للتعاطي معها بإيجابية لحل أزمات الشرق الأوسط، وعلى رأسها مواجهة الإرهاب و"داعش" في سورياوالعراق. إلا أن ما تجلى عشية الاتفاق التمهيدي والأيام الذي تلت الإعلان عنه، هو أن إيران أصرت على أن التفاوض سيدور فقط حول الملف النووي، لاشيء أخر سواء يرتبط بها كملف الصواريخ الباليستية، أو مرتبط بحلفائها ودعمها لهم في سورياولبنانوالعراق، والدليل العملي بعيداً عن تصريحات القادة والسياسيين المنتمين إلى محور المقاومة عن أن إيران لا تفرض شروط على حلفائها عموماً وفي وقت المفاوضات النووية خصوصاً، هو رد حزب الله على الاعتداء الإسرائيلي في القنيطرة بمهاجمة قوات إسرائيلية داخل مزارع شبعا المحتلة، وذلك مع بدء جولة المفاوضات النووية الأخيرة. ومرة أخرى في العراق، حيث "أزمة" تحرير تكريت، وعرقلتها من جانب التحالف الدولي بقيادة واشنطن، حيث أتى ذلك بالتوازي مع وصول المفاوضات في لوزان إلى مرحلة حرجة عشية الاتفاق المبدئي، إلا أن إيران لم تغامر بالضغط على حلفائها من أجل تأجيل هذه المعركة أو تلك لكي لا تتعرقل المفاوضات النووية، بل استندت إلى سياسة الفصل التام بين الملفات التي بطبيعة الحال متداخلة بالنسبة للكثير من المتابعين والمحللين. وعلى العكس، أصرت كل من تل أبيب والرياض على دفع واشنطن لربط التفاهم النووي بملفات أخرى، بعد أن فشلت مساعي الأولى في إفساد خطوات الإدارة الأميركية داخلياً وتحويل التفاوض النووي إلى سجال شهده الكونجرس الأميركي الذي استضاف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليلقي خطاب على نواب أميركيين غالبيتهم من الجمهوريين يبين فيه مساوئ أي اتفاق بين إيران والغرب، ويكرر فحوى خطابه السياسي في 2012 المتعلق بكون إيران "تهديد أقصى يجب مجابهته بكل الوسائل بما فيها العسكرية. وبعد الانتخابات والخسارة الوشيكة لنتنياهو الذي استغل منافسيه العزف على وتر "إفساده للعلاقات بين تل أبيب و وواشنطن"، فعاد الأخير إلى طرح مطالب تتعلق يجب أن يتضمنها أي اتفاق نهائي على رأسها اشتراط اعتراف إيران بإسرائيل! السعودية من جانبها، وطبقاً لعقيدتها السياسية الرامية إلى إفشال أي نهضة لأي قوى إقليمية تقلص من دورها كقاطرة للسياسات الأميركية، طالبت بضمانات من واشنطن بأن لا يتضمن أي تفاهم مع إيران إلى تعزيز نفوذ الأخيرة الإقليمي ويضمن استعادة التوازن لصالح الرياض، بعد خلل انتابها من سلسلة من الفشل المتوالي لساستها في سورياوالعراق أدى إلى ظاهرة "داعش"، وخروج اليمن عن السيطرة السعودية المعهودة، إضافة كون التحركات السعودية في هذا الشأن تثبت سياسة "نحن أو لا أحد" التي أرسها الملك عبدالله بالنسبة لتعامل إدارة أوباما مع إمارات وممالك الخليج، ووصل الأمر إلى تهديد ببدء سباق تسلح في المنطقة وحتى انتشار نووي إذا تم الاتفاق مع إيران بكلمات وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل. هنا يجب الإشارة إلى أن مفهوميّ كل من تل أبيب والرياض تجاه طهران لا يقف عند التقاطع في تخوفاتهم والتطمينات الأميركية لهم، لكن تعدى ذلك إلى توافق ضمني وعلني، تكرر أكثر من مرة على لسان مسئولين في السعودية وإسرائيل، ووجد صدى إعلامي يردد ما يتم في الكواليس والعلن من تقارب بينهم على أرضية توافقية تجاه "عدو" مشترك هو إيران. من جهة أخرى، بدا من تصريحات مسئولين أميركيين على رأسهم أوباما ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي.إيه) جون برينان، تعليقاً على أتفاق لوزان المبدئي وردود فعل حلفاء واشنطن عليه، أن إدارة أوباما فضلت في الجولة الأخيرة من المفاوضات حصر الحديث عن الملف النووي وارتباطه برفع العقوبات الأممية عن إيران وتنحية -أو بالحد الأدنى- تأجيل المقايضة مع إيران بشأن ملفات أخرى إلى وقت لاحق، وذلك لعدة اعتبارات أهمها أن إدارة أوباما راهنت منذ بدايتها على نزع فتيل أزمة مهدت لحرب كانت وشيكة ضد إيران في أواخر شهور إدارة سلفه، جورج.دبليو بوش، وكذلك يعد تجنب حرب إقليمية تتورط فيها واشنطن ضد إيران انجاز لإدارة أوباما التي رفعت شعار عدم إرسال مزيد من الجنود الأميركيين للتورط في نزاعات الشرق الأوسط، كذلك جاء حصر التفاوض في الشأن النووي فقط ليفوت الفرصة على الجمهوريين -الذين ارسلوا خطاب مفتوح إلى الإيرانيين بأن اتفاقهم مع أوباما حبر على ورق دون موافقة الكونجرس- في الإدعاء بأن إدارة أوباما تخلت عن أمن حلفاء الولاياتالمتحدة والأمن العالمي من أجل إنجاز "وهمي" دون التطرق إلى مسألة تخلي إيران عن سلاحها النووي وإيقاف دعمها لحلفائها في سورياولبنان، فأبقت إدارة أوباما العقوبات الأميركية على إيران المتعلقة بالصواريخ الباليستية بشقيها الاقتصادي والقانوني، وهو ما يعد استمراراً لسياسة أوباما التي تحقق مصلحة واشنطن دون حرب، وهو ما يوفر فرصة جيدة لحزبه في انتخابات الرئاسة القادمة. أخيراً تبقى الأسابيع الفاصلة بين اتفاق لوزان التمهيدي وتوقيع الاتفاق النهائي كمهلة يمكن أن يستفاد منها حلفاء الولاياتالمتحدة لعرقلة الاتفاق، أو الدفع بمطالب تضاف للاتفاق النهائي، فنتنياهو أضاف أمس لقائمة تحفظاته وطلباته ضرورة أن يشمل الاتفاق النهائي بحث مسألة الصواريخ الباليستية الإيرانية، فيما شددت السعودية على ضرورة ربط الاتفاق النهائي بمختلف الملفات الإقليمية المتماسة مع إيران، وذلك بموازاة تصعيدها العسكري في اليمن وتكوينها لتكتل من حلفائها قد ينتج عنه حرب إقليمية لو انجرت إيران لها التي أرسلت قطع بحرية للمرة الأولى منذ بدء "عاصفة الحزم" إلى مضيق عدن. بعبارة أخرى أتت على لسان وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير: "من المبكر الاحتفال والفرح بالاتفاق التمهيدي..لازالت هناك أسابيع حرجة تفصل بيننا وبين الاتفاق النهائي". موضوعات متعلقة: