نجيب محفوظ: «لقد قدمت لي السينما العشرات من الأفلام، ولكني أعتقد أن الحب فوق هضبة الهرم من المعالجات السينمائية الجيدة التي لم تستغل الأصل الأدبي لأسباب لا تمت للأدب أو الفن بصلة، إنما حول القصة الأدبية إلى شكل سينمائي متميز جعل منها بالفعل علامة مهمة في تطور السينما في مصر، وجعل من مخرجها بحق عميدًا للخط الواقعي في السينما المصرية الحديثة». كان حلمه أن يصبح ممثلًا، وأنظر.. بات من أشهر مخرجي الواقعية الجديدة، فرض فنه على موجة الهبوط التي اعترت السينما المصرية في الثمانينيات، وظل اسمه كافيًا للتدليل على تميز الفيلم الذي يقدمه، بسبب إصراره على صناعة سينما متمردة على السائد والتجاري، وفي الوقت الذي صعدت فيه سينما المقاولات لتصبح الصوت الأعلى لدى المنتجين، كان يعمل على النقش في صخور الشروط السائدة لصناعة أفلام كبيرة، بعد تجربة طويلة من العمل في أخراج الأفلام الوثائقية، والعمل كمساعد مخرج لمجموعة كبيرة من أشهر مخرجي السينما المصرية، مثل يوسف شاهين، وشادي عبد السلام، فضلًا عن المخرجين العالميين الذي صوروا أفلامًا عالمية في مصر. بالكاد لا يمتلك سيرة كهذه سوى مخرج أراد الحياة لسينما أرادت الموت، ومن سوى عاطف الطيب، عميد الواقعية الحديثة، الذي تمر اليوم ذكرى وفاته ال20، وهو المولود في جزيرة الشورانية، مركز المراغة محافظة سوهاج، تمنى لو أصبح ممثلًا إلا أنه تخرج في المعهد العالي للسينما قسم الإخراج، أثناء الدراسة عمل مساعدًا للإخراج، مع مدحت بكير في أفلام "ثلاثة وجوه للحب"، دعوة للحياة"، ومساعدًا للمونتاج مع كمال أبو العلا. التحق، بعد تخرجه، بالجيش لأداء الخدمة العسكرية، وقضى به الفترة العصيبة (1971، 1975)، التي شهدت حرب أكتوبر 1973، وخلال الفترة التي قضاها بالجيش، أخرج فيلمًا قصيرًا "جريدة الصباح"، من إنتاج المركز القومي للأفلام التسجيلية والقصيرة، وبعد تلك الفترة عمل مساعداً للمخرج شادي عبد السلام في فيلم "جيوش الشمس"، ثم أخرج فيلم قصير من إنتاج المركز التجريبي "المقايضة"، بعدها عمل مساعد مخرج ثاني مع المخرج يوسف شاهين في فيلم "إسكندرية… ليه؟"، وفي 1981 عمل مع المخرج محمد شبل في فيلم "أنياب". كما عمل مساعدًا للمخرج العالمي لويس جيلبرت في فيلم "الجاسوس الذي أحبني"، ومع المخرج جيلر في فيلم "جريمة على النيل"، ومع المخرج مايكل بنويل في فيلم "الصحوة"، ومع المخرج فيليب ليلوك في فيلم "توت عنخ أمون". عاطف الطيب عمل كفارس يحارب الفساد الذي تغلغل في نفوس شخصياته، التي تمثل المجتمع بكل تحولاته في تلك الفترة، من خلال خصال أولاد البلد، فأصالة المواطن المصري سمة ظاهرة في كل أفلامه، لكنه لم يتمكن من إتمام فيلمه الأخير "جبر الخواطر" لوفاته، حيث أتم المونتير أحمد متولي عملية مونتاج الفيلم منفردًا، بعد أن توفي في 23 يونيو 1995، عن عمر ناهز ال47، إثر أزمة قلبية حادة، أجرى بسببها عملية، كانت أخر ما مر به في حياته. قدم خلال 15 عامًا، 21 فيلمًا، سعى فيها إلى تقديم صورة واقعية عن المواطن والمجتمع المصري، وقال عنه نجيب محفوظ: «لقد قدمت لي السينما العشرات من الأفلام، ولكني أعتقد أن الحب فوق هضبة الهرم من المعالجات السينمائية الجيدة التي لم تستغل الأصل الأدبي لأسباب لا تمت للأدب أو الفن بصلة، إنما حول القصة الأدبية إلى شكل سينمائي متميز جعل منها بالفعل علامة مهمة في تطور السينما في مصر، وجعل من مخرجها بحق عميدًا للخط الواقعي في السينما المصرية الحديثة». ليس فقط فيلم "الحب فوق هضبة الهرم"، لكن في أغلب أعمال، ظهرت الشخصية الناقدة للطيب، وفي هذا الفيلم ظهرت لتعالج أزمة الزواج في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، ومشكلة السكن، وتراجع طبقة الموظفين من المتعلمين أمام طبقة المهنيين وأخلاقياتهم وذوقهم، دون أن يدين هذه الطبقة، وكعادته يغير الطيب النهاية لتصبح أكثر إدانة للواقع، بدلًا من النهاية السلبية في قصة نجيب محفوظ. ولا ننسى "أبناء و قتلة"، الذي يستعرض فيه حياة تاجر سلاح انتهازي، من بداياته كعامل في بار متواضع، واستغلاله لراقصة شعبية تتآمر عليه لإبعاده عنها، تاركة له طفلين يتربيان في رعاية العمة، بينما تتزوج هي من ضابط الشرطة الذي يطارد التاجر، حتى ينتهي الفيلم بنهاية مأساوية بقتل ابنه الأستاذ الجامعي نتيجة حالة ضعف النظر التي ترمز إلى انعدام الفكرة الأخلاقية في الحياة. من ينظر لحياة الطيب يدرك حجم المعركة التي كان يخوضها بعمله الدءوب على إدانة عصر الانفتاح، فيقدم فيلم "كتيبة الإعدام" عن قصة أسامة أنور عكاشة، ثم فيلم "الهروب" في بداية التسعينيات، الذين أدانا نماذج المتسلقين على موجة الانفتاح الاقتصادي، ويدعوان إلى الثورة والعنف والحلول الفردية في تخليص الحسابات، هذه الرؤية المفتوحة التي تنتهي دائمًا بالقتل والتصفية جعلت النقاد يفتحون بدورهم نار الانتقادات الساخنة ضده، و صنفوه كمخرج (خطر)، خاصة مع تأثيره الكبير على عدد من المخرجين الشباب. التوجه السياسي ظهر بارزًا في فيلم "ناجي العلي" 1992، الذي مكن نقاده من إطلاق حملة جديدة على طريقة "امسك حرامي"، حيث اتهم الطيب بتقديم صورة سلبية عن الشخصية المصرية الذي قدمها كشخصية مغيبة وعاجزة في تعمد لاستخدام الرمز لدور مصر السياسي في تلك المرحلة من التاريخ العربي. الهجمة على فيلم "ناجي العلي"، دفعت الطيب لمحاولة تقديم أفلام مختلفة عما قدمه في مسيرته، ولكن الوقت تأخر، فصنف كمخرج منشق ومتمرد وصعب الترويض، فأتت أفلامه الأخيرة "دماء على الأسفلت، كشف المستور، ليلة ساخنة"، لتضيف لرصيده الساخن من الأفلام الخلافية والجدلية التي أرضت الكثيرين، وأسخطت الكثيرين.