شهدت القارة السمراء على مر العصور العديد من الزعماء الإفريقيين الذين ناضلوا ضد الاستعمار البريطاني والفرنسي وتفشيه شمالًا وجنوبًا، حتى حصلوا على استقلال بلادهم وعملوا جاهدين على إحداث نهضة حقيقية تنسي الشعوب استعمار نهش خيرات قارتهم السمراء، ومن هؤلاء الزعماء كوامي نكروما أول رئيس لدولة «ساحل الذهب» أو غانا بعد حصولها على الاستقلال. نكروما من مواليد عام 1909 وتلقى تعليمه الجامعي بجامعة لينكولن الأمريكية، وحينما عاد إلى بلاده انضم للتنظيمات الطلابية المنادية بالاستقلال وسافر خلال ذلك إلى العديد من الدول الإفريقية والغربية ومنها بريطانيا، حتى عاد عام 1947 بقوة حشد سياسية هائلة أدخلته المعتقل لفترة طويلة. أسس الزعيم الإفريقي بعد خروجه «حزب المؤتمر الشعبي» في أوساط عام 1949 لتحقيق الحكم الذاتي للبلاد، وفي أوائل 1950 اعتقل نكروما مجددًا بعد سلسلة من الإضرابات وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، وفاز حزبه بالانتخابات البلدية والعامة في الانتخابات، رغم وجوده بالسجن تلك الفترة، وفي عام 1952 تولى رئاسة الوزراء وواصل كفاحه حتى الاستقلال عام 1957. وفي عام 1959 أنشأ مع الرئيس الغيني أحمد سيكوتوري اتحاد غاناوغينيا، ليكونا نواة لوحدة إفريقية أكبر، لكن بعض قادة الدول الإفريقية الأخرى لم ترق لهم هذه الفكرة، وتم الاتفاق على إيجاد صيغة أخرى لهذه الوحدة، وهي إقامة منظمة الوحدة الإفريقية، التي تأسست في الخامس والعشرين من شهر مايو عام 1963 بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا . يوم 6 مارس 1957 أعلن استقلال ساحل الذهب تحت اسم غانا، واختار نكروما النمط الاشتراكي، وفي عام 1960 أقر دستور جمهورية غانا، وانتخب نكروما أول رئيس لها، ومنذ ذلك التاريخ أصبح نكروما أول رئيس لغانا عقب الاستقلال عن بريطانيا، وبدأ رحلته للإعمار والتنمية وقاد مشروعًا ضخمًا لإقامة «الوحدة الإفريقية»، ومن أجل ذلك وافق على ترشيح الرئيس المصري جمال عبد الناصر لعروس المستقبل، وبالفعل تزوج من سيدة مصرية تُدعى فتحية، نالت شعبية كبيرة في غانا حتى بعد الانقلاب على زوجها عام 1966. النهضة التي حققها الرئيس الغاني أثارت استياء القادة العسكريين، مما دفعهم إلى محاولة اغتياله عدة مرات، لكنهم لم يفلحوا، حتى انتهزوا فرصة وجود نكروما في زيارة رسمية لفيتنام وأسقطوا نظامه واستولوا على الحكم، ولجأ وقتها الرئيس المخلوع إلى صديقه الرئيس الغيني أحمد سيكوتوري، الذي رحب به وجعله شريكًا «شرفيًّا» للرئاسة. بسبب تصرفات حزبه السلطوية انقلبت عليه مجموعة من الضباط أثناء سفره لفيتنام فالتجأ إلى غينيا ودعا الغانيين للتمرد بدون جدوى، ولم يستسلم نكروما للانقلاب ودعا الشعب الغاني إلى مقاومة العسكريين، الذين قادوا البلاد إلى حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، حتى ازدادت الرغبة الشعبية في عودته مجددًا إلى الحُكم، لكن المرض قد تمكن منه وتدهورت صحته سريعًا، حتى فارق الحياة عام 1972، ودفن في غينيا ثم نُقل جثمانه إلى مسقط رأسه في العاصمة الغانية أكرا. وتعتبر غانا أول دولة تستقل في غرب إفريقيا، وحين حصلت على استقلالها لم يكن هناك سوى مصر وإثيوبيا قد حصلا على استقلالهما، وكان نكروما من أبرز دعاة الوحدة الإفريقية وواحدًا من مؤسسي منظمة الوحدة الإفريقية قبل إسدال الستار عليها في يوليو 2002 وكان قائد حركة التحرر في غانا، وهي من البلاد القليلة التي لم تلجأ للكفاح المسلح، وإنما من خلال التطور الدستوري من مستعمرة إلى حكم ذاتي إلى استقلال وقاد بلده للاستقلال من خلال حزب المؤتمر. وما زال يؤثر نكروما في الحياة السياسية الغانية حتى هذه اللحظة، فهناك أحزاب تتبع الفكر النكرومي، ومنها حزب التضامن الشعبي العظيم وأنشأ في 18 سبتمبر 1996 وجاءت نشأته كرد فعل على خسارة حزب الشعب لانتخابات 1992 وركز البرنامج الانتخابي للحزب علي تحرير الاقتصاد من الهيمنة الأجنبية والتركيز على التنمية الصناعية، كما تأسس حزب مؤتمر الشعبي الوطني عام 1992 وهو يزعم أنه الحزب النكرومي الحقيقي وأنه يمثل الامتداد الفكري والسياسي الذي أسسه نكروما، بالإضافة لحزب مؤتمر الوطني الديمقراطي. ترك نكروما بعد وفاته إرثًا نضاليًّا وكفاحيًّا هائلًا لا تزال تذكره به الشعوب الإفريقية بفخر واعتزاز، فهو من أبرز حكماء وقادة أفريقيا العظام والمخلصين لها، والمنادين بوحدتها، والمدافعين عن قضاياها بالحجج القوية والمواقف الصلبة.