بعد مرور عدة قرون على طرد المسلمين الموريسكيين من الأندلس في القرن السابع عشر الميلادي، تحرك البرلمان مؤخرا لكي يُعيد فتح أبرز صفحات التاريخ الأسود التي لا زالت أشباحها تطارد الذاكرة الإسبانية حتى اليوم. من هم الموريسكيون؟ الموريسكيون هم المسلمون الذين بقوا في إسبانيا بعد سقوط المملكة الإسلامية، وتم تخييرهم بين تغيير ديانتهم إلى المسيحية أو مغادرة إسبانيا، فتم طردهم فعلا بأعداد كبيرة إلى المغرب وتونس والجزائر، وفي منتصف القرن الخامس عشر جرت عمليات منظمة لطرد المسلمين واليهود من إسبانيا، بعد 8 قرون من التعايش في ظل حكم إسلامي، وأجبرت محاكم التفتيش من بقي منهم على تغيير الدين واعتناق الكاثوليكية أو الانصياع لعمليات الطرد الجماعي، وخلال القرن الخامس عشر ميلادي، قدرت أعداد اليهود ب300 شخص، وبعد عمليات الطرد والإجبار على تغيير الدين خلال القرن الخامس عشر، فر أغلبهم إلى مركز القوة الاقتصادية في ذلك الوقت، وهي الإمبراطورية العثمانية وعاشوا هناك. تحيز إسبانيا لليهود أقرّت الحكومة والبرلمان الإسباني مؤخرا في إطار ما أسمته برغبتها بتصحيح "خطأ تاريخي"، حيث صوتت على مشروع قانون يسهل حصول أحفاد اليهود "السفارديم" الذين طردوا في عام 1492 من المملكة الإسبانية على الجنسية، وبموجب هذا القانون توافق إسبانيا على منح جنسيتها لليهود الذين يثبت أنهم من "السفارديم" المنحدرين من اليهود الذين أبعدوا سنة 1492، عندما أمرت الملكة "إيزابيل القشتالية" وزوجها الملك "فرديناند"، ملك أراغون، الكاثوليكيان بطرد جميع من رفضوا اعتناق المسيحية، ووافق على مشروع قانون منح الجنسية الإسبانية ليهود السفارديم، 224 صوتًا مقابل رفض ثلاثة. وينص القانون الجديد الذي سيتم تطبيقه ابتداءً من أكتوبر المقبل على منح الجنسية الإسبانية لليهود السفارديم الذين طردوا من إسبانيا دون الحاجة إلى التخلي على جنسيتهم الحالية، إلى جانب إلغاء المقترح الأول الذي كان يقول بضرورة استقرارهم في إسبانيا، وبهذا يمكنهم الحصول على الجنسية دون الحاجة إلى الاستقرار الدائم بالبلاد، ويبقى الشرط الوحيد هو اجتياز اختبار شكلي في اللغة والثقافة الإسبانيتين. بحسب التقديرات قد يستفيد قرابة 90 ألف يهودي من أحفاد الجالية اليهودية الأصلية، أغلبهم مقيم في أمريكا أو كندا أو بلد أوروبي آخر أحسن وضعًا اقتصاديًا من إسبانيا، ما يرجعه البعض إلى أن إسبانيا تهدف إلى جذب رؤوس أموال يهودية للخروج من أزمتها الاقتصادية. غضب المسلمين الموريسكيين أثار توجه السلطات الإسبانية إلى رد الاعتبار ليهود "السفارديم" ومنحهم الجنسية الإسبانية جدلًا واسعًا في هذا البلد الأوروبي، كما أثار القرار استياء قرابة مليوني مسلم يعيشون في البلاد بحكم عدم إنصاف القرار للمسلمين الذين طردوا بنفس الطريقة. من جانب آخر، انتقدت مجموعة من الأصوات الحقوقية والثقافية بالمغرب وإسبانيا القرار، واصفة إياه بسياسة الكيل بمكيالين، فالقانون الجديد يمنح الجنسية الإسبانية للسفارديم بدون قيد أو شرط ويستثني المسلمين الموريسكيين، حيث يرى المتخصص في تاريخ المسلمين الموريسكيين "علي الريسوني"، أن "منح الجنسية الإسبانية لليهود ذوي الأصول السفاردية عمل جيد، لأنه اعتراف بخطأ تاريخي ارتكبته إسبانيا في حق جزء من مواطنيها، لكن تجاهل قسم آخر أهم بكثير من اليهود الذين كانوا شكلوا أقلية في الأندلس القديمة ونعني بذلك المسلمين ذوي الأصول الموريسكية فهذا ظلم واحتقار فالمسلمون شكلوا الأغلبية ممن طردوا وشردوا وغربوا ظلمًا وعدوانًا". وقال الباحث في قضايا تاريخ الأندلس "محمد الأمين خطاري"، إن "مشروع القانون لا يأخذ بعين الاعتبار وضع المسلمين المأساوي أيضا قياسًا بوضع اليهود حيث أنهم تقاسموا معهم الخضوع لمحاكم التفتيش والطرد في تلك الفترة التاريخية"، وأضاف "لقد تسبب مشروع القرار في غضب المسلمين في إسبانيا لأنهم شعروا بعدم الإنصاف تجاههم"، واعتبر أن "هذا يسبب طرح المسلمين في إسبانيا لأسئلة تبقى بدون إجابة شافية حول مصير حقوق أحفاد من طردوا في تلك الفترة التاريخية". تحرك المسلمين الموريسكيين القرار تجاهل مطالب الموريسكيين المسلمين "الموريش" الذين تقطن أغلبيتهم الساحقة شمال المغرب بعد تهجيرهم قبل خمسة قرون من الأندلس، وهو ما دفع الفريق الاشتراكي على وضع مشروع قانون أمام لجنة الخارجية في البرلمان، ينص على رد الاعتبار لأحفاد الموريسكيين الذين طردوا بشكل جماعي من إسبانيا والموجودين اليوم في المغرب بشكل خاص وفي بعض البلدان المغاربية بشكل عام، ويوصي بتقوية العلاقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية معهم، لكنه لا يذهب إلى حد مطالبة الدولة بالاعتذار الرسمي عن تلك الجريمة، أو تعويض أحفاد المطرودين مقابل ممتلكات أجدادهم التي سلبت منهم، أو تمكينهم من الحصول على الجنسية الإسبانية. يرى بعض المسئولين عن المنظمات الإسلامية في إسبانيا أن المشروع، وإن كان يساويهم باليهود السفارديم الذين طردوا من الأندلس قبل خمسة قرون بعد صدور قانون بهذا الشأن عام 1992، إلا أنه لا يشير إلى ضرورة اعتذار إسبانيا للمسلمين مثلما اعتذرت لليهود الإسبان قبل عام 1992. في عام 2006 قدم حزب اليسار الموحد في البرلمان من منطقة الحكم الذاتي الإسبانية للأندلس والذي اقترح الاعتراف بحقوق أحفاد المسلمين الذين طردوا لكن مشروع القانون لم يصل إلى مرحلة التصويت، ورفض المشرعون البرتغاليون الذين صاغوا القانون البرتغالي لصالح السفاراديم اليهود الدعوات لتجنيس أحفاد المسلمين بحجة أن ما جرى معهم كان جزءا من الحرب لإنهاء الاحتلال في إسبانيا على يد "الغزاة من شمال أفريقيا"، وقال المشرع الإسباني للقانون البرتغالي إنه لا يوجد أساس للمقارنة، الاضطهاد كان ضد اليهود فقط وما حدث للعرب كان جزءا من الصراع. في 2002 عقد الموريسكيون المغاربة أول مؤتمر من نوعه حول هذا الموضوع بمدينة "شفشاون"، طالبوا فيه إسبانيا بالاعتذار لهم، كما دعوا إلى الاهتمام بأوضاع تلك الفئة التي رأوا أنها تشكل جزءا من تاريخ إسبانيا.