أراد شيخ أن يذكّر أحد الشباب بالآخرة وأن الموت أقرب إليه من شراك نعله؛ فحكى له موقفًا شخصيًّا عجيبًا عندما كان يستقل سيارة أجرة للسفر، وكان يجلس بجوار السائق، وفي منتصف الطريق استأذنه أحد الركاب الجالس في المقعد الخلفي بإلحاح شديد أن يجلس بدلًا منه في المقعد الأمامي، وإزاء إلحاحه لم يجد بدًّا من الرضوخ لطلبه، ولم تمضِ دقائق قليلة حتى حدث صدام عنيف ليموت على أثره السائق والراكب الذي انتقل ليجلس بجواره وينجو الشيخ فقط! فهل فهمت مغزي القصة يا ولدي؟ فقال الشاب فورًا: نعم ألا أركب بجوار السائق مرة أخرى! ذكرني هذا الموقف بمراجعات بعض الإخوان للأخطاء التي أوصلتنا لهذا المنحى، ليصبح هناك فسطاطان: أحدهما يرى أن المشكلة انتهاج السلمية وإن خالتك سلمية ماتت ومن ثم يجب القصاص ومواصلة أو مباركة العمليات النوعية ضد الجيش والشرطة والإعلاميين وأبراج الكهرباء وغير ذلك.. وهو الرأي الذي يتبناه كثير من الشباب، والآخر يرى أن النهج السلمي هو خيار ديني وأصل شرعي وهو فكر بعض أعضاء مكتب الإرشاد ومفتي الجماعة؛ وهذا الاختلاف بين الفريقين ونقد الذات في المجمل شيء مهم على طريق الوصول للإصلاح والتغيير الحقيقي، وإن لم يمس إلى الآن لب المشكلة الحقيقي، لكن لعلنا بعض فترة ننتقل للحديث عن أصل المعضلة وطرق المعالجة الجذرية؛ خصوصًا بعد أن ضَمُر ركن التبرير رويدًا رويدًا في أدمغة أعضاء التنظيم، وأصبح وضع الهالات الأشبه بالعصمة على قيادات الإخوان التاريخية شيئًا من الماضي لدى الكثير من الإخوان، نتيجة الاختيارات السياسية لهذه القيادات التي لم تعد تخطؤها عين والقرارات المتصلبة والعنترية والتي أوردتنا جميعًا الموارد. نعم أوردتنا جميعًا؛ ولذا ينبغي للإخوان أن يخرجوا من شرنقة التنظيم والانكفاء على الذات وألَّا ينزعجوا من النقد الموجه لهم ممن خارج التنظيم؛ باعتبار أنهم وحدهم من يخصهم الحديث عن أنفسهم وساحة الميدان مفتوحة لمن يرد أن يتقدَّم ويغيِّر من غير تنظير فارغ، ويكأن رفعهم لسقف الطموحات، وتبشيرهم بعودة مرسي اليقينية عن طريق الرؤى والمنامات والأخبار المفبركة عن الانشقاقات، لم يكن له أي دور في رفع همم الناس واستثارة عزائمهم للوقوف في الميادين والتضحية بأنفسهم وذويهم؛ لرفع لواء الشرعية الذي أصبح قريبًا قريبًا، لكنهم لم يروه إلَّا سرابًا عجيبًا؛ لأنها كانت قرارات ليست مبنية على أي بوصلة حقيقية أو رؤية سياسية إلَّا لو اعتبرنا أن رؤيا القيادات في المنامات حق لا لبس فيه. أخشى أن يأتي اليوم الذي نتحسر فيه على قيادات كمحمود غزلان ومحمود حسين ينادون الآن بالسلمية؛ لأنه قد يتسلم بعدهم شباب أو شيوخ قد لا تفرق كثيرًا بين أقوالهم وأقوال الجماعات التكفيرية، وبدلًا من أن نرى قيادات جديدة تتبنى خطابًا ثوريًّا عقلانيًّا منفتحًا غير تلك المعارك التكفيرية التي كانت تخوضها الألسنة ضد المخالفين والمعارضين في الأربع سنين الماضية. وربما كان من أشد الخطايا لخيارات الإخوان السياسية بعد الثورة أنهم اختاروا الدخول في الحلف السلفي، الذي جعل الإخوان ينجرون لمعارك فكرية جانبية، ويتخذون مواقف متشددة حتى لا يبتزهم السلفيون ويزايدون عليهم، فما بالنا الآن وخطابات الإخوان الجديدة تشتم منها أن حلفاء الإخوان الجدد سيكونون هم التكفيريون وجماعات الجهاد المسلح.