زيادة الموازنة رسميًا وفشلها في توفير الخدمات واقعيًا يهدف التعليم بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز، وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه فى مناهج التعليم ووسائله، كذلك الرعاية الصحية المتكاملة وتوفيرها وفقا لمعايير الجودة، والحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافى العادل، ودون الإنفاق المالي لن تتحقق تلك الأهداف. ألزم الدستور المصرى بوضع نسبة لا تقل عن 4% من الناتج القومى الإجمالى، للإنفاق على التعليم، وتتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، كما نص على التزام الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3 % من الناتج القومى الإجمالى، تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض، وبالتزامن مع إعلان الحكومة رفع الموازنة في مخصصات الإنفاق على قطاعي الصحة والتعليم، الأمر الذى يزيد أعباء المواطن البسيط من رفع للضرائب وزيادة أسعار المنتجات الأساسية، بالإضافة إلى رفع الدعم تدريجيا لتوفير عجز الموازنة. جاءت زيادة الميزانية بالتزامن مع وجود عجز في مخصصات الإنفاق علي التعليم والصحة، نتيجة لإنفاق النسبة الأعلى من الميزانية على الأجور والمكافآت والحوافز للمسئولين، حيث بلغ الإنفاق على قطاع التعليم والبحث العلمى نحو 62.958 مليار جنيه عام 2011- 2012، موزعا بين مؤسسات وزارة التربية والتعليم نحو 42.7 مليار، والمعاهد الأزهرية 6.354 مليار جنيه، ومؤسسات التعليم الجامعى نحو 11.673 مليار جنيه، وجامعة الأزهر نحو 1.211 مليار جنيه، ووزارة البحث العلمى والمؤسسات البحثية التابعة لها نحو مليار جنيه، إلا أن المنصرف على الأجور بمنظومة مؤسسات التربية والتعليم والأزهر بلغ نحو 43.7 مليار جنيه، بينما بلغ المنصرف على السلع والخدمات نحو 3.255 مليار جنيه، أما المنصرف على المشروعات الاستثمارية من مبان وتجهيزات وأجهزة من بند الأصول غير المالية، فبلغ نحو 2.053 مليار جنيه، كما قامت الحكومة برفع ميزانية وزارة الصحة بنحو 12.9 مليار جنيه خلال العام المالي الجاري 2014 – 2015 لتصل بالموازنة الجديدة إلى نحو 46.4 مليار جنيه، مقارنة بميزانية قطاع الصحة عام 2013 – 2014 والتي قدرت بنحو 33.5 مليار جنيه بحسب التقسيم الوظيفي بالموازنة الجديدة. وبالرغم من زيادة الميزانية بالصحة والتعليم، فقد تراجع نصيب المواطن من العلاج ليصل فى العام المالي الجديد 51.5 جنيه للفرد الواحد، وفى حين بلغ مصروفات الوزارة أو المبلغ المخصص لشراء مستلزمات الأدوية بنحو 6.7 مليار جنيه، وبلغت قيمة أجور الموظفين وتعويضاتهم نحو 26.7 مليار جنيه، وفى العام قبل الماضى وصلت ميزانية التعليم حوالى 60 مليار جنيه، وإذا تم توزيعها على عدد الطلاب حوالى 20 مليون، يكون نصيب الواحد 3000 جنيه سنويا وهذه نسبة هزيلة جدا، بينما نصيب الطالب في دول أخرى يقترب من 25000 ألف جنيه سنويا، أى 7 أضعاف الميزانية المرصودة للتعليم فى مصر. يقول الدكتور خالد سمير، أمين صندوق نقابة الأطباء، إنه بالرغم من إعلان وزارة الصحة زيادة الميزانية العام الماضي 13 مليار لتصل إلي 57 مليارا، بنسبة تمثل 5%، إلا أن هناك علاقة إشكالية بين زيادة النسبة وانخفاض نصيب المواطن منها، لافتا إلى أن هناك عوامل أخرى تؤثر على تراجع نصيب الفرد المعالج على حساب الدولة، بسبب أن وجود ما يقرب من 25% زيادة تقابل تلك النسبة، مشيرا إلى عوامل تؤثرعلى تكلفة الحصة بالنسبة للمريض، منها ارتفاع سعر العملات الأجنبية العام الماضي بنسبة لاتقل عن 10%، وزيادة نسبة التضخم التي لاتقل عن 10%، كذلك مستهلكات جراحة القلب زادت بنسبة 50%، وارتفاع معظم مستهلكات الصحة التي غالبا ما تكون مستوردة، بالإضافة إلى ضعف الاسثتمار في الصناعات المحلية الصحية، وارتفاع أسعار الخضار والفاكهة، كل ذلك يؤثر على نصيب المواطن من الإنفاق العلاجي. وأضاف "سمير" أن ميزانية الصحة تنقسم إلي مخصصات رواتب، ومنشآت، ومستلزمات وأجهزة، بالإضافة إلي رواتب التدريس والأطباء والتمريض، كل ذلك يؤثر على ميزانية الوزارة، لافتا إلى أن قيمة الرواتب تقل رغم الزيادة الطفيفة في الميزانية، ومؤكدا أن التسويق السياسي دون تخطيط حقيقي لمواجهة المشاكل لن يؤدي إلي علاج حقيقي. وأوضح أمين صندوق النقابة، أن الحكومة غير قادرة على الصرف في قطاعي التعليم والصحة؛ لعدم وجود موارد بسبب غياب النظام الضرائبي، الذي يطبق على الغلابة والموظفين ويتهرب منه كبار رجال الأعمال وأصحاب المهن الحرة، مشيرا إلى غياب طريقة جيدة للنظام الضريبي، خاصة أن النظام نفسه يطوله الفساد. ولفت "سمير" إلى أن إحصائيات منظمة الصحة العالمية،أوضحت أن متوسط الإنفاق الصحي بمصر 152 دولار على الفرد في العام، وما يقرب من 72% منهم ضمن المال الخاص للمواطن و28% فقط من الانفاق الصحي، مشيرا إلى أن المتوسط العام للإنفاق على الفرد ألف دولار في العام، بعكس بعض الدول العربية التي يصل الإنفاق على الفرد في مجال الصحة إلي ألفي دولار، موضحا أن اقتصاديات الصحة تقول إن كل دولار يستثمر في الصحة يؤدي إلي زيادة 9 دولارات في الإنتاج القومي، وهو فكر غائب عن الحكومة، لأنها ترى أن الصرف على الصحة غير مستثمر وضخ نقود دون عائد لها. وشدد على أن الاستثمار في الصحة، يمنع الأمراض المزمنة التى تستهلك المليارات، ويزيد من العبء على الدولة في تحمل صرف مليارات على العلاج كالتهاب الكبد الفيروسي، ففي حال وجود استثمار للوقاية من المرض بضخ نصف مليار، لم نكن لنحتاج اليوم إلي أكثر من 200 مليار جنيه لمعالجة 12 مليون مواطن، بالإضافة إلى أن الاهتمام ببعض الأمراض يكون على حساب أمراض اخري لها تأثير أقوي من الاتهاب الكبدي الفيروسي. من جانبه، قال الدكتور رضا عيسي، الخبير الاقتصادي، إن عجز الموارد بالدولة يكون على حساب الضرائب من المواطن، بالاضافة إلى أننا لازلنا مستمرين في مهزلة الإنفاق خارج الموازنة، فالصناديق والحسابات الخاصة التي تمثل ما يقرب من 100 مليار جنيه وهي نسبة عالية بمعايير الأداء للبنك الدولي وصندوق النقد، لازالت مستمرة من أيام مبارك وأنور السادات وحتى اليوم، لافتا إلى أن أول خطوة على طريق الإصلاح تكمن فى حصر الموارد؛ لأن جزءا كبيرا منها لايدخل موازنة الدولة، ويرجع ذلك إلى عجز الحكومة على حصر تلك الموارد، مشيرا إلى أن هناك حالة تخبط داخل الحكومة، من فرض ضرائب مؤقتة وإعادة إلغائها، مؤكدا أننا لازلنا نخضع لرجال الأعمال وأصحاب النفوذ والمصالح، دون وجود من يتحدث عن نصيب الفقراء داخل الموازنة. وأكد الخبير الاقتصادي أن موازنة التعليم والصحة تعتبر رواية غير واقعية من الحكومة عن مصادر الإنفاق على القطاعين، لأن ذلك بعكس ما يوضحه الحساب الختامي لنفس السنة المالية، وهو مايبين الفعل والقدرة على التحقيقات، مشيرا إلى أن الحساب الختامي للحكومة خلال ال7 أعوام الماضية يوجد بها مهازل، خاصة أن تقديرات حصيلة الضرائب التي توقعها الدولة يوجد بها عجز 10%، وعندما يظهر نقص الموارد تقوم بفرض ضرائب جديدة على المواطن، كما أن الشركات المملوكة للمستثمرين ماتم تحصيله منها لايتعدى عن 67% فقط من التقدير للموازنة، خاصة أن الموازنات غير ثابتة ويتم تعديلها مرات عديدة دون إعلان، الأمر الذي يظهر اختلاف في الحساب الختامي، مشيرا إلى أن موازنة القطاعين بها العديد من المشاكل منها طريقة وضعها ومناقشتها وعرضها على جهات المجتمع المدني، بالإضافة إلي أنه من المفترض أن تعرض على المجتمع المدني في غياب مجلس الشعب وهو مالم يحدث. واختتم الخبير الاقتصادي بأن أول خطوة لحل أزمة الموازنة هي حصر الموادر بشكل دقيق ومنها الصناديق الخاصة بالبنوك التجارية التي فشلنا أعقاب الثورة في حصرها، ومحاربة الفساد، وأن يكون الإعلان عن الانحيازت الاجتماعية أوضح من ذلك، وأن يكون هناك اقتصاد يتناسب مع المرحلة.