فقط في مصر الأزهر، عندما يعلن السيسي، أن الإسلام لا يحض على قتل من لا يؤمن به، وأن المسلمين لن يدخلوا الجنة وحدهم؛ يعلن فورا مستشار شيخ الأزهر أن ما ذكره الرئيس للصحيفة الأمريكية عن الإسلام صحيح ومؤيّد بآيات القرآن الكريم، ويمثل المفهوم العام للإسلام الصحيح، وعندما يتكلم إسلام البحيري، في هذه الأمور يصرح الأزهر أن حديث البحيري، هذا هو ارتداد عن صحيح الإسلام ومروق عن فهم الدين. يبدو أن الأزهر سيدرس قريبا لتلاميذه القاعدة الفقهية "حبيبي أبلع له الظلط، وعدوي أتمناله الغلط". يتكلم الأزهر بكل أريحية وسلام نفسي عن عظمة الحرية في الإسلام، بينما الحبر الذي كتبت به قرارات الفصل للطلاب والأساتذة المختلفين معه سياسيا لم يجف بعد، بل يصرح رئيس جامعة الأزهر وبكل فخر أن "الطالب اللي حيكتب كلمة على السور حقطع إيده نصين، واللي حيعمل تلفيات في الجامعة هفصل راسه عن جسمه، وهحرق كبده". وبكده يبقى عندنا في التاريخ الإسلامي أكلة الأكباد في العصر الأول، وممثل الإسلام الوسطي الرسمي الأزهري: حارق الأكباد وفاصل الرؤوس والأيدي عن الأجسام، (ملحوظة: رئيس جامعة الأزهر كان يفند منذ أيام في الإعلام خطر الفكر الداعشي الإرهابي وحاجتنا الماسة لمواجهة هذا الغلو والتطرف وتجديد الخطاب الديني). ولكن دعك من تصفيق مشايخ الأزهر وعلمائه للسيسي، وهو يقول لهم "سأحاجيكم أمام الله" ما بقي هذا الفكر وهذه النصوص المقدسة على مر السنين والتي جعلت الأمة مصدرا للخطر والقلق والتدمير والقتل ومعاداة الدنيا كلها؛ فلو كان هذا المقطع قد قِيل عكسه تماما، وحدَّثهم السيسي أن إسلامنا عظيم وتراثنا عتيق نفخر به أمام الدنيا كلها فهو الذي علم الدنيا الحضارة وأسس لحقوق الحيوان قبل الإنسان، ومن يقول إننا نحتاج لثورة دينية فهذا في قلبه مرض فاحذروه –أكاد أجزم أنه لو قال هذا نصا- لصفقت نفس أياديهم لجميل حديثه وصافحته ملائكة الأزهر في القاعات رِضًا بما يصنع. ولكن لأن الأزهر لن ينضب أبدا من المخلصين والطيبين، فقد حُكِىَ أنَّ طالبا سأل شيخه بعد حديث السيسي، عَلِّمني الثورة الدينية يا شيخ؟ فأجابه الشيخ: يعني تيجي في الهايفة وتتصدر؛ مثلا: تثير فتوى جواز تطليق الرجل لزوجته الإخوانية، تعلن حربا على ممثلة تافهة، أو تجد الأزهر ينتفض ليعلن الثورة على إنشاء الحزب العلماني المصري، ولكنك لم ولن تسمع له همسا أمام عشرات الأحزاب العلمانية في مصر كحزب الوفد والتجمع، وحزب أحمد شفيق (الحركة الوطنية المصرية) والناصري، تقريبا أغلب الأحزاب في مصر علمانية أصلا، ماعدا حزب النور المحسوب على المشركين لأنهم يعبدون مع "الله" الحاكم المتغلب؛ ومع ذلك صَمَت الأزهر على كل تلك الأحزاب- وليس له الحق أن يتكلم طبعا ما دامت مبادئ الحزب لا تخالف الدستور المصري- صَمَتَ فقط؛ لأنهم لم ينازعوا حاكما في عرشه ولم يعارضوا أزهريا في منهجه، لذا نصيحتي للحزب العلماني المصري أن يعلنوا بكل وضوح أنهم موحدون في تأليه الحاكم -وأعتقد أنهم مؤمنون بهذا- ومفوضون في فتاوى الأزهر، وستجدون بعد يوم واحد حادثة مثيرة: لن يشطبوا حزبكم، لكن سيدخلونكم وراءهم الحظيرة. باختصار، الثورة الدينية لخصها وزير الأوقاف بقوله: القائد العسكري يستطيع تجديد الخطاب الديني.