أنا لغتي.. أنا ما قالت الكلمات:كن جسدي/ فكنت لنبرها جسداً/ أنا ما قلت للكلمات: كوني ملتقي جسدي مع الأبدية الصحراء/ كوني كي أكون كما أقول! يخبرنا التاريخ حين ننظر إلى هذا اليوم، على بعد 79 عامًا، أن المستعمر الذي طالما يكرس لادعائه الإنسانية والتقدم في مقابل رجعيتنا وتخلفنا، كان واعيًا ولا يزال؛ لتجذر الحقيقة التي تطرحها الأبيات السابقة للشاعر العربي الكبير الراحل محمود درويش، وهي علاقة العربي باللغة، فهي ليست من ركائز وعوامل تشكيل الهوية فحسب، بل ربما هي الهوية كلها، و«يصبح البحث في اللغة العربية، بحث في الإنسان نفسه» حد تعبير الدكتور عز الدين صحراوي- أستاذ الأدب بجامعة عباس فرحات بالجزائر، بالعدد الخامس من مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية. في الثامن من مايو عام 1936، يقرر المستعمر الفرنسي اعتبار اللغة العربية، لغة أجنبية، في الجزائر. وهذا لا ينم عن جهل بتركيبة المجتمع العربي الجزائري المستعمر من قبل الفرنسيين حينها، إنما هو وعي بالعمود الفقري للنسق الاجتماعي لهذا الشعب، وبناء على ذلك، عكف المستعمر على تهمييش اللغة العربية، واعتبارها أجنبية، حتى يتمكن من محو الشخصية الجزائرية، والسيطرة عليها، من أجل ذلك خاض المستعمر حربًا ضروسًا، مع لغة تشكلت عبر الامتداد التاريخي، الذي تفاعلت فيه العربية الوافدة مع الفتح الإسلامي، مع اللهجات واللغات البربرية الموجودة، وهو التفاعل الذي نتج عنه مجتمع ذو هوية واضحة ومتماسكة، لم تستطع اللغة التركية –اللغة الرسمية للخلافة الإسلامية- إبان الاستعمار الفرنسي، أن تنتشر في الأوساط الشعبية الجزائرية. ومثلما فطن أبناء الجزائر في الماضي أن التمسك باللغة العربية، خطوة أساسية، على طريق التحرر من المستعمر، وكان ذلك سمة الحركة الوطنية الواعية لهويتها، والتي نما معها نشاط الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية، يعكس النشاط البحثي والعلمي لأبناء الجزائر اليوم، وعيًا بأهمية اللغة العربية، كضرورة للتماسك الاجتماعي الوطني،وبشجاعة تقتضيها المكاشفة، يرى رئيس الجمعية الحالي- عثمان سعدي، أن الأزمة اللغوية بالجزائر تكمن في هيمنة الفرنسية على كل نواحي الحياة الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، بينما يتم تشويه العربية اللغة الرسمية للبلاد، وهو ما أدى إلى فشل منوال التنمية. أحد أبناء الجزائر وهو الباحث في الفلسفة الإسلامية واللسانيات- بومدين بوزيد، يؤكد أن اللغة العربية "قوة عسكرية ناعمة بالمعنى الجديد وقوة ثقافية تحمي المجتمع وتحمي الدولة،وأن الأمن اللغوي يعتبر مدخل من مداخل الأمن للمجتمعات والدول". لذا لا يكون اعتماد وتعميم اللغة العربية، ناتج عن حاجة قومية حضارية فحسب، بل إن أهميتها تمتد إلى المجال الأمني والتنمية الاقتصادية، وسبق أن قال «بوزيد» في مؤتمر نظمته جامعة الجزائر من عامين تقريبًا «إذا لم نستطع تطوير اللغة العربية وتعميمها وترسيمها بشكل إداري ورسمي وتصبح كأداة للتواصل، فإن هذا سيعرض المجتمع، إلى التمزق واللا استقرار».