فى مدينة طنطا بمحافظة الغربية يوجد مسجد الشيخة "صباح" أحد أولياء الله الصالحين، يتوافد على المسجد يوميًّا المئات؛ ليتبركوا بها ويلجئوا إليها عند الحاجة. "البديل" زار مقام "ست الحبايب نور الصباح" كما يلقبها الجميع؛ للتعرف على قصتها وكرامتها التى تروى وتحكى على مر الأعوام، وكان اللقاء مع الشيخ علاء خضر خادم المقام الذى اصطحبنا فى جولة روحانية حول المقام. يروى الخادم السيرة الذاتية للشيخة المبروكة قائلاً "إن الشيخة صباح (نور الصباح) واحدة من أهل الله المشهورين في مصر ومدفونة بمدينة طنطا، وهي كما يقال عنها (الشيخة صباح) كان هناك قرية اسمها ميت السودان بالدقهلية، اشتهر اهلها بالصلاح والتقوى، ونزل بها أبو الحسن البجائي الشهير بأبو الحسن الصعيدي، وهو من خلفاء سيدي أبو الحسن الشاذلي، فتلقاه أهلها بالترحاب الشديد، وأخذ يدعو الناس إلى التقوى والصلاح، ونشر طريقته بها، وكان من ضمن العائلات الشهيرة في التقوى عائلة الغباري، وكانت تقام في منزل العائلة ندوة أسبوعية لتلاوة القرآن والذكر، وتروى فيها سير الأولياء وكراماتهم، وكان الشيخ محمد الغباري له ثلاثة ذكور: حسن وأحمد وعلي، وابنة هي بدر الصباح التي اشتهرت بعدها بنور الصباح، وكانت تشترك في إحياء هذه الندوات وما يتلى من الذكر الحكيم والإنشاد، وكانت تحب السيد البدوي حبًّا شديدًا، وتتردد على آل البيت لحبها الشديد لهم". ميلادها ونشأتها هي بدر الصباح بنت محمد بن علي بن محمد الغباري، ولدت عام 1248 هجرية، وتربت في جو صوفي حتى فتح الله عليها، وأنار قلبها، وذاع صيتها، وعاشت عذراء نحو ثمانين عامًا قضتها في أعمال البر ومساعدة المحتاجين ومعالجة من أصابهم عقم والمصروعين وإيواء الفقراء والمساكين. بدء ظهور أمرها تقدم لخطبتها شاب من أهل القرية، وافق الوالد، ولكنها قالت لأمها "إحنا ناس بتوع ربنا وبتوع أهل البيت. قولي لوالدي خلي الطريق مستور". ورفضت الأم أن تقول للأب، وبالفعل تمت إجراءات الزواج دون رضاها، وزفت إلى بيت العريس، وأدخلوها الغرفة المجهزة لها، ولم تكن سوى قاعة لها باب ونافذة واحدة مستديرة مفتوحة في أعلى الجدار، لا تسمح إلا بمرور قليل من الهواء والضوء، وأغلقوا عليها الباب، وحان وقت دخول العريس، ولما فتح أهله الباب، لم يجدوا أحدًا، وأخبروا الناس أن العروس ليست بالداخل، وأخذ الجميع يبحث عنها، وجلس الأب خائر القوى حزينًا، واستنكر أن يحدث من ابنته التي اشتهرت بالصلاح شيء يشين، وذهب حزينًا إلى المنزل، ودخل حجرته، فوجد بها جسمًا يرتدي ثوبًا أسود، فصاح: من أنت؟ قالت: أنا صباح. ألم تقل أمي لك إحنا ناس بتوع ربنا؟ لا تفشٍ السر وخلي الطريق مستور؟ فنظر إليها بإمعان وتدبر. وبعد صمت طويل قال لها: هل أنت هكذا؟ قالت: نعم، فتوكل على الله، وأنهِ هذا الموضوع. اضطر الأب أن يذيع الأمر؛ حتى لا تتعرض ابنته للإيذاء بالكلام والسمعة السيئة، ومن هنا بدأ الناس يتحدثون عنها، وذاع صيتها. وسبق هذا بعض الإرهاصات التي تشير إلى ظهورها، حيث مر أحد الأولياء بقرية "ميت السودان" في طريقه لزيارة السادة الوفائية بدكرنس، وكان الجو حارًّا، فعطش عطشًا شديدًا، وتمنى شربة ماء، ففاجأته فتاة وبيدها قلة ماء، وشرب منها، فقال لها: ما اسمك يا فتاة؟ قالت: صباح، فقال لها: أو قد ظهرت؟ قالت: نعم. فدعا لها، وطلب منها أن تشرب هي الأخرى، وكان هذا بشرى لها بالولاية التي كانت تنتظرها. أنشأت العارفة بالله صباح ثلاث تكايا، واحدة في ميت السودان، وثانية في دسوق، والثالثة في طنطا، واتخذت السيدة صباح تكية طنطا دارًا لإقامتها؛ لأنها محبة للسيد البدوي، فرأت أن تقيم بجواره، وكانت تكاياها معدة لاستقبال الزائرين وإيواء الفقراء والمساكين والمحتاجين والضعفاء والمرضى والمصروعين، مع تقديم الكسوة والطعام للوافدين عليها. واشتهرت في ذلك حتى كانت الحكومة ترسل إلى تكيتها المرضى الميئوس من شفائهم. وكانت أهم تكية هي تكية طنطا التي تقيم فيها، فكان من لا يجد مأوى يقصدها، ويجد عندها الاستقبال الكريم. وكانت تحيي الليالي بالذكر وتلاوة القرآن، ولم تكن السيدة لها صيغة دعاء معروفة أو أوراد مشهورة، وإنما إلهام يجريه الله على لسانها، فتستجاب به الدعوات. وما من شك في أنه كانت تختار أسماء معينة من أسماء الله الحسني تذكر بها الله في خلوتها على مسابحها العديدة وعقب صلواتها. وكانت السيدة الفاضلة تحيي ليلة الجمعة، وتوزع في هذه الليلة صدقات كثيرة، وكانت تحتفل بمولد النبي عليه الصلاة والسلام وموالد الأولياء، وتحتفل بشهر رمضان والعيدين. ففي عيد الفطر كانت توزع الكساوي والصدقات، وفي عيد الأضحى كانت تضحي بأربعين خروفًا، واليوم الثاني والثالث تذبح عشرين خروفًا. تلك بعض اعمالها التي تولى أقاربها القيام بها حتى الآن. ثم عزمت السيدة على بناء ضريح ومسجد لها بجوار تكيتها، وفي يوم وضع حجر الأساس حضر فضيلة الشيخ إبراهيم الظواهري شيخ الجامع الأحمدي وجماعة من المريدين والشيوخ الكبار. بعض كراماتها روي أن فضيلة الشيخ سعد الجوهري، وهو من علماء الأزهر، كان بينه وبين عمدة القرية تنافر، وجاء أحد المحضرين؛ ليحجز على بقرة لأحد أتباع الشيخ سعد، فانتهزها العمدة فرصة للنيل منه، وحرض المحضر على الإسراع بالحجز. فلما ذهب المحضر إلى الشيخ سعد، استمهله إلى الغد حتى يدبر له الدين، فلم يقبل، واشتد الأمر، فصفعه على وجهه؛ لعلمه أن العمدة حرضه، فانتهز العمدة الفرصة، وأبلغ الشرطة، وقدم الشيخ إلى المحاكمة، وحددت الجلسة للنظر في القضية، فذهب الشيخ إلى الشيخة صباح، وحكى لها الأمر، ورجاها أن تتوسط في هذا الأمر، فقالت له: لماذا فعلت ذلك؟ وطلبت منه المكوث لديها أيامًا، وقبل الجلسة بيوم طلبته، وقالت له إن القضية ستنظر بعد غد، وقاضيها مسيحي، وسيحتد عليك بالكلام، فقابل حدته بالهدوء. وعندما يقول لك: لماذا فعلت ذلك؟ قل: هذا قضاء الله، وهذا أمر الله. وكلما اشتد في القول، بالغ في اللين، وسيحكم عليك بغرامة عشرة جنيهات ذهبًا. وناولته عشرة جنيهات ذهبًا، وأمرته بدفعها عقب الحكم؛ لينصرف موفور الكرامة. وكان العمدة قد استعد في هذا اليوم للتشهير بالشيخ سعد أمام أهل البلد ويخجله؛ لعلمه أنه سيسجن. فلما كان يوم الجلسه، حدث ما روته السيدة نور الصباح، وحكم عليه القاضي بعشرة جنيهات، فدفع المبلغ، وانصرف موفور الكرامة، ورد الله غيظ العمدة في نحره. رحيلها لقيت السيدة ربها يوم الاثنين 10 جمادي الآخرة سنة 1327 هجرية، ودفنت بضريحها في اليوم التالي. وما زالت تكيتها باقية على حالها حتى الآن شاهدة على أعمالها الخيرية. ويوجد مسجد الشيخة صباح بشارع البحر مع شارع الفاتح وبه مقامها الذى يشع بهجة ونورًا.