يذهب بعض المؤرخين إلي أن تاريخ "المحمل" يرجع إلي سنة 645 ه، ووصف بأنه "الهودج" الذي أقل ملكة مصر "شجرة الدر" لحجها في ذلك العام، ثم صار يسير -فارغا- سنويا أمام قافلة الحج.. لأن مكان الملوك لا يشغله غيرهم، كما يشير عرفة عبده علي في كتابه "المحمل وأيامه" إلي أن فكرة المحمل أقدم من ذلك، وربما ترجع إلي عصر ما قبل الإسلام، فكانت تطلق علي الجمل الذي يحمل هدايا إلي الكعبة المشرفة، وقد سير سيدنا محمد "صلي الله عليه وسلم" خاتم المرسلين محملا بهداياه إلي البيت المعظم بمكة. يوضح المؤلف في مقدمة كتابه الذي صدر مؤخر عن "كتاب اليوم" أنه يحاول من خلال فصول عمله أن يستعيد تاريخا حافلا بالذكريات عن المحمل المصري ودرة ركب الحج المصري وكل مكان يحيط به من ضجيج عذب محبب في أيام مشهودة كانت ترتج لها القاهرة. ويقول: "دوران المحمل وطلعته ونزلته، وجموع المودعين تحاول لمس "الكسوة الشريفة" و "كسوة الحجرة النبوية" تبركا فهي أشياء تنسم عطر الماضي في ذكريات يختلط فيها الوعي بالمخيلة عن مصطبة المحمل وجمله وشيخه وأمير الحج ودرب الحج المصري، وتردد في سمع الزمان كل الحكايات التي لا تنتهي عن واحد من أبرز مشاهد تراثنا الشعبي. ويفتتح عرفة عبده علي كتابه بالحديث عن كسوة الكعبة المشرفة التي هي من أهم مظاهر التبجيل والتشريف لبيت الله الحرام، ويرتبط تاريخها بتاريخ الكعبة، وأجمع المؤرخون أن الكعبة كانت تكس بالعديد من الكسوات في العصر الجاهلي، وعندما أشرق نور الإسلام كان رسول الله "صلي الله عليه وسلم" أول من كسها بثياب يمانية أنفق عليها من بيت مال المسلمين. بدأت مصر في تصنيع كسوة الكعبة منذ عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب "رضي الله عنه" فكانت تصنع في مصر من نسيج القباطي المصري وينفق عليها من بيت مال المسلمين، وقد حظيت الكسوة الشريفة بأبلغ اهتمامات الخلفاء والملوك والسلاطين، حتي أنها كانت تحمل من مراكز القوي وسط حفاوة رائعة ومراسيم خاصة بالمحمل، ووصف الضابط الروسي المسلم "عبد العزيز دولتشين" في يومياته الكسوة فكتب: "جدران الكعبة مكسوة من الخارج علي علوها بقماش أسود فاخر يسمي كسوة السعادة". ويصف المؤلف المحمل بإطار مربع مصنوع من الخشب هرمي القمة مغطي بستار من الديباج الأحمر أو الأخضر وغالبا ما يزدان بزخارف نباتية وأشرطة كتابية مطرزة بخيوط من الذهب وينتهي من الأسفل بشراشيب، والمحمل له أربعة قماقم من الفضة المطلية بالذهب في الزوايا الأربعة ويوضع داخل المحمل بجوار الكسوة الشريفة مصحفون صغيران داخل صندوقين من الفضة المذهبة معلقتان في القمة، ويوضع المحمل علي جمل ضخم يسمي "جمل المحمل" ويعفي هذا الجمل من العمل بقية أيام السنة. ويحكي الكاتب عن حفل تنصيب أمير الحج المصري الذي يتم اختياره بعناية فائقة من بين الشخصيات التي اشتهرت بالتقوي والصلاح وعرف عنها القوة والشجاعة والقدرة علي حسن التصرف، ويصدر بتنصيبه فرمان من السلطان العثماني وبعد ذلك يتم تحديد باقي أعضاء الهيئة الإدارية وهم: أمير الركب الأول ودوادار أمير الحاج نائب أمير الحج وتشكل الهيئة القضائية للمحمل من القاضي والإمام والمؤذن وناظر المواريث الشرعية وناظر السبيل، إضافة إلي الهيئة العسكرية التي تتكون من خمسمائة من الفرسان المماليك، والهيئة المالية، والإدارة الطبية والخدمات المعاونة. أما ثناء أبو الحمد رئيس تحرير "كتاب اليوم" في تقديمها للعمل فتوضح أن المحمل الذي كانت تسيره مصر إلي مكةالمكرمة والمدينة المنورة دليل علي ما كانت عليه مصر المحروسة من رخاء وأياد بيضاء علي الجميع، فقد كان يصرف علي المحمل وقافلة الحج "مائة وعشرين ألف دينار" كانت تقدم للأشراف بمكةالمكرمة والمدينة المنورة وللتكية المصرية بهما حبا لأهل الأراضي المقدسة وتعظيما لشعائر الله عز وجل، ومع الحالة الاقتصادية الصعبة التي تعيشها مصر في الوقت الحالي كان لنا أن نذكر الأجيال الشابة أن هذه الفترة جملة اعتراضية في تاريخ مصر وستعود لريادتها وثراؤها يوما ما.