- "ما هو لو كل واحد صلح من نفسه الأول البلد دي حتتغير فورًا" بعيدًا عن المظاهرات المخربة والمعارضة البذيئة التي جعلت التافهين والصغار يسيئون للرموز والكبار. بصراحة هذه الكلمات بالنسبة لي أصبحت من أكتر المصطلحات سيئة السمعة؛ خصوصًا عندما يتم الزج بها كحلول عملية لكل فشل سياسي وانهيار اقتصادي ودجل إعلام، أعذرني فهي عبارة يلوك بها كل عاجز عن مواجهة الظلم؛ لتُخدِّره من عذابات الضمير نهائيًّا؛ لكن حتى نحرر هذا المصطلح أولًا.. فما المقصود بقولك بأن "يصلح كل إنسان من نفسه أولا؟!" يعني كل فرد يعدل من سلوكياته ويبني أسرته بناءً أخلاقيًّا متينًا فقط! ماذا تقصد من البناء الأخلاقي المتين بالضبط؟ أن يربي نفسه وأسرته على الصدق والأمانة والبعد عن قول الزور واحترام الكبير وحسن الجوار وغيرها من الأخلاقيات. طيب فيه واحدة اسمها عزة سليمان شافت شيماء الصباغ اتقتلت في مظاهرة؛ فقررت أن تقول الصدق وألَّا تشهد زورًا فحولتها الداخلية فورًا من شاهدة لمتهمة! مش فاهم إيه العلاقة؟ واللا انتوا لازم تحشروا السياسة في أي حاجة وخلاص! بغض النظر إن الحالة دي ليس لها علاقة بالسياسة، لكنه موقف أخلاقي صرف، ولكني أردت القول أن الأخلاقيات ليست حالة نفسية وشعورية مختصة بالفرد يعيش معها في عالم أفلاطوني مع نفسه، ولا تتعدى حدوده بل هي حالة تفاعلية مع الآخرين لها تبعاتها إن التزمت بها؛ وإلَّا فلتربي أبناءك على قول الصدق الذي لا يؤذي، ولتنصحهم بالمروءة التي تّجلِب الشهرة والمال، ولا تعرضنا للغضب والانتقام؛ وازرع فيهم أن الحياء مع أهل الباطل عفة، وعوِّد ألسنتهم على نفاق الظالم "عشان مايحطناش في دماغه"، والعفو عن القوي "لأننا مش حنعرف ناخد حقنا منه" والإحسان إلى كل صاحب سلطة أو مصلحة "عشان مفيش شغل من غير واسطة طبعا". ولكن هناك كثير من الشيوخ والعلماء متخلقون بأحاسن الأخلاق وجميل الحديث وطيب اللسان ولم يمسسهم النظام بسوء! المشكلة فيكم أنتم. في الحقيقة هم لم يفعلو أي شيء، غير أنهم عرضوا الأخلاق من مستوى تنظيري بحت، وحكي مرويات عن السلف الصالح وبطولاتهم وتضحياتهم، لكن في الواقع العملي لا تجد أغلب هؤلاء الشيوخ من الأخلاق إلَّا في المساجد والاستديوهات قصاصين لكنهم في الواقع العلمي صامتين عن مساوئ الأخلاق أو مؤيدين. ألم أقل لك إن الثورة جعلت الأقزام ينالون من العظام؟! بالله عليك أتريدني في الحكم على أي قضية أن أصدق شبابًا متهورًا غَلَّاطًا.. أم أنصت إلى شيخ متواضع بكَّاء؟! وحتى لو لم أفهم وجهة النظر الشيخ فليس كل ما يعرف يقال. فماذا لو قال لك الشيخ الأمين التقي: إن الحكام والملوك الذين وصلوا لمناصبهم تلك عن طريق الملك الوراثي أو الحكم الجبري وسجن النشطاء والمعارضين هم أولياء أمور للمسلمين، بينما الشاب قبيح اللسان يصف هؤلاء الحكام بأنهم ينهبون ثروات الشعوب لأجل أسرهم ويصالحون الأعداء لأجل مصالحهم الشخصية ويحاربون المعارضين لأجل تثبيت كراسيهم اللاصقة.. فمن تصدق؟ انت بردو بتغلط في الحكام؟! مش قلت لك من الأول "لو كل واحد صلح من نفسه ماكانشي ده بقى حالنا".