طاهر أبو النصر: فى كل الدول الشرطة تحمي الشهود من المجرمين والعصابات.. وفي مصر نريد حماية الشهود من الشرطة محمد عبد العزيز: نحتاج إلى إرادة سياسية وتشريعية لسن قانون يحمي الشهود أحمد المصيلحي: مشروع وزارة العدل صدر من سنتين من باب "المنظرة والشو الإعلامي".. وسيظل حبيس الأدراج أميمة الشريف: الدولة تعاني من فساد تشريعي منذ سنوات فجرت قضية تحويل المحامية والناشطة النسوية عزة سليمان مع 18 آخرين من شهود العيان إلى متهمين فيما يتعلق بمقتل شيماء الصباغ عضو حزب التحالف الشعبى الاشتراكى بميدان طلعت حرب أثناء مسيرة رمزية لتأبين شهداء ثورة يناير، الأبواب المغلقة حول حماية الشهود والمبلغين فى القانون المصرى، وكيفية تفعيل مادتى الدستور الجديد 85 ،96 اللتين ألزمتا الدولة بحماية المبلغين وحقهم فى التبليغ. وأثارت القضية التساؤلات حول أزمة مشروع قانون وزارة العدل الذى صدر فى عهد حكومة الببلاوى لحماية الشهود والمبلغين والخبراء، والذى ظل من وقتها حبيسًا للأدراج، ولم يشهد أى حوار مجتمعي حوله. "البديل" تحاول الإجابة عن هذه التساؤلات.. يقول طاهر أبو النصر – المحامي بالنقض – إن مشروع قانون حماية الشهود والمبلغين الذي صدر من اللجنة التشريعية لوزارة العدل ما هو إلا تجميل لوجه النظام أمام المجتمع الدولي؛ نظرًا للاتفاقيات الدولية الملقاة على عاتقه والتي وقع عليها من قبل الأممالمتحدة، مشيرًا إلى أنه ينبغي في قراءة أحداث قضية تحويل عزة سليمان المحامية والناشطة النسوية من شاهدة إلى متهمة واختراقها لقانون التظاهر والمشاركة في مظاهرة حزب التحالف الشعبي الاشتراكي دون تصريح والذي أسفر عن مقتل شيماء الصباغ أن يكون هناك عدم خلط بين حماية الشهود وإساءة استخدام القانون وإساءة استخدام السلطة من قِبَل النيابة العامة التي تمثل جهة التحقيق. وأكد أبو نصر على الوضوح والشفافية عند طرح قانون حماية الشهود والتأكيد أننا نحميهم من بطش النظام والدولة أو السلطة، رغم أن كل قوانين حماية الشهود في الدول الأخرى تمت صياغتها لحماية الشهود من العصابات المسلحة أو التنظيمات أو الجماعات الإرهابية التي تستهدف شاهدًا، وتحاول قتله، ولكن الآية معكوسة في مصر، فالطرف الآخر في مواجهة الشاهد هو السلطة، رغم أن الدولة هي المنوط بها في الأصل حماية الشاهد. وأشار إلى أن حماية الشهود في مصر قاصرة جدًّا في قضايا التعذيب والتي يكون فيها رجل السلطة هو المتهم مثلما حدث في قضية شيماء الصباغ، فالنيابة التي من المفترض أنها مسئولة عن الاستماع لشكوى مواطن تعرض للتعذيب في أحد أقسام الشرطة، تقوم بإعادته مرة أخرى لمباحث القسم. فهل يعقل هذا؟! بكل تأكيد يتم الضغط عليه ليسحب شهادته. وأكد أن المادة (1) في مقترح قانون وزارة العدل بشأن حماية الشهود والمبلغين نصت على كلمة مطاطة وغير ملزمة للدولة، وتصبح ثغرة مفتوحة حسب إمكانيات الدولة وقدرتها في التنفيذ، وذلك في النص "تكفل الدولة الحماية اللازمة للشهود والمبلغين والخبراء المعرضين للخطر في الدعاوى التي تؤدي شهادة"، فهنا كلمة "تكفل" مطاطة، وكان يجب استبدالها ب "تلتزم". وقال صلاح السمان – المستشار القانوني للناشطة النسوية عزة سليمان – إننا أمام ضياع لمنظومة العدالة في مصر، فالشاهد في القضايا هو جزء من الحقيقة، ويجب حمايته وليس التنكيل به أو تلفيق الاتهامات له، ففي الماضي كنا نحتاج إلى حماية الشهود من المجرمين، والآن نريد حمايتهم من الشرطة. وشدد السمان على أنه يجب الإسراع في صياغة مقترح قانون جاد لحماية الشهود والمبلغين والخبراء؛ لمواجهة مقترح القانون الذي صدر عن وزارة العدل، ومواجهة كافة التشريعات التي تم تمريرها خلال الأيام الماضية، وأبرزها أحد التصريحات لوزارة العدل بإصدار قانون لا يلزم القاضي بسماع الشهود؛ لأنه يمثل كارثة قانونية سوف تدق المسمار الأخير في نعش العدالة المصرية. وحكى أحمد المصيلحي – رئيس شبكة الدفاع عن أطفال مصر بنقابة المحامين – أنه عندما كان عضوًا في لجنة تقصي حقائق 2013 في عهد مرسي، حاول طلب ألتراس أهلاوي كشهود على الوقائع والأحداث بمجلس الوزراء ومحمد محمود، فرفضوا الحضور للإدلاء بشهادتهم أمام اللجنة؛ خوفًا من أنها تابعة للسلطة، فضلاً عن غياب الضمانات لحمايتهم كشهود، ومن هذا المنطلق فإن حماية الشهود التي يجب أن ينص عليها القانون تحتاج أن تكون واسعة ليس فقط لإدلاء الشهود بشهادتهم أمام المحاكم أو النيابات، ولكن أيضًا أمام اللجان والجهات التنفيذية التي يعملون بها، سواء كانت شركة أو مصنعًا، في حالة كشف المواطن عن واقعة فساد. وأشار المصيلحي إلى أن مشروع قانون حماية الشهود صدر منذ سنتين في عهد حكومة الببلاوي، وهو ما يؤكد أن القانون حبيس الأدراج، ولا يوجد اهتمام من السلطة بطرحه للحوار المجتمعي لإقراره. وشدد على أنه يجب تقييم وضع العدالة في مصر أولاً لمعرفة العراقيل التي تقف أمام إصدار قانون لحماية الشهود، محذرًا من أن العدالة في خطر والتعديلات التي تم تنفيذها علي قانون الإجرءات الجنائية خلال الفترة الماضية تثير مخاوف كثيرة، أبرزها الحبس الاحتياطي الذي يستخدم كوسيلة للعقاب، ويحبس على أثره المواطن أكثر من عام دون توجيه اتهامات أو اتخاذ الإجرءات القضائية الأخرى. وطالب بإعادة النظر في الدوائر الخاصة بالإرهاب، والتي أصبحت تنظر قضايا التظاهر، وتابع الجميع ما صدر عنها من أحكام بسنوات ضد الشباب، فضلاً عن استمرار إحالة المدينين للمحاكمات العسكرية. وأعرب المصيلحي عن انخفاض فرص حقيقية لصياغة قانون لحماية الشهود والمبلغين في ظل تدخل السلطة التنفيذية في عمل السلطة التشريعية، وأبسط مثال لأمين شرطة شاهد في إحدى القضايا نجده يجلس على كرسي مستريحًا في غرفة المداولة للحكم، بينما مواطن آخر ليس جزءًا من جهاز الداخلية تقوم المحكمة بإرهابه، وتعامله معاملة المتهم، ويلقى خارج القاعة! واختتم أن مقترح قانون وزارة العدل لا يحمي الشهود والمبلغين، فلا يوجد أي نص يوضح العقوبة حال المساس بالشاهد، فالقانون أشبه ب "المنظرة أو الشو الإعلامي" أو تسديد الخانات التي تريد أن تنفذها وزارة العدل؛ تماشيًا مع التوصيات والاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها. ويتفق معه محمد عبد العزيز – مدير مركز الحقانية للمحاماة والقانون- قائلاً إن وزارة العدل لم تطرح مشروع القانون بعد التشاور أو النقاش مع المحامين الذين يتابعون القضايا على أرض الواقع، ويصطدمون يوميًّا بثغرات تواجه الشهود وتؤدي إلى عدم حمايتهم، مؤكدًا أنه في قضية خالد سعيد شهد واقعة بنفسه، وهي أن أحد الشهود الذي كان يملك فيديو تصوير لواقعة التعذيب تعرض يوم الجلسة بالمحكمة للخطف من قِبَل الشرطة، وتم احتجازه حتى ضاعت مدة الجلسة. وأشار إلى أن الوقائع المتتالية من خالد سعيد ثم الجندي ثم عزة سليمان تنذر بكارثة تؤثر على نزاهة العدالة، وهي خوف الشهود من الذهاب للإدلاء بشهاداتهم، والتي يمكن أن تكون هامة جدًّا لإنقاذ بريء أو عقاب متهم؛ خوفًا من تحول الشاهد إلى متهم. وأكد عبد العزيز أهمية صدور تشريع شامل يحمي الشهود وعناوين وأماكن تواجدهم، مع وضع تعريف محدد للشاهد، وأن تتوقف النيابة عن الكيل بمكيالين في التعامل مع المتهمين، خاصة الذين ينتمون لجهات مسئولة أو تنفيذية، وكل ذلك يحتاج إلى إرادة سياسية وتشريعية حقيقية. أميمة الشريف – المحامية ومدير مؤسسة أصوات واعدة لحقوق الإنسان والتنمية بالمشاركة – أكدت أن هناك فسادًا تشريعيًّا تمارسه الدولة منذ سنوات، وازداد فى الفترة الأخيرة، وأبرزه قانون التظاهر، مشيرة في الوقت ذاته إلى أن هذا لا يمنع المطالبة بإصدارتشريع لحماية الشهود والمبلغين تشارك فيه منظمات المجتمع المدنى والمحامون والخبراء القانونيون؛ لأنه قانون يمس مصالح المواطن البسيط. وأضافت الشريف أن حماية الشهود والمبلغين تحتاج إلى سرعة الفصل بين سلطة التحقيق وسلطة الاتهام اللتين تجمعهما النيابة العامة.