كثير من قضايا الفساد تتساقط أوراقها أو قد تتلاشي معالمها لا لشيء إلا لفقدان شاهد القدرة علي الكلام إما خشية مرتكب الفعل الإجرامي قتلا أو فسادا وغما خشية الملاحقة في يوم من الأيام, وما بين الشاهد والشهادة وبيان الحق تجد تفاصيل كثيرة تبحث عمن يكشف خفاياها وكل تنطق بهذا التساؤل: من يحمي الشاهد؟ هذا التساؤل قادنا في الآونة الأخيرة إلي التفكير في وضع قانون لحماية الشهود.. ببنود واضحة ومواد لا تقبل التشكيك وضوابط محددة وعقوبات لا تفلت من التقاضي كلها تحقق مقولة: محاربة الفساد تبدأ بحماية الشهود في قضاياها وهو المبدأ الذي اعتمدته الاتفاقية العالمية لمكافحة الفساد جزءا أساسيا من بنودها. ولأن مصر ملتزمة بهذه الاتفاقية لابد لها من اتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية لتوفير الحماية الكاملة للشهود والمبلغين والخبراء في قضايا الفساد المهمة, وبناء علي ذلك أعدت وزارة العدل مشروع قانون جديدا مختصا بحماية الشهود والمبلغين والخبراء والمقرر تطبيقه أكتوبر المقبل, ولكن هذا المشروع أثار جدلا واسعا داخل الاوساط الامنية والقانونية لاعتراض البعض علي مجموعة من بنود القانون والتي لا تتوافر لها الآليات اللازمة للوفاء بالاستحقاق المطلوب لحماية الشهود. الدكتور صلاح الطحاوي, استاذ القانون الدولي العام ومحام بالنقض, يري أنه طبقا لأحكام قانون العقوبات المصري تكفل هذا القانون بحماية جميع المبلغين والشهود سواء أمام أقسام الشرطة بمحاضر جمع الاستدلالات أو جهات التحقيق أو المحكمة, وطبقا للدستور المصري الجديد والذي يكفل الشكوي للجميع علي السواء من خلال قيام الدولة من خلال مؤسساتها الامنية بحماية المبلغين في الجرائم الشخصية أو جرائم الفساد المالي من خلال نصوص قانون العقوبات ذات الصلة بهذه المسألة, وبالتالي لا تتطلب حماية الشهود تشريعا جديدا لذلك. ويضيف انه عند عمل تشريع ما في ظل القانون المدني أو قانون العقوبات يجب أن تتوافر به المبررات والمعطيات التي تتطلب إعداده ومناقشته في البرلمان, مطالبا وزارة العدل باعتبارها معدة المشروع بتوضيح هذه الاسباب والمبررات للرأي العام خاصة ان الدستور والقانون كفل هذه الحقوق. ويعترض الطحاوي علي قصور المادة الثانية من بنود القانون والتي تلزم الدولة بتعويض ورثة الشاهد أو المبلغ أو الخبير حال وفاته, حيث انه من الناحية العملية قد يصعب إثبات ان الوفاة أو الاصابة ناتجة عن هذا البلاغ أو الشهادة في جرائم المال العام. كما يعيب علي المادة الثالثة والتي تتحدث عن إنشاء إدارة حماية خاصة بالشهود انه لم يتبين كيفية إنشائها أو نوع الحماية التي تصبغها علي هؤلاء المشمولين بالحماية, بخلاف ان المادة الخامسة من القانون والتي تتحدث عن ان الحماية لا تفرض علي الشاهد إلا بموجب طلب يتقدم به إلي النيابة العامة أو قاضي التحقيقات ولم يوضح بها أنواع الجرائم التي تخضع لهذه الحماية. تأخير الفصل في القضايا ويؤكد أستاذ القانون الدولي العام ان ما نصت عليه المادة الثامنة من القانون والتي تتعلق بالكشف عن بيانات المشمول بالحماية للنيابة فقط بموافقته من شأنها تأخير الفصل في القضايا والتشكيك من قبل دفاع الجاني أمام المحكمة في هوية الشاهد, بالإضافة إلي قصورها في إعطاء الأحقية للشاهد بعدم المثول أمام القضاء حال طلبه وطلب الدفاع أن تكتفي المحكمة بما حرر عنه من خلال الوسائل الالكترونية أو ما ثبت بأوراق الدعوة والتقارير والذي يخالف والذي يستحيل تطبيقه في قضايا الجنايات. ويتفق معه العميد محمود قطري, خبير أمني, في انه من المفترض ان تتم حماية الشهود طبقا للقواعد القانونية المنصوص عليها بقانون العقوبات, مؤكدا أنه من العبث إنشاء إدارة خاصة بوزارة الداخلية يقتصر دورها فقط علي حماية الشهود والخبراء والمبلغين في ظل غياب تطبيق منظومة الامن الوقائي المختصة بمنع الجرائم قبل حدوثها في الشارع المصري والتي تدخل حماية الشهود في نطاقها. ويري انه من الأجدي ان يتكفل قسم الشرطة التابع له الشاهد أو المبلغ بالحماية بدلا من إنشاء إدارة منفصلة لذلك في ظل وجود عجز ملحوظ في أعداد الضباط القائمين علي العملية الامنية, بالاضافة الي محاولة إصلاح منظومة الامن العام برمتها من خلال تعزيز الإجراءات الامنية داخل أقسام الشرطة لتقديم خدمة أمنية تليق بالمواطنين بشكل عام والشهود والمبلغين والخبراء بشكل خاص. ويضيف قطري بشأن المادة الثانية من مشروع القانون أنه طبقا للمادة163 من القانون المدني والتي تنص علي أن كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض, فإن التعويض يلتزم به المتهم بالاعتداء علي الشاهد وليست الدولة,مشيرا الي إمكانية اتهام الشاهد لبعض الافراد بالاعتداء عليه للحصول علي قيمة التعويض ومع تعدد هذه الاتهامات سيصعب علي الدولة الالتزام بدفع جميع التعويضات المستحقة. أما بشأن المادة الثامنة من مشروع القانون فيشير الي ضرورة مثول الشاهد بنفسه أمام المحكمة في قضايا الجنايات علي ان تقوم الشرطة بحمايته ولايعتد بأي شهادة أخري لاتتضمن وجود الشاهد حتي إن كانت من خلال الوسائط الالكترونية. من جانب آخر وصف الدكتور عاطف سالم, استاذ القانون الدستوري بجامعة عين شمس, مشروع قانون حماية الشهود بأنه أحدث الصيحات القانونية التي تم اقتباسها من الدول الاوروبية, خاصة ان هذا القانون لم يطبق علي مستوي دول العام إلا في أمريكا وفرنسا فقط,ويضيف متهكما:اننا نسير علي أحدث صيحة في العالم المختصة بمعالجة القشور القانونية دون توجيه الاهتمام الي علاج الجوهر. ويري انه طبقا للواقع العملي فإنه من الصعوبة تنفيذ بنود هذا القانون والذي لانمتلك الإمكانات المادية لتنفيذه, مؤكدا انه من الاجدي إصلاح هيئة القضاء مع التأكيد علي وجود عدالة ناجزة لن تحتاج معها الي تشريع قوانين تكفل حماية الشهود والخبراء. مواد مطاطة ويعيب سالم علي المادة الاولي من مشروع القانون في انها مطاطة يغيب عنها تحديد الفئات المستهدفة بالحماية في قضايا الفساد, حيث ان شمول ذوي الشهود والخبراء والمبلغين حتي الدرجة الثانية من شأنه ان يصل بأعداد المشمولين بالحماية الي الملايين, هذا بخلاف المادة الثانية والتي تلزم الدولة بالتعويض علي الرغم من عدم امتلاك الدولة للإمكانات المادية الكافية التي تكفل لها تنفيذ هذا البند. أما بشأن إنشاء إدارة حماية بوزارة الداخلية فيري انه من المستحيل إنشاء28 فرعا للإدارة داخل كل محافظة مع ضرورة تخصيص مالايقل عن30 شرطيا للقيام بالاعمال بكل فرع في ظل الحاجة الي فرد أمن واحد لضبط الامن العام داخل الشوارع, هذا فضلا عن تحول هذه الادارة الي وحدة لرفاهية الضباط من عناء العمل المستمر داخل باقي الادارات. ويوضح استاذ القانون الدستوري أن المادة الثامنة من مشروع القانون والمختصة بمنح الشاهد الحق في الادلاء بشهادته من خلال الوسائط الالكترونية تتعارض مع التقاليد القضائية المصرية ومع قانون السلطة القضائية الذي يعطي للمتهم الحق في سماع أقوال الشاهد ومناقشته داخل المحكمة,بالاضافة الي الافتقار الي التقنيات اللازمة لتطبيق هذا البند مع وجود احتمالية بفتح مجال للتزوير. ويضيف خالد محمد أبو بكر, مستشار بهيئة قضايا الدولة, ان قانون حماية الشهود المطبق بأمريكا له من الآليات التي تكفل إخفاء جميع المعلومات والبيانات الخاصة بالشاهد تماما مع إمكانية تحويل الشخص لفرد آخر تحت مسمي ووظيفة مستعارة لفترات زمنية طويلة ولكن هذه الاليات لاتتوافر في مصر, فضلا عن ضرورة امتداد فترة حماية الشاهد حتي وفاته وليس عند صدور حكم بات في القضية. ويري انه من الأجدي إرجاء جميع التشريعات ومشروعات القوانين الجديدة لحين انتخاب مجلس نواب جديد يعمل علي دراسة جميع القوانين بشكل مفصل وموضوعي مع التأكيد علي وجود الاليات اللازمة لتنفيذه وعدم وجود قوانين أو تشريعات سابقة تتعارض معه. ويقول المستشار محمود أبو الغيط, عضو حركة قضاة من أجل مصر, ان بنود مشروع قانون حماية الشهود جوهرها أمني يحتاج في تنفيذه الي أساسات أمنية تحكم الشارع بشكل قوي وقاطع مع التأكيد علي تطبيق القانون, مؤكدا ان قضايا الفساد يمكن ان تحسم بإجبار المؤسسات الامنية بتقديم أدلة قاطعة بالفساد في ظل العمل بقانون تجريم عناصر الفساد بصوره المتعددة مع إنشاء محكمة خاصة بموجب قانون لها إجراءات أمنية ولها سقف زمني محدد لجمع الادلة ونظر الدعاوي. القاعدة القانونية فقط غير كافية ويشير الي ان كل قانون تجب دراسته بشكل موسع لتحديد مدي احتياج المجتمع له ومدي وجود آليات تنفيذية بالدولة مع تحديد مدي استيعاب المجتمع لتطبيق هذه القاعدة التشريعية الجديدة, موضحا ان القاعدة القانونية فقط وجودها غير كاف حيث انها تحتاج الي قوة إرادة مجتمعية تكفل احترام هذه القاعدة وتطبيقها اي لابد أولا من مرحلة انتقالية يتصالح بها المجتمع علي القانون. وتساءل اللواء مجدي البسيوني,خبير امني, مستنكرا:يعني ايه قانون يحميهم؟ولماذا التفرقة بين قضايا الفساد والقضايا الجنائية إذا كان الشاهد مهددا في جميع القضايا؟ مضيفا أنه لايجب أن يقتصر القانون بالحماية علي شهود قضايا الفساد فقط, وبشأن الخبراء فإن الخبير يعتبر موظفا بالدولة سواء كان بالطب الشرعي او بوزارة العدل واي اعتداء عليه يعتبر اعتداء علي موظف بالدولة أثناء تأدية عمله. ويضيف ان الشاهد اذا وقع عليه اي نوع من القيود او شعر بالتخوفات من شهادته والتي يتطلب معها وضع حراسة علي مكان سكنه او التوصية بندبه او نقله لدي جهة العمل فإنه سيفكر مليا قبل الادلاء بالشهادة في اي قضية فساد تلافيا لهذه التخوفات. ويري البسيوني انه من الاجدي تعديل القوانين الموجودة بقانون العقوبات وتغليظ عقوباتها بدلا من الاتجاه الي إنشاء قانون مواز لقانون سابق, مشيرا الي ان الجدير بالحماية هو الشاهد في القضايا السياسية الخطيرة المتعلقة بالإرهاب والتي تكون ذات أطراف منتشرة ومبهمة لدي الجميع. رابط دائم :