تزامنا مع ذكرى الاحتجاجات التي شهدتها تركيا عام 2013 الماضي، ومقتل الشاب "بركين إيلفان" قبل عام أثناء مظاهرات "جيزي بارك" بميدان "تقسيم" في مدينة اسطنبول، والذي أصبح رمزًا لمعارضي النظام المتحدث باسم حقوق الإنسان برئاسة "رجب طيب أردوغان"، تواصل الشرطة سياستها القمعية خاصة بعد أن وسع "أردوغان" من سلطاتها، وهو ما ينذر بتحول تركيا إلى "دولة بوليسية" إن لم تكن تحولت بالفعل. نظم المواطنون الأتراك مظاهرات حاشدة في عدة مدن تركية مع حلول الذكرى الأولى لمقتل الفتى "بركين إيلفان" الذي قضى بعد إصابته على يد شرطة النظام التركي خلال مظاهرات جرت في منتزه "جيزي" بمدينة اسطنبول ومدن تركية أخرى في صيف عام 2013، لكن الشرطة التركية لم تدخر جهد في فرض إجراءات القمع والعنف الشديدة التي واجهت بها المشاركين في المظاهرات والاحتجاجات الشعبية. استخدمت شرطة "طيب أردوغان" الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لقمع المظاهرات السلمية والفعاليات الشعبية التي نظمها المواطنون الأتراك، وحاولت الشرطة تفريقهم وإبعادهم عن المنتزه وقامت باعتقال عدد كبير منهم واقتيادهم إلى مديرية الأمن في اسطنبول. من جانب آخر أغلق الحرفيون الأتراك محالهم التجارية في منطقة "أوكميداني" باسطنبول حيث تعيش أسرة "ايلفان" تنديدًا بمقتله على يد شرطة النظام التركي، كما أحيا محامون في مدينة "أضنة" ذكرى وفاة الفتى التركي، مشيرين إلى أنه رغم معرفة قاتليه إلا أنه لم يتم رفع دعوى قضائية بحقهم. نظمت تظاهرات في نحو عشرين مدينة في البلاد، ففي العاصمة أنقرة، استخدمت قوات الأمن خراطيم المياه لتفريق حشد كان يطالب بالعدالة للضحية، واعتقلت 11 منهم بحسب الصحافة التركية المحلية، وفي إسطنبول وقعت مواجهات بين قوات الأمن التي استخدمت قنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه أيضًا، وتحدثت وسائل الإعلام التركية عن اعتقال بعض المتظاهرين في إسطنبول، بينما كانوا يحاولون التجمع أمام حديقة غيزي. يدرس البرلمان التركي منذ عدة أسابيع مشروع قانون "الأمن الداخلي" الذي تحاول حكومة حزب العدالة والتنمية تمريره حاليًا، وهو القانون المثير للجدل الشديد، ويعزز سلطات الشرطة ويوسع من صلاحياتها وحقها في استخدام الأسلحة النارية وتفتيش الأشخاص واعتقالهم خاصة أثناء التظاهرات، وهو ما يصفه المعارضون في البلاد بأن تركيا آخذة في التحول إلى دولة بوليسية، وهو نفسه ما حذر منه البرلمان الأوروبي، حيث انتقد محاولات نظام "أردوغان" تمرير وفرض مجموعة التعديلات التي تمنح الشرطة سلطات إضافية لقمع المعارضين والمتظاهرين، محذرًا من عواقب محاولاته. وقالت "كاتي بيري" مقرر الشئون التركية في البرلمان الأوروبي، إنه "إذا استمرت هذه الممارسات في تركيا فإن الأمر سيتطلب إعادة النظر في موضوع طلبها الانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي"، مؤكدة أن ممارسة القمع تضع علاقات تركيا والاتحاد الأوروبي في خطر كبير، ولفتت إلى أن حزمة القوانين المتعلقة بالأمن الداخلي تتعارض مع حق التظاهر وحرية الفكر والحياة الشخصية التي تعتبر شروطًا أساسية ولا غنى عنها في دولة القانون التي تسودها الديمقراطية. من جانبها عبرت وزارة الخارجية الأمريكية عن قلقها إزاء هذا القانون، وقال المسئول "توماس ميليا"، إن القانون الذي نوقش في البرلمان التركي قد يفضى إلى "الإفراط في الملاحقة القانونية" وقيام الشرطة بإجراءات قوية ضد التظاهرات السلمية، وتجمع التقارير الإخبارية والوقائع الميدانية على أن القضاء التركي يتعرض لحالات قمع وضغط شديدين بسبب ممارسات نظام "أردوغان" الاستبدادية وحكومته ضيقة الأفق وخاصة ضد معارضيها. احتجاجات ميدان "تقسيم" تعد أكبر مظاهرات من المواطنين الأتراك ضد "رجب طيب أردوغان"، ومنذ هذه الواقعة والمشكلات تواجه الحكومة التركية بشكل عنيف، وتزايدت الضغوط الدولية على "أردوغان" بسبب قمع حكومته للمتظاهرين بشكل عنيف، واكتشاف الفساد العارم في حكومته وهو ما جعله يستغني عن بعض المسئولين ككبش فداء، ويحول آخرين إلى المسائلة القانونية لحفظ ماء وجهه. أسفرت هذه الاحتجاجات عن إصابة عدد من الأشخاص بينهم الفتى "ايلفان" الذي توفي بعد إصابته بستة أشهر، كما تم اعتقال المئات من الأشخاص، وتسريح العديد من عناصر الشرطة على خلفية تلك الأحداث التي جرت تنديدًا بسياسات "رجب طيب أردوغان". الشاب "إيلفان" كان يبلغ من العمر 15 عامًا، أصيب بجروح خطرة في الرأس يونيو 2013 جراء عبوة غاز مسيل للدموع، بينما كان متوجها لشراء الخبز خلال عملية تدخل للشرطة في الحي الذي يقطنه في إسطنبول، وبعدما فارق الحياة في 11 مارس 2014 بعدما أمضى 269 يوما في غيبوبة، وعلى أثر ذلك نزل مئات آلاف الأشخاص بشكل عفوي إلى الشوارع في كل المدن الكبرى في تركيا للتنديد بحكومة رئيس الوزراء في تلك الفترة "رجب طيب أردوغان" الذي أصبح رئيسا للدولة بعد ذلك. تحولت قضية "إيلفان" إلى رمز للقمع العنيف الذي مارسته السلطة في 2013 وانحرافها نحو التسلط، وهو ما ندد به منتقدوها، وحتى اليوم لم يتم توجيه أي تهمة لأي شرطي في مقتل الشاب.