الشعر من وجهة نظره تجربة إنسانية تسهم في الوصول إلى الذات، أنجبته الحياة في الكويت، ليعيش رحلة من الترحال المبكر في العواصم العربية، قبل أن يعود إلى بلدته "قباطية" بالقرب من جنين، لتشهد فيما بعد بداية رحلته الشعرية، رغم إشكالياته الدائمة مع المكان وبحثه الطويل عن نفسه في تفاصيله. الشاعر الفلسطيني فارس سباعنة، الذي استطاع أن يجذب الأنظار إليه رغم صغر سنه، ولد في مدينة الكويت 1982، قدمته مجلة فلسطين في العام الماضي على أنه فارس القصيدة الرمزية بعد رحيل محمود درويش، لعل أسلوبه الأدبي فريد من نوعه يحمل لمسته الخاصة التي منحها للرمزية. احتفى متحف محمود درويش أمس الاثنين، بسباعنة، من خلال أمسية شعرية بعنوان "جبريل"، قدمته خلالها الشاعرة رولا سرحان، التي وصفته بكلمتين "شاعرٌ حي"، هذا لأنه دونًا عن الشعراء الآخرين فهم معنى الإزاحة الشعرية، أي أن لديه قدرة عفوية بأن يزيح القصيدة عنه للمتلقي، وكأنما نحن من نكتب قصيدته، فالقصيدة التي يكتبها تستدرج القاريء ويتماهيان معًا، فتنجح قصيدته بأن تكون حية. رولا تواصل تقديمه: هو "شاعر حي" لأن أعذب الشعر عند العرب أكذبه، وفارس يتعامل مع اللغة ككائن ينمو ويتطور لتصبح في تركيباتها اللغوية مليئة بالعفوية وبما يجمل ويحلي ويطبب ويشفي، فيكون الكذب الشعري أقرب إلى الحقيقة، حتى يصبح وصفه بالكذب كلامًا محمولًا على المبالغة، هذا أن فيه من الصدق الإنساني ما يجعلنا أكثر انفتاحًا على الاحتمالات، فيكون أكثر ما يرهقنا كما يرهق فارس في شعره "كلام الورد عن الجنة"، وهو "شاعر حي" أيضًا لأنه شاعر دؤوب على حمل عبء النص، كدأب جبريل الذي اختاره عنوانًا لأمسيته، على حمل النص من نبي إلى نبي، كما أنه يخاطب العقل نثرًا والمخيلة شعرًا كما قال (بورخيس) في تعريفه للشعر والنثر، وهو "شاعر حي" لأنه امتلك موهبة الصائت والصامت في شعره، فلا يقرأ المتلقي شعرًا له إلا ويحس بأنه ينشده في رأسه، أو أنه يعدل مقاطعه الصوتية قبل أن تخبو، وهو ما فشل به البعض ونجح فيه البعض الآخر، وهو ليس مطعونًا بالصمت كما يقول في إحدى قصائده، لكنه الطاعن السباق لهذا الصمت. بدوره رد سباعنة بقراءة باقة من القصائد الجديدة التي لم يجمعها بعد في مجموعة شعرية، وإنما قدمها لجمهوره بعنوان "جبريل"، ليقدم بصوته وحضوره قصائد عناوينها: "هذه القصيدة عنكِ، الياسمينة، اللّص، لن ترد على بريدك، هشاشة، جبريل، موت الشجر"، واختتم قراءاته الشعرية بقصيد عامية بعنوان "مجنونك". دائمًا ما اعتبر القصائد المغناة والحالة الطربية التي كانت تحمله إليها كانت بوابته الأولى لاكتشاف بذور الشغف الأولى، في محاولاته الأولى للكتابة، كان اهتمامه منصبًا على أدباء المهجر في تلك المرحلة. سبق وقال عنه الشاعر عبد السلام العطاري، مدير عام دائرة الآداب والفنون في وزارة الثقافة: التقيت بفارس عام 2008 وقرأت له، ولقد اعجبتني لغته الشعرية التي يجير فيها علاقته مع الأماكن بطريقة إبداعية ليخرج من فخ التكرار، متميز في طريقة تقديم القصائد وحالة الإنشاد التي يدخل فيها أثناء القراءة. كي يكتمل التعريف، ننشر للشاعر فرس سباعنة، قصيدته "المروحية": «المروحية» وقائدانِ يؤلّفانِ قصيدتينِ ركيكتينِ عنِ النّجاةِ تائهونَ تساءلوا في حرِّ صحراءِ الحكاية هلْ ستأتي المروحيّة؟ لمْ يُقنعا أحدًا ولكنْ ليسَ للغرقى ملاذٌ غيرَ قشِّ الأمنياتِ يقولُ واحدُهم: ستأتي بعدَ خطبتيَ الأخيرةِ واعترافِ القاتلينَ بحقّنا في الدّفنِ صبرًا آلَ ياسرَ واتبعوني نحوَ أرضِ المقبرة ويقولُ آخرُ: لنْ تجيءْ الغربُ لا يعنيهِ بضعةُ تائهينَ يلوكهم رملُ السّلامْ فقاتلوا كالنّملِ هذا الرّملْ موتوا أنبياءَ ووعدُكم في الآخرة لا تتبعوا وهمَ الحياةِ ولا فنونَ المسرحيّة هلْ ستأتي المروحيّة؟ ينفذ الماءُ، الطّعامُ، الصّبرُ ينفذُ حلمُ طفلٍ بارتداءِ قميصِ لاعبهِ المفضّلِ فكرةُ امرأةٍ عنِ الفرسانِ تنفذُ رغبةُ الشّعراءِ باللّغةِ الشّهيّةِ والخطابة ويقولُ شاعرُهم: كأنَّ سحابةً ستمرُّ ظلّاً فاهتفوا: تحيا الحياة وقد تجيءُ المروحيّةُ بعدَ حينٍ فاهتفوا: تحيا الحياة تبادَلَ النّاسُ الشّتائمَ والجريمة سماؤُنا وقعتْ وعقدُ بلادَنا انفرطتْ حجارَتَهُ الكريمة انقسموا وقالوا: فلنسرّعْ موتَنا لا صبرَ يكفينا لنبتلعَ الرّمالَ تفرّقوا كلٌّ إلى كابوسِهِ ونسوا حكايَتهم فلم يلقوا كما اعتادوا على الأرضِ التّحيّة وتمرُّ عنهم كلَّ يومٍ مروحيّة لكي تصوّرَ كيفَ ينقسمُ الزّمانُ عنِ المكانِ وكيفَ تنتقمُ الضّحيّةُ مِنْ ضحيّة