المهجرون: نقيم في خيام.. والحكومة لا تعترف بحقنا في السكن مدير الشرطة:السكان اغتصبوا الوحدات منذ 2011 ياسمين حسام:بلاغ للنائب العام ضد الإخلاء القسري للأهالي أكوام من الأثاث والأدوات المتناثرة على الأرض، كأنها آثار زلزال عاصف بالمنطقة السكنية، "المجاورة 13 بمساكن العبد بمدينة 15 مايو حلوان" أسر مشردة في الشارع خلفها الوحدات السكنية محاطة بالطوب الأحمر الذي طردهم منها جهاز 15 مايو، وجوه الأهالي بائسة، الأطفال يلهون في براءة لا يعلمون أي مصير ضبابي ينتظرهم وهم ملقون على قارعة الطريق بهذه الطريقة المهينة لا تسمع سوي صرخات ودعاء "حسبي الله ونعم الوكيل".. "البديل" ترصد أزمة طرد أهالي سكان العبد وحقيقة موقفهم القانوني من هذه الوحدات السكنية. يقول ممدوح أبو هاشم، أحد المطرودين من مساكن العبد: فوجئت بقوات الأمن تهاجم الشقة وتطردنا وتلقي بالأثاث في الشارع وتغلق الشقة بالطوب الأحمر، مضيفًا أنه يقطن فيها منذ 2011 بعد الثورة، ومعه حوالي 123 أسرة أخرى، وعلى مدى الأربع سنوات الماضية يطالبون بتقنين أوضاعهم، وتلقوا وعودًا كثيرة من الحكومات المتعاقبة، بدءًا من حكومة عصام شرف إلى إبراهيم محلب، إلى أن تم تنفيذ قرار إخلاء المساكن. وأضاف: لسنا بلطجية أو سارقي شقق، ولكن أوضاعنا سيئة، جئنا إلى مساكن العبد بعدما نصب علينا أحد موظفي الحي، وباع لنا الوحدات على أنها إسكان اقتصادي شعبي ب5 آلاف جنيه للشقة الواحدة، ثم اكتشفنا انتقاله إلى العمل بهيئة المجتمعات العمرانية، ولم يصدق جهاز مدينة 15 مايو عملية النصب التي تمت على الأهالي. تقاطعه انتصار إبراهيم، ربة منزل: يرضي مين بس، هدومنا وبناتنا يفترشوا الشارع، ويصبح عرضنا معرضًا للخطر، وبجوارنا شقق مغلقة بالطوب الأحمر، مضيفة إذا كانت حجة جهاز 15 مايو بأن الدور الأول والسادس من مساكن المجاورة 13 من مساكن العبد ما زالت غير مخصصة ولم يتم طرحها للبيع، وأن الجهاز يستردها للطوارئ، فهل هناك طوارئ أكثر من تشريد مواطنين غلابة ليس لديهم مأوى؟! وأضافت: نمتلك قرارًا من محكمة القضاء الإداري بالطعن على تنفيذ قرار إخلاء مساكن العبد، لحين بحث النزاع القانوني وتقنين أوضاع الأهالي، بعد بحث حالتهم الاجتماعية، ومع ذلك تم تنفيذ قرار الإزالة بالمخالفة للطعن. ويقول محمد سعدواي، عامل: هجوم قوات الأمن الأخير الذي ترتب عليه الطرد بالشارع حدث من قبل مرتين، وكنت ممن ألقي القبض عليهم، وتم تحرير محاضر ضدنا بمقاومة السلطات، لمجرد اعتراضنا علي الطرد ومطالبتنا بتقنين أوضاعنا، وأضاف أنه تعرض للتهديد مؤخرًا وحرر محضرًا إداريًّا ضده للمرة الثانية أثناء الطرد، وتم مساومته في قسم شرطة 15 مايو بين إلغاء المحضر وترك الشقة. وقالت "أم صباح" باكية: أروح فين مع أطفالي الصغار، وزوجي المريض الذي يعمل باليومية، مدارس العيال هنا في 15 مايو بحلوان، وليس لدينا أماكن بديلة للانتقال فيها، مناشدة رئيس الجمهورية بالنظر للفقراء الغلابة، الذين تحدث عنهم في خطابه الأخير، وأعلن دعمه لسكان العشوائيات، مضيفة: هؤلاء الغلابة أهينوا في عهدك، وضربهم وتشريدهم في الشارع في الشتاء القارس بلا مأوي. وتبكي فاتن ممدوح الفتاة العشرينية العروس التي تستعد للزواج، فقد فوجئت بهجوم قوات الشرطة وموظفي الجهاز على الشقة، وكانت تقيم مع أختها الصغيرة ووالداها بالعمل، وطلبت منهم إرجاء الدخول للشقة وتأجيل طردهم لحين عودة والدها للمنزل، إلَّا أن قوات الأمن كسرت الباب عليها وصفعتها على وجهها عندما اعترضت على الاقتحام. من جانبه يقول أحمد صابر، أحد السكان المطرودين: ليس لدينا بديل آخر، ولن نتحرك من أمام الشقق المغقلة، وسنعيش في خيام أمامها بالشارع، حتى تقتنع الدولة وجهاز 15 مايو، أننا بحاجة شديدة لهذه الشقق، من المواطنين المعدمين الذين ليس لهم مأوى، والدستور الجديد يلزم الدولة بتوفير حق السكن الملائم لكل مواطن معدم، وها نحن في انتظار الحكومة بتوفير شقة لنا. وقالت ياسمين حسام، أمين اللجنة القانونية بحزب العيش والحرية تحت التأسيس: أهالي مساكن العبد دفعتهم ظروفهم للسكن في هذه الشقق إشباعًا للحاجة في الإيواء؛ لعدم توافر مساكن لهم ولأسرهم، بعد تقدمهم بعدة طلبات لوزارة الإسكان لتمليكهن شققًا بهذه المساكن طبقًا لشروط صندوق التمويل العقاري إلَّا أن هذه المساكن ظلت مغلقة دون الاستفادة منها أو تمليكها لأي من المعوزين لسنوات طويلة دون إبداء أسباب، مما اضطر هؤلاء وغيرهم إلى الانتقال للسكن بهذه العقارات؛ نظرًا للظروف الأمنية، التي كان يستحيل معها بقاؤهم بالشارع. وأضافت أن الأهالي حاولوا لمرات عديدة تقنين أوضاعهم والذهاب إلى وزارة الإسكان وجهاز 15 مدينة مايو ليسددوا للدولة حقها في الإيجار للوحدات السكنية والمستحقات المادية كافة، إلَّا أنهم لم يحصلوا على أي ردود، ورغم صدور قرار من الجهاز رقم 1 لسنة 2011 بإخلاء المساكن من الأهالي، ولم يتم يعلموا الأهالي به، إلَّا أنهم طعنوا على القرار في مجلس الدولة، التي من شأنها وقف أي قرار بالتنفيذ، طالما هناك نزاع قانوني، ومع ذلك نفذ جهاز 15 مايو قرار الإزالة وطرد الأهالي في الشارع خارج الوحدات السكنية. وأوضحت حسام أنه على مدى الأربع سنوات الماضية وافقت الحكومة، بعد عشرات الطلبات من الأهالي، على إجراء بحث اجتماعي للأهالي ومنح 30 أسرة وحدات سكنية في المجاورة 13 لأنهم من السكان المعدمين، مما أغضب ضباط شرطة قسم 15 مايو وموظفي الجهاز، التي كانت مستفيدة من الحصول على الدور الأرضي والسادس بهذه الوحدات السكنية، وشنوا هجومهم على الأهالي أكثر من ثلاث مرات خلال الشهرين الماضيين، آخرها منذ أيام. وأشارت إلى أن الهجمات الأمنية كانت تتعمد الذهاب في الظهيرة وقت عمل الرجال وعدم تواجدهم بالمنزل، واعتدت بالضرب واللفظ على النساء من القاطنين بالوحدات السكنية، وطردتهم خارج الشقق بالأثاث في الشارع، في حين سبقت عمليات القبض خلال الشهر الماضي تحرير محاضر مقاومة سلطات لثلاثة من سكان الوحدات السكنية، ومساومتهم بإغلاق ملف القضية في مقابل تركهم للوحدات السكنية. اختتمت حسام أن الحزب سيدعم سكان العبد المشردين بالشارع بتقديم بلاغ للنائب العام، معربة أن الدستور نص بأحقية كل مواطن على مسكن ملائم، وأن دخول الأهالي للوحدات السكنية كان لظروف قهرية طارئة في ظل الانفلات الأمني بالشوارع بعد اندلاع الثورة، وغياب أي بديل يأوي أطفالهم. على الجانب الآخر يقول العقيد انتصار محمد منصور، مدير شرطة تعمير بجنوبالقاهرة بجهاز 15 مايو: ترجع أزمة مساكن العبد إلى إشكالية أكبر وقعت بعد ثورة يناير تتمثل في احتلال الأهالي 480 شقة مغلقة على مستوى مدينة 15 مايو، دون أي وجه حق، ودون أي صيغة قانونية لوجودهم، مضيفًا أنه خلال الأشهر الماضية تم إخلاء الوحدات السكنية المغتصبة على عدة مراحل بدأت بإخلاء 240 شقة بمنطقة المستعمرة بمايو، ثم 35 شقة في المجاورة 12 بالعبد، ثم تبقت 160 شقة بمساكن العبد بالمجاورة 12. وأضاف أنه تم إنذار أهالي سكان العبد منذ 3 شهور ماضية بإخلاء الوحدات السكنية بالحوار ودون استخدام القوة على الإطلاق، فخرج أغلبية الأهالي الشرفاء الذين أدركوا عدم أحقيتهم للوحدات السكنية، لتتبقى 40 شقة تمسك الأهالي باغتصابها، مشيرًا إلى أنه خلال اليومين الماضين تم إخراج أول أسرتين منهما وتنفيذ قرار الإخلاء الصادر من جهاز 15 مايو بعد تنبيههم أكثر مرة. وبسؤاله عن اعتداء قوات الأمن بالضرب على النساء، نفى العقيد انتصار منصور وقوع أي اعتداء على النساء أو الرجال، على حد سواء، موضحًا أن محاضر التعدي ومقاومة السلطات التي تم تحريرها ضد أربعة من السكان وهم طارق عبد الغني، محمد عزام، ممدوح أبو هاشم، محمد السعداوي، هم من اعتدوا على موظفي جهاز 15 مايو بعد محاولتهم اقتحام الشقق التي أغلقها الجهاز بالطوب الأحمر. وأوضح أن الأهالي الذين يطالبون بحقوقهم هم من اغتصبوا الوحدات السكنية دون سند قانوني، ولم يدفعوا خلال الأربع سنوات الماضية أي التزامات من فواتير مياه أو كهرباء أو إيجار، مشيرًا إلى أن الدولة لو تهاونت في تنفيذ القانون، لن يكون لها سيادة ويتحول المجتمع إلى غابة البقاء فيها للأقوي، موضحًا أن الجهاز سيطرح 6000 آلاف وحدة سكنية في منطقة الامتداد بمايو على الأهالي التقديم لها وسيتم تزكيتهم ومراعاة ظروفهم الاجتماعية للحصول على وحدات سكنية بها، لكن بشكل قانوني محترم وبطريقة شرعية. وعن الخيام التي نصبها الأهالي أمام الشقق، أوضح العقيد انتصار أنه ينفذ القانون، ولو صدر قرار من جهاز 15 مايو بعدم أحقية الأهالي بإشغال الطريق بهذه الخيام، ستتم إزالتها وفقًا للقانون أيضًا، مؤكدًا أن الجهاز لا يسعى لأي تصادم مع الأهالي، لكن ينفذ القانون أولًا وأخيرًا. من جانبه يقول عمر عبد المنعم، مؤسس وحدة جنوبالقاهرة بحزب العيش والحرية تحت التأسيس: الحزب في حلوان سيدعم الأهالي المشردين بالشارع قانونيًّا، بتقديم بلاغ للنائب العام حول وقائع طردهم من الشقة واعتداء قوات الأمن عليهم، وسيوفر لهم أطعمة وبطاطين لتحميهم من برودة الشتاء القارس. وأضاف أنه من المرفوض هذا التعامل الأمني الغاشم مع الأهالي البسطاء، الذين تتخلص مشكلتهم في تقنين أوضاعهم، بتوفير الوحدات السكنية، مستنكرًا أن يكون الرد تلفيق الاتهامات الجنائية للأهالي، وتهديدهم ومساومتهم على الخروج من الشقة إما الحبس، وهو ما تم بالقبض علي عبد الرحمن عبد الغني وممدوح أبو هاشم من منازلهم وتوجيه اتهامات لهم بالاعتداء على قوات الأمن على ذمة القضية 25 لسنة 2015. وطالب الحكومة بتطبيق ما نص عليه الدستور الجديد، فالمادة 78 نصت على أن "تكفل الدولة للمواطنين الحق في المسكن الملائم والأمن والصحة، بما يحفظ الكرامة الإنسانية ويحقق العدالة الاجتماعية" ولتعريف "الحق في المسكن الملائم" انتهت لجنة الأممالمتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في عام 1991 بناءً على "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" وأقرت مادته الحادية عشرة ب"حق كل شخص في مستوى معيشي كاف له ولأسرته، يوفر ما يفي بحاجتهم من الغذاء والكساء والمسكن، وحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية" على أن تتعهد الدول الموقعة على هذا العهد باتخاذ التدابير اللازمة لإنفاذ هذا الحق الصادر في عام 1966 الذي وقعت عليه مصر، لإشكالية التعريف هذه وعالجتها بتوضيحها أن "المسكن الملائم" ليس مجرد أربعة جدران وسقف. ف"المسكن الملائم" حق الجميع في مكان آمن بسلام وكرامة. والذي لا بد أن تتوافر به شروط ضرورية مثال: حيازة المسكن التي تتخذ أشكالًا مختلفة، منها الإقامة بسكن إيجار (عام أو خاص)، والإسكان التعاوني، والتمليك، والإيواء في حالات الطوارئ، والإسكان غير الرسمي، ويتضمن ذلك أن يشغل السكان الأرض أو المبنى. وبصرف النظر عن نوع الحيازة، يجب أن يتمتع كل الأشخاص بالأمان في السكن، الذي يضمن الحماية القانونية ضد الإخلاء القسري والمضايقات والمخاطر الأخرى.