لم تخلو عملية تشجير الطرق والشوارع من القرارات الخاطئة؛ نظرًا لتداخل اختصاصات الهيئات الحكومية المختلفة، بعدما أصبح العامل المحدد لأنواع الأشجار التي يتم زراعتها «الربح» الذي يحصل عليه المقاول الذي أسندت إليه العملية من الباطن، دون مراعاة الجانب البيئي أو الاجتماعي للمواطن المصري. كانت وزارة الزراعة، وضعت شروطا لاختيار الأشجار التي يتم زراعتها في الطرق والشوارع، جاء أهمها مقاومة الجفاف والغبار والملوثات، والقدرة على النمو في الأراضي الفقيرة أو الرديئة، ومراعاة المرونة لمقاومة الرياح دون أن تسقط، وأن تعطي قدرا كافيا من الظل، ويفضل أن تكون مزهرة، وأن تعطي مجموع جذري قوي متعمق في التربة لا يمتد أفقياً لمسافات بعيدة حتى لا يؤثر على المباني والشوارع الجانبية والممرات. قال المهندس سيد عبد اللطيف، نائب رئيس الإدارة المركزية للتشجير بوزارة الزراعة، إن "الفيكس" من الأشجار "عدو البيئة"، ومصدر لانتشار الحشرات، إضافة إلى أنها دائمة البحث عن المياه، مما يجعلها تنشر جذورها داخل شبكة المياه والمجاري مما يتسبب في إغلاقها وتعطيل انسياب المياه بها، لكن لا نعلم لما الإصرار على زراعتها، لافتا إلى أن هذا النوع من الأشجار قدرته ضعيفة نسبيا في تنقية البيئة من الغبار والأتربة؛ بسبب أوراقها الجلدة، كما أنها تساهم في نشر الأمراض النباتية في حالة إصابتها لجميع الأشجار والنباتات الأخرى القريبة منها. وأضاف "عبد اللطيف" أن أشجار الفيكس تعد الهدية المفضلة التي تمنح مجانا للجهات والهيئات والجامعات، في حين أن هناك أنواعا أخرى من الأشجار يمكن زراعتها بدلا منها، كأشجار "النيم" التي تقاوم العطش والبرد، ولها مميزات بيئية وجمالية جيدة، وتساعد علي طرد الحشرات الطائرة، مؤكدا أن اقتراح زراعة الطرق بأشجار مثمرة ليس جديدا، بل كانت هناك تجربة سابقة أثناء تولي الدكتور يوسف والي الوزارة الذي أصدر قرارا وزاريا باستبدال أشجار الزينة المتعارف عليها ومنها الفيكس في تشجير الطرق بأخرى مثمرة، واستقر الرأي على زراعة أشجار الزيتون، وبالفعل تم غرس الأشجار على مسافة تمتد لعدة كيلو مترات في طريق مصر الإسكندرية الصحراوي، إلا أن التجربة لم يكتب لها النجاح لعدة أسباب أهمها تداخل مهام الوزارات المختلفة وتعارض المصالح، أزالت هيئة الطرق والكباري التابعة لوزارة النقل تلك الأشجار بعد وصولها لمرحلة الأثمار. أوضح نائب رئيس الإدارة المركزية للتشجير، أن هناك عدة جهات حكومية مسئولة عن عملية التشجير، فنجد أن وزارتى الزراعة والري مسئولتان عن تشجير جوانب قنوات الري والترع، أما الطرق فمسئولية تشجيرها تقع على عاتق وزارة النقل ومحليات المحافظات، ومن هنا يأتي الإصرار على استخدام أشجار الفيكس في عملية تشجير الطرق؛ لأن هذه العمليات يتم إسنادها من الباطن إلى مقاولين يسعون وراء الربح عن طريق استخدام أرخص أنواع الأشجار لاستخدامها دون إجراء دراسات بيئية أو زراعية، لافتا إلى أن الفساد وصل أيضا إلى عمليات تشجير الشوارع والطرق نتيجة زواج السلطة بالمال وعدم وجود استراتيجيات واضحة يتم وضعها من قبل الوزارات. من جانبه، قالت الدكتورة تريزا لبيب، استشاري تشجير بحديقة الأورمان، إن الإصرار على زراعة أشجار الفيكس في الطرق يرجع لتدني أسعارها إذا ما قورنت بأصناف أخرى من الأشجار، إلا أن زراعتها ستكون أفضل في مناطق دائمة المطر لتقوم بغسل أوراقها باستمرار لعدم سد مسامها لأننا من الدول المتربة والمعرضة دائما لرياح محملة بالغبار، لذلك كان لابد مراعاة اختيار نوعية الأشجار المستخدمة في الشوارع لتكون ملائمة للمناخ المصري، لافتة إلى أنه لابد من زراعة أشجار متساقطة الأوراق وليس دائمة الخضرة طوال السنة لأشجار الفيكس، حتى تتخلص بشكل طبيعي من أوراقها المحملة بالأتربة والغبار الملوثين للبيئة والمصدر لانتشار الأمراض. وفى نفس السياق، اعترض الدكتور أيمن كمال، أستاذ البساتين والزينة، على استخدام أشجار مثمرة في الشوارع؛ لأن إنتاجها سيكون ملوثا وغير صحي لارتفاع نسبة العوادم والأمراض المنتشرة في المدينة، بجانب ضرورة تنمية الوعي الاجتماعي والثقافي لدى المجتمع المصري بكل فئاته، حتى لا يتم استخدام ثمار هذه الأشجار قبل نضوجها، وهذا يحتاج إلى وقت ومجهود من المؤسسات المجتمعية. وأشار إلى أن الأشجار المستخدمة في تشجير المدن تختلف عن نظيرتها المستخدمة في الطرق السريعة بين المحافظات، فنجد مثلا أن أشجار السرو يمكن أن تستخدم كحزام أخضر حول المدن لصد الأتربة لأن نموها رأسي لا يمكن استخدامها بغرض الظل، أما أشجار النيم فيمكن استخدامها داخل الشوارع المدن؛ لأنها تعد من الأشجار الطاردة للحشرات في الحيز المحيط بها، ألا أنها لا يمكن أن تستخدم بغرض التجميل؛ لأنها ليست من الأشجار المثمرة ومتساقطة الأوراق، موضحا أن الفيكس من الأشجار متعددة الأغراض، فتزرع للظل والزينة وتضفي شكل جمالي على المكان المنزرعة به وتتحمل التلوث.