والله لا نعلم بأيهما نفرح بلقاء خادم الحرمين برب العالمين أم بإلغاء احتفالات الثورة احترامًا لهذا الفراق الأليم، ولكن لأن جلنا مبتلون دومًا بنسيان حكمة الله عندما تنزل بنا النوازل وتفجعنا المصائب، فينبغي أن نتذكر دومًا أن من فم الثعبان يأتي الترياق، ومن رحم المعاناة يولد الأمل؛ فلولا مصابنا برحيل فخامته لَما أخذ الملك سلمان (79 سنة) والأمير مقرن (70 سنة) وجميع شباب العائلة دورهم الطبيعي في المشاركة الديمقراطية والتداول الطبيعي للملك العضود والحكم الجبري "والبركة في الشباب". ولكن كم يشفق المرء على هؤلاء الفتية، وهم يحملون تركة تنوء الجبال بحملها، فقد أتعب "أبو متعب" كل من يأتي بعده فهو، بلا فخر، الراعي الرسمي لكل الثورات المضادة ومشعل نيران كل حرب طائفية، الممول الأول للجماعات الإرهابية، والداعم الرئيسي للحكومات الديكتاتورية والفاشية، مُطبِّق الشريعة على المدونين والمعارضين والمساكين وكل من يقترب بسوء من ذاته الملكية، ومُحرِّم قيادة السيارة للمرأة السعودية، محارب البدع التنويرية وحافظ تراث الأمة البدوية من أي تدخلات عقلية، وطامس المقدسات والآثار الإسلامية ومُبَدِّلها بالأبراج الرأسمالية والساعات الذهبية، والمُصدِّر الأول للثقافة الرجعية داخل جمهورية مصر العربية، هو آوى طريد التونسيين الهارب "زين العابدين"، وحامي حسني مبارك وعائلته ونظامه من مصير اللصوص والعملاء والسفاحين. حائط الصد الأكبر أمام المقاومين لإسرائيل، وداعم الفرقة والانقسام في اليمن ولبنان وفلسطين، هو باختصار نصير الظالمين وعدو المستضعفين، من أرضه انطلقت أسراب الطائرات الأمريكية تدك الأراضي العراقية، وتدمر البنية الأساسية وغير الأساسية، وتحول العراق إلى ساحة لتجريب أقذر الأعتدة الحربية، ومن منابر علمائه ولجنته الدائمة راجت الفتاوى التي تحارب الإنسانية، وترضى في دينها وأوطانها الدنية، وتأصِّل للمسلمين كيفية الرضا بالعبودية والعيش في ظل الديكتاتورية، ولا تُشرِّع الجهاد إلَّا بإذن الولاياتالمتحدةالأمريكية.. هو حكيم العرب بلا شك، وقائد العرب ولا ريب؛ فمن أجل تفادي غضبة عظمته والتخفيف من جرح مشاعر فخامته، هبت رموز مصر السياسية والدينية والثقافية والفنية من كل فج عميق، قاصدين قصره طالبين السماح والعفو من جلالته عن المصريين "الأوباش" الذين انتفضوا لكرامتهم ولبوا الندا ليعلنوا غضبتهم من ظلم آل سعود أمام السفارة السعودية في مشهد تقشعر منه أبدان الكرام. هذه بعض من نفحات الملك العطرة ومآثره الخالدة وأياديه البيضاء على الأمة، والتي لن تفق أبدًا من كبوتها، ولن تُنصَر لها ثورة، ولن ترفع لها راية، ولن تتحقق لها غاية إلَّا بالخلاص من هذا الورم، فاللهم أبدل شعبَه حُكمًا خيرًا من حكمه، ووسع في دخولهم، وبارك في أرزاقهم، ونقهم من التبعية كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم وأجر على ألسنتهم قولة "لا"، وأفسح لهم من الحريات مد أبصارهم، وانقلهم من ضيق الآراء وسجن الأفكار إلى سعة الأفهام ورحابة الصدور في ظل حكم متفتِّح راشد على الإسلام غيور، واجعل بلادهم بذرة من ثمار الخير ولا تجعلها جذوة من نيران الشر.