كتب : هدير محمود ومحمود علي خلال اليومين الماضيين عاد الحديث مجددا عن أزمة عديمي الجنسية في الكويت والذين يعرفون باسم "البدون"، حيث كشف مسؤول حكومي في البلاد أمس عن مساع كويتية لمنح عشرات الآلاف من البدون جنسية جزر القمر، وهو الأمر الذي أثار الأزمة مجددا في البلاد، لا سيما وأنه بين الحين والآخر يخرج المسئولين والمثقفين ينصحون شباب "البدون" بترك الكويت والهجرة إلى أي بلد آخر حتى وإن كانت أكثر تخلفاً، بدعوى الحرص على مستقبل "البدون"، لكنها في حقيقة الأمر هي مجرد محاولة لقطع جذورهم والتخلص من مشكلاتهم التي طالما فشل في حلها المسئولين الكويتيين على مر السنوات الماضية. من هم "البدون"؟ "البدون" أو غير محددي الجنسية، هم فئة سكانية تعيش في الكويت ولا تمتلك الجنسية الكويتية رغم أن معظمهم كانوا يخدمون في سلكي الجيش والشرطة قبل إقدام العراق على غزو الكويت سنة 1990، ويقدر عدد هؤلاء ب110 ألف شخص، ولدوا وكبروا بالكويت ولا يحملون جنسية بلدهم نظرا لعدة أسباب مختلفة من بينها أن السلطات تتهمهم بإتلاف أوراق هويتهم الأصلية للتمكن من الاستفادة من الامتيازات التي تقدمها الدولة الغنية بالنفط. بداية الأزمة ترجع معاناة "البدون" إلى ما قبل غزو العراق للكويت، فمنذ صدور قانون الجنسية عام 1959، كانت الدولة تتعامل مع هذه الفئة على أنهم أمر واقعي في البلاد حيث تم انخراط الكثير منهم آنذاك في السلك العسكري في الجيش والشرطة وفي الوظائف الحكومية الأخرى فضلاً عن أنه كان يتم تمييزهم في التعامل من قبل الدولة عن الجنسيات العربية الأخرى المقيمة في البلاد وتم بالفعل تجنيس عدد منهم خلال تلك الفترة. الغزو العراقي وتفاقم المشكلة مع دخول الغزو العراقي للكويت بدأت مشكلة "البدون" في التفاقم شيئا فشيئاً، حيث عمد كثير من الوافدين من مختلف الجنسيات العربية والغير عربية إلى إخفاء مستنداتهم مدعين انتمائهم إلى فئة "البدون"، وذلك للاستفادة من الامتيازات التي كان يتمتع بها أفراد هذه الفئة في فترة الستينات والسبعينات، فكان من الواضح ازدياد أعداد المنتسبين إلى هذه الفئة بشكل ملحوظ مما أدى إلى تغير سياسة الحكومة تجاه معالجة القضية. يعود تاريخ أول محاولة حكومية لمعالجة هذه القضية إلى عام 1980 بصدور القانون رقم (100/1980) الذي فتح باب الدعاء للحصول على الجنسية الكويتية أمام جميع المطالبين بها من المتواجدين بالبلاد، وقضى القانون بأنه لن يقبل بعد مضي سنة من تاريخ عمل هذا القانون أي طلبات للتجنس أو لإثبات الجنسية، وتم من خلال هذا القانون حصر وإحصاء جميع أفراد الفئة "بدون" في البلاد. تناقص عدد المنتمين للفئة "بدون" منذ تحرير دولة الكويت من الغزو العراقي عام 1991، حيث غادر عدد غير قليل منهم إلى بلدانهم الأصلية إبان الغزو، حيث بلغ عدد المقيمين المنتمين لهذه الفئة في إحصاء شهر يونيو عام 1990، أي قبل شهرين من الغزو العراقي إلى 220 ألف فرد، لكن هذا العدد تراجع كثيرا بعد الغزو ليصل عام 1995 إلى 121 ألف فرد. احتجاجات "البدون" عام 2011 بدأ الشباب من فئة "البدون" يحتجون ضد سياسات الحكومة الكويتية وتعاملها مع القضية، الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه لكل العالم لكي يرى ويعرف ويفهم حقيقة القضية والظلم الواقع عليهم، وعاد شباب "البدون" الذين هاجروا خلال فترة غزو الكويت ليطالبوا بحقوقهم، حيث اعتصم عدة آلاف من الشباب بشكل سلمي خلال شهر فبراير 2011، وعلى مدى ثلاثة أيام في منطقة الجهراء والصليبية ومنطقة الأحمدي وتم مواجهتهم بالغازات المسيلة للدموع وخراطيم المياه وتدخلت الشرطة والقوات الخاصة لتفريق المعتصمين، وبالفعل تم تعليق الاعتصام على وعد من الوزراء ونواب مجلس الأمة بحل المشكلة عن طريق عقد جلسة خاصة في 8 مارس 2011. أخذت الدولة بعد ذلك في إبرام الوعود والتعهدات لهذه الفئة ولكن دون جدوى حتى الآن، حيث تتفاقم المشكلة يوماً تلو الأخر، خاصة وأن الدولة الكويتية تسعى إلى التخلص منهم عن طريق منحهم جنسية بلد آخر على أن تقدم لهم بعض الامتيازات الخاصة بالتعليم والصحة، لكن دائمًا ما يرفضون هذه المقترحات مطالبين بحقهم الطبيعي في الجنسية الكويتية. الحكومة تسعى لتهجيرهم قدمت الحكومة في الفترة الأخيرة عرضًا جديدًا ل"البدون" بالحصول على جنسية جزر القمر، ومن يوافق على هذا الإجراء سيمنح إقامة مجانية في الكويت إضافة إلى سلسلة من المحفزات مثل التعليم المجاني والرعاية الصحية والحق بالوظيفة، وستبدأ عملية تقديم طلبات الجنسية ما أن تفتح سفارة جزر القمر في الكويت خلال الأشهر المقبلة. أصداء القضية عند الحقوقيين أهتم النشطاء بقضية "البدون" بعد تقديم الحكومة الكويتية هذا المقترح اللاإنساني، لتملأ صفحات الناشطين الكويتيين، وأعرب المتابعون لهذه القضية عن استيائهم الشديد من هذا القرار حال تم تطبيقه، حتى أن النشطاء "البدون" تناولوا الموضوع بشيء من السخرية، فيما شكك البعض بإمكانية تفعيل قرار كهذا، أو قبول "البدون" لهذه المساومة. انتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الكويت على إساءة معاملة نحو 100 ألف من "البدون"، وقالت إن الدولة لم تعترف بحق هؤلاء الذين يقيمون في الدولة منذ فترة طويلة بالحصول على الجنسية أو الإقامة الدائمة، وأضافت المنظمة أن هؤلاء "يواجهون قيودا في الحصول على الوظائف والرعاية الصحية والتعليم والزواج وتكوين أسرة"، داعية الحكومة الكويتية إلى الاعتراف بحقهم في الحصول على الجنسية. ردود فعل السياسيين من جهة الأحزاب الكويتية السياسية، فقد استنكر "التيار التقدمي الكويتي" السياسة الحكومية في التعامل مع قضية "البدون"، معتبرين أن ذلك يعكس تعاملاً عنصرياً بغيضاً مع أبناء هذه الفئة، كما أكد النائب الكويتي "عودة الرويعي" أن قضية "البدون" هي صناعة حكومية بحتة، نتيجة مماطلتها وتسويفها في حل القضية حتى أوصلتها إلى هذا الحد، رغم أنه كان بالإمكان أن تحلها الحكومة حلًا جذريًا عقب التحرير مباشرة، مؤكدا أن فكرة التهجير مرفوضة تماما.