يشى العنوان بأننا نتحدث عن تراب الوطن، وهو أغلى من حياتنا وأى شيئ آخر ولكن.. يحدث أمام عينيك كل يوم، وتمر عليك بدون اكتراث، وأصبح الحال أن من يتحدث فى هذا الشأن إما موتور، أو دماغه «فاضية»، أو يوصف بأنه غاوى «منظرة».. للأسف الشديد نجح أعداؤنا فى خلق طبائع لنا، وبرضانا أصبحت سمات تنتشر بيننا كعدوى، أو جائحة أشبه بالفيروس، بل ونتوارثها من دون خزى، ورغم ذلك أجد أنه بما تبقى لنا من عقل وبما يملؤنا من حب للوطن.. أجد أن الحديث عن «القمامة» أمر جدير بكثير من الاهتمام، وقبل أن ترفع عينيك عن القراءة أقول لك: إننى أتكلم عن الدخل القومى، وأعدك أنى لن أذكر كلاما معادا.. المخلفات فى بلدنا الكبير بكل المقاييس ثروة وكنز لا يقدر بثمن، وقادرة على إنهاء استيراد العديد من الخامات، وتوفير العملة الأجنبية التى تستنزفنا فى استيراد خامات أولية، وتوفير فرص العمل للشباب جليس المقاهى والنواصى والبيوت المحبطين بلا حدود. الجانب القومى فى المسألة غاية الأهمية، فيكفى الاعتماد على خاماتنا المحلية وإعادة التصنيع، والإحساس بالعظمة والانتماء والفخر وبقيمة الوطن وفضله، كلها مشاعر ومعان لا تعرف إلا بالاعتماد على الذات والمصادر المحلية فى الخامات، وعلى سبيل المثال لا الحصر: الحوائط الحاملة المستخدمة فى بناء بيوت كاملة من دون أسمنت وحديد، وهى البديل الوحيد لمواجهة ارتفاع أسعار مواد البناء. تكنولوجيا التدوير هى الموفرة لهذا، فهل تعلم أن الهند من أكثر الدول دائمة الطلب للمخلفات من المحروسة تليها الصين التى تستورد 12 مليون طن من البلاستيك القابل لإعادة التدوير سنويا؟ طبعا وزارة البيئة المبجلة أكيد لها تقارير فى هذا الشأن، يقول أحد التقارير إن إجمالى المخلفات الصلبة فى بلدنا يبلغ حوالى 75 مليون طن سنويا بواقع 55 ألف طن يوميا، ويرجع التقرير أسباب ظهور مشكلة المخلفات الصلبة إلى عدم توافر مدافن صحية آمنة للمخلفات، وقصور النظم الإدارية والرصد والمراقبة والموارد المالية، وسلوكيات المواطنين فى التعامل الصحيح مع المخلفات. بقى أن نعرف أن المخلفات يستخرج منها شيئان غاية فى الأهمية وهما: المواد الخام، والطاقة، فيمكن استخراج المطاط من إطارات السيارات المستعملة. فإذا عرفت أن مصر تستهلك سنويا ما يزيد على 20 مليون إطار (كاوتش)، والمطاط المسترجع من مخلفات الإطارات يمكن إضافته لخلطة الأسفلت بنسبة 20 %، ويعطينا (الأسفلت المطاطى) الذى يدوم على الأرض مددا تتراوح من 20 إلى 50 سنة، وهو ما يوفر أرباحاً خيالية لطرق سليمة ودائمة أثبتت عدة دراسات وأبحاث أن غيابها وراء فقد آلاف الأرواح جراء حوادث الطرق «13 ألف نفس سنوياً». يهمنى هنا ذكر أن البطاريات المستعملة وما فيها من بلاستيك وزنك ورصاص يمكن استرجاعها والاستفادة منها بأرباح لا توصف، وأن مخلفات الزجاج تصهر وتصنع منتجات زجاجية جديدة، وأن سعر طن خردة الألومنيوم يصل إلى 5 آلاف جنيه، وبعد تدويره يباع بحوالى 3 آلاف و700 دولار، وأن اقتصاد الخردة فى العالم كله يحتل المركز الثالث بعد المخدرات والأدوية. أين الاستراتيجيات المثلى للتعامل مع المخلفات؟ لماذا نترك علماؤنا بالمركز القومى للبحوث للغرب يمتصون عسلها وحلاوتها بخبرتهم؟ مخلفات البلاستيك فى مصر وصلت 6 مليارات جنيه سنويا، وحجم المخلفات الزراعية بلغت 71 مليون طن سنويا لها ألف استخدام ويزيد، ويتم رمى الذهب والمعادن النفيسة فى النيران ثم نسأل الدول المفترسة عن حفنة قمح لأن الاحتياطى لا يكفى عدة أشهر. ماذا تنتظر الحكومة الحالية لتطبيق الاستفادة المثلى من فرض برنامج بيئى سلوكى يعود بالنفع على ملايين الغلابة من الشباب العاطلين، وأيضا العمال من ضحايا «التسريح» من سياسات الخصخصة التى مازالت عدواها مستمرة فى العديد من المصانع والشركات؟ وإن كانت المعلومات السابقة متاحة بهذا القدر للجميع فماذا يفعل خبراء الإدارة والتخطيط بوزارة المالية وجهابذة وزارة الاستثمار المبجلين؟. من جديد، المخلفات الآن بها إمكانية استخراج ذهب وبلاتين من المخلفات الإلكترونية الخاصة بالكمبيوتر. لا يتسع المقام لذكر الثروات والخير الكثير وعوائد إدارة المنظومة بالشكل الأمثل. أحيانا يصطدم العقل بالسؤال المحلق فوق الرؤوس باستمرار: لمصلحة من يحدث هذا ؟ ولماذا نضع الذهب فى أيدى الغرباء وندوسه بأقدامنا ونفتح أيدينا لجلب المعونات؟! [email protected]