تعتبر القمامة والمخلفات من أهم مصادر الدخل القومي في بعض الدول وسوقا للتجارة فيما بينها ,في حين أنها لا تزال تمثل صداعا مزمنا بالنسبة لمصر نظرا لعدم وجود إستراتيجية سليمة للتصرف فيها أو بمعني أصح نظرا لأنة قطاع يمثل كنزا للمستفيدين منه. ففي الوقت الذي تتعامل فيه الدول المتقدمة مع المخلفات كمصدر ثانوي للمواد وللطاقة وكمصدر لتنشيط التعامل التجاري، وزيادة الإنتاج المحلى من الخامات، وتحويل المخلفات من عبء على الدولة والمواطن إلى مصدر يدر أرباحا كبيرة. نقوم نحن إما بتصديرها لتستفيد دول أخري بها أو نغرق شوارعنا بها لتساهم في انتشار الأمراض والأوبئة وتشويه المنظر الحضاري لنا, أو نعرقل ونهمل مشروعا جادا لن يكلف الدولة شيئا وستعود ملكيته للدولة فيما بعد . للأسف مازالت الدولة المصرية تعاني من المركزية في كل قراراتها في حين إننا في حاجة الي التخلص من هذه المركزية مع احتفاظ الحكومة بالقدرة علي التحكم في الاتجاه العام لمؤسساتها وأجهزتها الخدمية. ولذا كان هذا التحقيق. ان المخلفات تعتبر بكل المعايير والمقاييس كنزا ثمين مهدرا في مصر في حين أنها قادرة علي تقليل الاعتماد على الخامات المستوردة وتوفير العملة الصعبة التي تستهلك في استيراد خامات أولية. هذا أيضا بالإضافة الي توفير فرص عمل للشباب والحفاظ علي نظافة البيئة، فضلا عن زيادة التنمية المستدامة، وذلك بتقليل إنتاج المخلفات، وإعادة استخدامها لتحقيق الاعتماد على الخامات المحلية وإعادة التصنيع وهو ما يعنى الاعتماد على الذات والمصادر المحلية في الخامات. إن تكنولوجيا التدوير الحديثة قادرة علي خدمة مشاريع قومية كونها لا تقتصر علي صناعة مواد استهلاكية رخيصة التكلفة, ولكنها تدخل أيضا في صناعة الحوائط الحاملة لاستخدامها في بناء بيوت كاملة دون أسمنت وحديد لتكون بديلا رخيصا لمواد البناء المكلفة. ولذا تعد الهند من أكثر الدول التي تطلب المخلفات من مصر, تليها الصين التي تستورد 12 مليون طن من البلاستيك القابل لإعادة التدوير سنويا ولذا أنفقت في 2002 ما يزيد علي المليار ونصف المليار دولار في استيراد البلاستيك من أنحاء العالم. وقد كشف تقرير سابق لوزارة البيئة أن إجمالي المخلفات الصلبة في مصر يبلغ 75 مليون طن سنويا بواقع 55 ألف طن يوميا. وقال التقرير إن الأسباب التي أدت إلى ظهور مشكلة المخلفات البلدية الصلبة هي عدم إدارة المنظومة بشكل متكامل، وعدم توافر مدافن صحية آمنة للمخلفات، وقصور النظم المؤسسية والإدارية وأساليب إحكام عمليات الرصد والمراقبة، ونقص الموارد المالية لتحقيق الخدمة المطلوبة، وسلوكيات المواطنين في التعامل الصحيح مع المخلفات. هذا وقد وصلني ورق من السيدة شيرين إسماعيل ثابت, التي تعتبر شركتها وكيلا لشركة «بيستراد» الايطالية وهي من الشركات المتخصصة والرائدة في مجال تدوير القمامة بدون فرز مع إعادة تصنيعها بنسبة 100% بدون أي مخلفات ولكنها كالعادة تتعرض لكم لا يعد ولا يحصي من المعوقات ...ولم لا, فكما ذكرنا القمامة بيزنس كبير. قابلتها واتضح ان السيدة الفاضلة تريد ان تقوم بإقامة مشروع مصنع تدوير قمامة واقترحت في خطابها الموجه لوزير التنمية المحلية في 14 يوليو 2014 ان يكون مكانه في ارض المدفن الصحي بمدينة السادات والتابع لمحافظة الغربية وهو أمر يحتاج لمساحة 16 ألف متر مطلوب تخصيصها بمقابل الانتفاع بنظام «بي او تي» بتكلفة استثمارية 130 مليون يورو تتحملها الشركة كاملة علي ان يعود المشروع لملكية الدولة بعد 23 سنة بكامل طاقته الإنتاجية وهيكله الإداري. وعقد بعد ذلك اجتماع في 22 يوليو 2014 حضره رئيس قطاع الإدارة المتكاملة للمخلفات وتم الاتفاق علي مخاطبة محافظ البحيرة لتخصيص قطعة ارض ولم يتم أي شيء حتى هذه اللحظة, بل ان من أراد ان يساعد أفتي للسيدة الفاضلة ان تقوم بشراء الأرض التي ستؤول للدولة فيما بعد...فهل يعقل هذا؟. اتوجة بحديثي الآن الي السيد رئيس الوزراء الذي عليه ان يعلم ان في مكتب السيد وزير الاستثمار ملف كامل عن هذا المشروع الجاد المرفق معه دراسة جدوى توضح استخدام تكنولوجيا «البوبينا» في مصر مما سيسهل عملية إنتاج الطاقة من خلال تدوير القمامة. وعن سبب اختيار ساحة النفايات الخاصة بمحافظة الغربية. أوضحت شيرين ثابت ان البيان الجغرافي لهذه الساحة يسمح بسهولة خدمة سبعه مناطق دفعة واحدة وهي البحيرة والمنوفية والنوبارية ووادي النطرون وجنوب الإسكندرية وشمال الجيزة بالإضافة لنفايات محافظة الغربية نفسها. فهل بعد كل هذا نعرقل مصنعا لن يستغرق انشاؤه سوي 20 شهرا وسيكون قادرا علي ان يعمل بكامل طاقته 362 يوما بلا توقف؟ . ان المخلفات يمكن الاستفادة منها في أكثر من شكل؛ وأهم ما يمكن استخراجه منها شيئان مهمان هما المواد الخام والطاقة، فيمكن استخراج مواد وخامات جديدة منها، مثل المطاط من إطارات السيارات المستعملة، حيث تستهلك مصر سنويا ما يزيد على 20 مليون إطار، والمطاط المسترجع من مخلفات الإطارات يمكن أن يضاف لخلطة الأسفلت بنسبة 20%، ويعطينا ما يسمى بالإسفلت المطاطي، الذي يدوم لمدة تتراوح بين 20 و50 سنة، وهذا يوفر أرباحا خيالية بالإضافة لطرق سليمة ودائمة. كذلك البطاريات المستعملة، وما فيها من بلاستيك وزنك ورصاص يمكن استرجاعها والاستفادة منها بأرباح عالية. أما مخلفات الورق والكرتون فتباع لمصانع الورق لإعادة إنتاج ورق الكرتون والجرائد، ومخلفات الزجاج يتم إعادة صهرها وتصنيع منتجات زجاجية جديدة. يمكن أيضا استعمال مخلفات الألمونيوم؛ الألوميتال القديم، والأواني المنزلية، وأسلاك الكهرباء، وعلب المشروبات الغازية. فسعر طن خردة الألمونيوم يصل إلى 5 آلاف جنيه، وبعد تدويره يباع الطن بحوالي 3700 دولار، وأسلاك الكهرباء بعد أن نستخرج منها البلاستيك يتبقى النحاس الذي يزيد سعر الطن على 40 ألف جنيه، وفى العالم معروف أن بيزنس المخلفات المعدنية «الخردة» يحتل المركز الثالث على مستوى العالم بعد المخدرات والأدوية. ولكن للأسف لا يوجد إستراتيجية واضحة للتعامل مع المخلفات، وغياب التطبيق العلمي لتدويرها، فهناك عدد كبير من المصانع التي تعمل في مجال تدوير المخلفات، ولكن معظمها تهدر الخامات وتدمرها؛ لأنها لا تعتمد على مرجعية علمية. فعلى سبيل المثال بعض التقديرات لمخلفات البلاستيك في مصر تصل إلى 6 مليارات جنيه سنويا، وحجم المخلفات الزراعية تبلغ 71 مليون طن سنويا، يمكن ان تستخدم ولكن للأسف يتم التعامل معها بطريقة سيئة، حيث يتم حرقها دون الاستفادة منها. المفاجأة الحقيقية لصناعة تدوير المخلفات تكمن في إمكانية استخراج ذهب وبلاتين وبلاديوم، وهى عناصر نادرة ونفيسة من المخلفات الإلكترونية الخاصة بالكمبيوتر. كما ان المخلفات الزراعية بطبيعة الحال يمكن أن يصنع منها سماد عضوي، أو علف للحيوانات، أو الوقود المتجدد «البيوجاز» كما يمكن تفحيمها بطريقة علمية صديقة للبيئة وآمنة وتحويلها إلى فحم وبيعها لأوروبا في فصل الشتاء. وللمواطن أن يتصور حجم الذهب الذي يمكن أن يعود على مصر لو تم تفحيم تلك الكمية 71 مليون طن مخلفات زراعية أو جزء منها، كما يمكن إنتاج مواد بترولية من تلك المخلفات مثل السولار وغيره من منتجات النفط لو فكرنا في إنشاء مجمع في كل محافظة لتدوير المخلفات الزراعية كالقطن والموالح والكتان والأرز وغيرة. فمن قش الأرز يمكن تصنيع الفحم النشط، والجديد في تدوير المخلفات هو دمج المخلفات الزراعية مع المخلفات البلاستيكية لإنتاج أنواع جديدة من المواد الخشبية التي يطلق عليها «الخشب البلاستيكي» الذي يتمتع بسهولة التشكيل والإنتاج، بل الإصلاح وإعادة التدوير. والسؤال في النهاية هو...ألا يوجد بينكم رجل رشيد؟.