انخفاض أسعار الذهب اليوم الجمعة في مصر وسوق الصاغة    محافظ المنوفية يطالب بمتابعة دورية لمنافذ بيع السلع الغذائية واللحوم    فصل التيار الكهربائي عن 9 مناطق وقرى ببيلا في كفر الشيخ غداً للصيانة    وزارة الصحة الفلسطينية: لا أدوية لإنقاذ الجرحى في مستشفى كمال عدوان    خالد البلشي: العدوان على الصحفيين في لبنان جريمة حرب لا بد من وقفها    بوتين: روسيا وكوريا الشمالية تعملان على تطوير العلاقات في جميع المجالات    جهاد جريشة: إلغاء هدف الزمالك أمام الأهلي قرار صحيح.. ولاعب الأحمر يستحق الطرد    ضبط تشكيل عصابي تخصص في تزوير المحررات الرسمية بالبحيرة    ضبط 7900 قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    بعد ظهورها الجرىء..إطلالات ل إنجي علي أثارت الجدل في مهرجان الجونة (تقرير)    وفاة شقيقة راغب علامة بسبب أزمة قلبية حادة.. لماذا لم يودّعها؟    توقيع بروتوكول تعاون بين المجلس الصحي المصري وهيئة الرقابة الصحية    وزيرة التخطيط والتعاون توقّع مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على تجديد البرنامج القُطري حتى 2025    كيف أكدت كلمة الرئيس أهمية تعزيز الاستثمارات النسبية لدول بريكس    ضبط المتهمين باحتجاز شخص وإجباره على توقيع «وصل أمانة»    خلال 24 ساعة.. تحرير 617 مخالفة لغير الملتزمين بارتداء الخوذة    ميناء دمياط يستقبل 38 سفينة حاويات وبضائع عامة    أخبار الأهلي : أزمة تضرب الأهلي قبل مواجهة العين الإماراتي    مصر ملتزمة باستمرار إدخال المساعدات الإنسانية لأهالي غزة رغم التعنت الإسرائيلي    "ليست ترتيبه".. حتحوت يكشف تفاصيل إهدار شيكابالا لركلة الترجيح ضد الأهلي    بعد قليل.. نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد بدر بالسويس    الدورة ال32 لمهرجان الموسيقى العربية بوابة رسائل ودعم النجوم لفلسطين ولبنان    وزير الصحة يشهد توقيع بروتوكول تعاون بين المجلس الصحي المصري و«الرقابة والاعتماد»    أبوبكر الديب يكتب: مع اقتراب 2025.. هل يهدد الخطر اقتصاد العالم ؟    وزير الإسكان: 4 نوفمبر.. بدء تسليم قطع أراضي الإسكان المتوسط بالمنيا الجديدة    مسؤول سابق: علاقات الاتحاد الأوروبي بإسرائيل تخضع للتدقيق في المستقبل    قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات واسعة شرق القدس المحتلة    إعادة محاكمة متهم بأحداث عنف الزيتون| غدا    حبس المتهم بإشعال النيران بمخزن والده لطرده من المنزل في الشرقية    10 قتلى من ضباط وجنود الاحتلال خلال 24 ساعة في جنوب لبنان    وزيرة التنمية المحلية تتابع مع المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية التحضيرات الجارية للمنتدى الحضري العالمي    «منها 13 جديدًا أو إحلالًا».. الأوقاف تفتتح 23 مسجدًا    قوات الدفاع الشعبى والعسكرى تنظم عددًا من الأنشطة والفعاليات    وفاة والدة الفنان أحمد عصام.. موعد ومكان الجنازة    محافظ أسيوط يشهد انطلاق مؤتمر اليوم الواحد الأدبي تحديات الأدب في عصر الرقمنة    كيفية غسل الميت للرجال والنساء.. اعرف الطريقة الشرعية    وصول أبطال كأس السوبر المصري إلى القاهرة عبر مصر للطيران    رئيس جامعة القاهرة يستعرض تقرير القافلة التنموية الشاملة بكفر طهرمس    هيئة الدواء: ضخ 47 مليون عبوة دواء من المضادات الحيوية وعلاج الضغط بالصيدليات    بحضور شيخ الأزهر .. بروتوكول تعاون بين «الرعاية الصحية» وبيت الزكاة والصدقات لعلاج المرضى غير القادرين    «الإفتاء» توضح عدد ركعات سنن الجمعة وحكم الصلاة دون أدائها (فيديو)    أمطار رعدية وسيول.. الأرصاد السعودية تطلق تحذيرا عاجلا من طقس اليوم    محافظ أسيوط يكرم الفائزين بالمسابقات العلمية الدولية ويطلب تنظيم مسابقة لأوائل الطلاب    الآلاف يحتفلون بالليلة الختامية لمولد إبراهيم الدسوقي| فيديو    ميدو: شيكابالا قائد بمعنى الكلمة..ولم يسعى لأخذ اللقطة    مواعيد تشغيل مترو الأنفاق في التوقيت الشتوي    "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا".. موضوع خطبة الجمعة بمساجد الأوقاف اليوم    قوات الدفاع الشعبي والعسكري بالغربية تنظم عدداً من الأنشطة والفعاليات    بعثة الأهلي تصل إلى القاهرة بعد التتويج بالسوبر المصري    حمادة هلال ينعى والدة أحمد عصام    إدارة نوادي وفنادق القوات المسلحة تفتتح نادى النيل بعد انتهاء أعمال تطويره    أيهما أفضل أداء تحية المسجد والإمام يخطب أم الجلوس والاستماع؟.. لجنة الفتوى توضح    سوليفان: واشنطن لا تسعى لتغيير النظام في طهران    طريقة عمل الكيكة السريعة، لفطار مميز وبأقل التكاليف    محمد صلاح: الزمالك قدم مباراة قوية رغم الظروف.. وجوميز أخطأ في التشكيل منذ البداية    ارقصوا على قبري.. سعاد صالح توجه رسالة نارية لفنان شهير    رد فعل شيكابالا عقب إهدار ركلة الجزاء في مباراة الأهلي والزمالك    مي فاروق تختتم مهرجان الموسيقى العربية بأغنية "ألف ليلة وليلة" لأم كلثوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عزة الحناوي: عن الحركة الطلابية المصرية
نشر في البديل يوم 13 - 10 - 2014

الحركة الطلابية المصرية علماً فى حد ذاته ومعلماً ثورياً يدرس التمرد فى شتى بقاع البسيطة, فذلك التاريخ المستمر والمقتطع من خضار الأزهار لشيب الأعمار,تلك التى لعبت دورا كبيرا في الحركة الوطنية الرامية إلى تحقيق الاستقلال التام ومقاومة الملك الفاسد.. ولذلك لم يكن غريبا أن يقول المؤرخ الفرنسي والتر لاكير "لم يلعب الطلاب دورا في الحركة الوطنية مثل الدور الذي لعبه الطلاب في مصر".
ويرجع فضل تنظيم الطلبة كقوة فعالة في مجال العمل الوطني إلى الزعيم مصطفى كامل الذي اهتم بتنظيم صفوف طلبة المدارس العليا لدعم الحركة الوطنية بتأسيس ( نادى المدارس العليا) عام 1905 بهدف تنمية الوعي السياسي للطلبة وتعبئتهم ضد الاحتلال البريطاني الغاشم.. كانت شعارات وخطب ومقالات مصطفى كامل يغلب عليها الطابع الرومانسي وتلهب مشاعر الجماهير لكنها لا توحي بعمل شئ على الأرض أو القيام بتمرد يشعل ثورة.. و ذلك لأن الحزب الوطني الذي أسسه مصطفى كامل كان حزبا ليبراليا ملكيا ينادي بالاستقلال عن الإنجليز والاحتفاظ بالإصطفاف فى وحدة الدولة العثمانية.
وبعد وفاته جاء بعده الزعيم محمد فريد ليرعى هذه النواة للحركة الطلابية ويطور دور الطلاب في الحركة الوطنية من خلال تنظيم الإضرابات وحركات الاحتجاج وتنظيم المظاهرات وتوزيع المنشورات أو العمل السري الموجه ضد الإنجليز والمتعاونين معهم مما أدى إلى نفيه وأدى ذلك إلى ضعف الحزب الوطني و اتجاه أفراده إلى العمل السري الذي اتخذ طابع النضال و التضحية الجسدية.
وقد سادت الأوساط الطلابية المتمردة في هذه الفترة, أيديولوجية ليبرالية نشرها الحزب الوطني وكانت الأكثر شيوعا والأيديولوجية الماركسية التى وجدت طريقها إلى الأوساط الطلابية من خلال تحركاتهم في الخارج واحتكاكهم باليسار الأوروبي ومن خلال وعي فكري متقدم بالقضايا الوطنية و الاجتماعية في مصر.
فبعد الاحتلال البريطاني لمصر, دفع الحماس الجارف المثقفين الثوريين و في مقدمتهم الطلبة إلى صفوف الحزب الوطني لأنه كان يهاجم الاحتلال بقوة داعيا إلى الحكم الذاتي وإن كان ذلك في ظل الإمبراطورية العثمانية.. إلا أن ضعف القوى الاجتماعية في الحزب الوطني وعزلتها السياسية عن الجماهير أضعفت الحزب من الداخل, و لكنه كثف من نشاطاته في الخارج من خلال الجمعيات الطلابية في أوروبا, وقد كان لاحتكاك هذه الجمعيات بالأوساط الأوروبية ذات الطابع اليساري والمؤيدة للقضية المصرية, ما طور من مفاهيم و مبادئ الحزب في نفوس الطلاب.
ولما كانت هذه الجمعيات على اتصال دائم بطلاب الداخل فقد وزع الحزب سنة 1907 منشورا في القاهرة بتوقيع "شباب الحزب الوطني" يدعو المصريين إلى دراسة الاشتراكية والاهتمام بها.
ثورة 1919 أشعلوها و قادوها
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى واقتراب موعد مؤتمر الصلح في باريس الذي سيتقرر فيه مصير الدول والشعوب قرر سعد زغلول وكيل الجمعية التشريعية المنتخب حضور المؤتمر للمطالبة بحق مصر في الاستقلال, و رفض المندوب السامي البريطاني السماح لسعد بالسفر بدعوى أنه لا يعبر عن الشعب وإنما يعبر عن الباشوات, فقرر سعد زغلول جمع توقيعات من أعضاء الهيئات النيابية و العمد والأعيان وأعضاء المجالس المحلية بدعوى أنهم يمثلون الأمة ولكن الطلاب كان لهم رأي آخر حيث قرروا توزيع أنفسهم إلى لجان عمل تجوب المحافظات لتجمع توقيعات من كافة أبناء الشعب المصري عمال فلاحين وموظفين.
رفض المندوب السامي مرة أخرى السماح لسعد بالسفر فنشط سعد في سلسلة من الاجتماعات والخطب والمؤتمرات, وكان الطلاب يتحركون معه في كل مكان فتحول سعد من وكيل الجمعية التشريعية إلى زعيم للأمة فأصدرت القوات البريطانية قرارا باعتقاله يوم 8 مارس 2003.
وفي صباح اليوم التالي 9 مارس تجمع الناس عند بيت الأمة فصاح فيهم عبد العزيز بك فهمي "دعونا نعمل في هدوء" وما أن بلغت الساعة التاسعة صباحا حتى انطلق صوت الطلبة "الاستقلال التام أو الموت الزؤام .. سعد سعد يحيا سعد" , بادر طلاب الحقوق والتى كانت آنذاك الكلية الأشهر فى مصر, بالتحرك وتبعهم في هذا طلاب مدرسة المهندسخانة ومدرسة التجارة التي ألقى فيها الأستاذ أحمد ماهر خطابا قال فيه "مكان الطلبة اليوم في الشارع لا على مقاعد الدراسة" وكذلك تحرك طلاب مدرسة الزراعة والطب ودار العلوم وطلبة مدرسة الإلهامية الثانوية والتجارة المتوسطة والقضاء الشرعي .. حاصرت القوات البريطانية الطلبة في ميدان السيدة زينب وقابلوهم بعنف شديد لدرجة جعلت الأهالي يتضامنون مع الطلاب وألحقوا خسائر بالقوة البريطانية التي طلبت تعزيزات أخرى من الجيش فأمكن تشتيت المتظاهرين ونقل الجرحى إلى المستشفيات واعتقل 300 طالب.
مرت أيام الثورة الأولى ولا يوجد في ميدانها سوى فرسان الحركة الطلابية المصرية كانت المظاهرات تخرج سلمية ثم ما تلبث أن تنقلب دموية حيث رصاص قوات الاحتلال الإنجليزي وقد أصدرت قيادة الوفد في هذه الأثناء بيانا مزورا نسبته إلى الطلاب ودعت فيه إلى وقف المظاهرات والاعتذار على أحداث العنف التي قام الطلاب بها!! فحدث صدام بين الطلاب وقيادة الوفد بسبب هذا البيان حيث تأكد الطلاب أن هذه القيادة غير مؤهلة لقيادة الثورة.
وفي اليوم الرابع للثورة انتشر المد الثوري في جميع أنحاء الجمهورية بعد أن أرسل الطلاب زملائهم الذين ينتمون لمحافظات وقرى مختلفة لتحريك ذويهم فتحرك الطلاب في زفتى وطنطا وأسيوط وإسكندرية وشبين الكوم وكافة أنحاء الجمهورية.. حتى طلاب المدارس العسكرية ومدرسة البوليس تحركوا في مظاهرة في 2 إبريل أمام قصر البستان وبعض السفارات الأجنبية و وصل تأثير الطلاب مداه حتى أفرجت سلطات الاحتلال عن سعد زغلول.
واستمر الطلبة في المظاهرات وسقط عدد أكبر من الشهداء واستمر سعد في خطبه الحماسية للشعب المصري وفي مقدمته الطلبة حتى تم اعتقاله مرة أخرى وتحت ضغط المظاهرات الطلابية أفرجوا عنه واستقبل الشعب سعد بحفاوة بالغة ولكن الاستقبال اختلف هذه المرة حيث حمل الأهالي الطلبة على الأعناق وهتفوا لهم.
بعدها صدر دستور 1923 الذي يحد بشكل كبير من اختصاصات الملك وجرت الانتخابات التي لعب فيها الطلبة دورا كبيرا في فوز سعد و من رشحهم ب 200 مقعد من أصل 240 وتولى سعد رئاسة الحكومة.
وعند تأسيس ((الجامعة المصرية)) كجامعة حكومية عام 1925 وانضمام بعض المدارس العليا إليها جاء الطلاب وأساتذتهم يحملون معهم خبرات النضال الوطني وبصفة خاصة طلبة الحقوق الذين كانوا من انشط العناصر الطلابية في العمل السياسي الوطني كما حمل شباب الجامعة معهم هموم الوطن الذي كافح من اجل نيل حريته فلم يجن إلا استقلالا منقوصا ومع ما شاب دستور 1923 من اوجه القصور إلا أن الملك ضاق به وعطله ثم ألغاه ليخلق بذلك قضية جديدة شغلت المصريين جميعا وهى قضية الديموقراطية والمطالبة بعودة دستور 1923 أضف إلى ذلك ما منيت به جولات المفاوضات المصرية – البريطانية من فشل ذريع وعجز عن رفع القيود التي تكبل الاستقلال الوطني وبقاء السيطرة الأجنبية على الاقتصاد المصري تلك السيطرة التي استظلت بحماية الامتيازات الأجنبية والمحاكم المختلطة.
كما حاولت حكومات الأقلية الموالية للقصر أن تحد من حركة طلاب الجامعة وتقيم الحواجز في وجه النشاط السياسي للطلبة من ذلك القانون رقم 22 لسنة 1929 الذي أصدرته وزارة محمد محمود باشا بضغط من الإنجليز وهو القانون الخاص بحفظ النظام في معاهد التعليم ونصت مادته الأولى على (( أن يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة اشهر أو بغرامة من عشرين إلى خمسين جنيها كل من استعمل القوة أو العنف أو الإرهاب أو التهديد أو المناورات أو الأعطية أو الوعود أو أي طريق أخرى لدعوة تلاميذ وطلبة المدارس أو الكليات أو غيرهما من معاهد التعليم أو الانقطاع عنها أو إلى تأليف لجان أو جماعات سياسية للطلبة أو الانضمام إليها أو إلى حضور اجتماعات سياسية أو إلى الاشتراك بأية طريقة كانت في تحرير أو توقيع أو طبع أو نشر أو توزيع محاضرات سياسية أو احتجاجات موجهة إلى السلطات بشأن مسائل أو أمور صبغة سياسية )) كانوا يهدفون من ذلك صرف أنظار الطلاب عن تدعيم المعارضة السياسية للانقلاب الدستوري عام 1930 – 1933 بتبني الحكومة وإدارة الجامعة لنشاط الطلاب الاجتماعي وتشجيعهم عليه كمشروع القرش وجمعية الطلبة لنشر الثقافة وغيرها .
ورغم ذلك ظل طلبة الجامعة يمارسون دورهم في العمل السياسي الوطني – بصورة أو بأخرى طوال تلك الحقبة غير انهم كانوا أصحاب مبادرات سياسية هامة شكلت نقطة تحول في العمل الوطني في مراحل حاسمة من تطوره من ذلك انتفاضة الطلاب عام 1935 التي فرضت على الأحزاب السياسية تكوين ((الجبهة الوطنية)) ومن ذلك – أيضا – تكوين ((اللجنة الوطنية للطلبة والعمال)) عام 1946 التي طرحت نفسها كقيادة سياسية بديلة للأحزاب التقليدية
انتفاضة 1935 وتشكيل الجبهة الوطنية:
ساد التوتر الساحة السياسية المصرية مع مطلع عام 1935 فمنذ تولى محمد توفيق نسيم باشا الوزارة ( 14 نوفمبر 1934 ) تعلقت الآمال على استعادة دستور 1923 وخاصة عندما ألغت الوزارة الجديدة دستور 1930 غير أنها لم تتخذ قرارا بعودة دستور 1923 بضغط من القصر والإنجليز ثم ما لبثت إيطاليا الفاشية أن غزت الحبشة فاستاء المصريون لهذا العدوان وخشوا أن تزج بريطانيا بمصر في عمل عسكري ضد إيطاليا وفى ظروف صعبة كتلك الظروف كان الأمر يتطلب توحيد صفوف القوى السياسية المختلفة وراء المطالبة باستعادة الدستور وتحديد العلاقات مع بريطانيا من خلال التفاوض حول معاهدة تنهى وضع مصر المعلق منذ تصريح 28 فبراير 1922 غير أن الأحزاب السياسية شغلت بصراعاتها وراح كل منها يزاحم الآخر في تصدر الحركة السياسية وسعى كل منها – أيضا – لجذب الطلبة إلى جانبه فبذل الوفد والأحرار الدستوريين الجهد الأكبر في هذا المجال ووسط هذا الجو المليء بالمشاحنات السياسية ألقى وزير الخارجية البريطاني (السير صامويل هور) بيانا أعلن فيه أنه عندما استشيرت الحكومة البريطانية في شان دستور 1923 نصحت بعدم إعادته أو إعادة دستور 1930 لان الأول ثبتت عدم صلاحيته لمصر والآخر يتعارض مع رغبات المصريين ( 9 نوفمبر 1935 ) وجرح هذا التصريح المشاعر الوطنية للمصريين الذين أيقنوا أن بريطانيا تتدخل في أدق شئون بلادهم وتحول السخط الوطني المتراكم إلى انتفاضة كبرى أعادت إلى الأذهان حوادث ثورة 1919 وملك طلبة الجامعة زمام المبادرة فعقدوا اجتماعا داخل حرم الجامعة بالجيزة في ذكرى عيد الجهاد ( 13 نوفمبر ) أدانوا فيه موقف بريطانيا ثم خرجوا من الجامعة في مظاهرة كبرى سلمية فتصدى لهم البوليس طالبا منهم الانفضاض وعندما رفضوا ذلك أطلق البوليس النار عليهم فأصيب طالبان إصابة خطيرة وأصيب عدد آخر منهم بإصابات طفيفة مع ذلك استمروا يهتفون بحياة مصر وحياة الاستقلال وحياة دستور الأمة وفى اليوم التالي ( 14 نوفمبر ) أعاد طلبة الجامعة تنظيم صفوفهم وخرجوا في مظاهرة كبرى صوب القاهرة غير أن البوليس كان قد حشد قواته للحيلولة دونهم ودون الزحف على وسط القاهرة فحاصر نحو الثلاثمائة طالب من المتظاهرين فوق كوبري عباس وأطلق عليه النار فقتل طالب الزراعة محمد عبد المجيد مرسى وجرح طالب الآداب محمد عبد الحكم الجراحي جرحا بالغا مات على أثره في اليوم التالي وألقى القبض على عدد من الطلاب وأصدرت إدارة الجامعة قرارا بتعطيل الدراسة لمدة عشرة أيام تحاشيا لتطور الموقف ولكن دون جدوى فقد استمر مجلس اتحاد طلاب الجامعة يقود الحركة وينظمها فأرسل اتحاد الطلبة برقية احتجاج إلى عصبة الأمم على تصريح وزير الخارجية البريطاني وعلى اعتداء البوليس بقيادة الضباط الإنجليز على الطلبة وأعلنوا عزمهم على متابعة الجهاد حتى يتحقق الاستقلال ونظم طلاب الجامعة مظاهرة أخرى (يوم 16 نوفمبر) استخدموا فيها الحجارة والمقذوفات الزجاجية ضد البوليس وكان لطلبة الطب فيها دور ملحوظ فجرح ضابط إنجليزي كبير في رأسه جرحا بالغا كما أصيب طالب آخر بالرصاص البوليس هو الطالب على طه عفيفى (من دار العلوم) ومات في اليوم التالي متأثرا بجراحه وانتشرت المظاهرات الطلابية بعد ذلك في مختلف أنحاء القاهرة والمدن الكبرى ونظم إضراب عام (يوم 28 نوفمبر) حدادا على الشهداء فأغلقت المتاجر بالقاهرة واحتجبت الصحف وعطلت المواصلات وفى 7 ديسمبر أقام طلاب الجامعة في فنائها نصبا تذكاريا تخليدا لشهداء الجامعة أزيح الستار عنه في احتفال مهيب وتضامن أعضاء هيئة التدريس بالجامعة مع الطلاب فعقد أساتذة كلية الآداب اجتماعا (يوم 26 نوفمبر) بحثوا فيه الأمر وقدموا لمدير الجامعة ووزير المعارف مذكرة تضمنت رأيهم في الموقف ذكروا فيها أن الطلبة قاموا بمظاهرات سلمية قوبلت بالعنف الشديد وارجعوا أسباب القلق الذي يسود طلاب الجامعة إلى تدخل الإنجليز في شئون البلاد وأعلنوا انهم يلفتون أنظار الأمة إلى أن مستقبل الوطن عامة والعلم والمتعلمين خاصة تتهدد الأخطار ما بقى هذا القلق متسلطا على النفوس وان ما يسببه الإنجليز من القلق في مصر لا يلائم مصلحة مصر أو بريطانيا أو السلام العام وكان تحرك أساتذة الآداب حافزا لزملائهم في كليات الهندسة والحقوق والزراعة والتجارة على الاحتجاج على تصريح هور والأسلوب الذي اتبع في مواجهة مظاهرات الطلبة كما كان للقضاء المصري موقف وطني مشرف من طلاب الجامعة الذين قدموا للمحاكمة أمام محكمة عابدين الجزئية (يوم 27 نوفمبر) إذ اصدر القاضي حسين إدريس أحكاما بالغرامة تتراوح بين عشرين قرشا وجنيها واحدا وقال في حيثيات الحكم ((أن المتجمهرين جميعا أو في أغلبيتهم الساحقة كانوا من طلبة اكبر معهد علمي في البلاد وهم بطبيعة ثقافتهم وفطنتهم يدركون أن مظاهرتهم هذه لا تؤثر على السلطات في أعمالها ذلك التأثير الذي يقصده القانون)) أما عن تهمة استعمال العنف ضد البوليس فقد بررها القاضي بأنها كانت دفاعا عن النفس وقد أثارت تلك الأحكام ثائرة المندوب السامي البريطاني فضغط على الحكومة لإصدار تعليمات للقضاة بتوقيع أقصى العقوبة على الطلاب.
ولم تقتصر جهود طلبة الجامعة على المظاهرات الاحتجاجية بل نظموا حركتهم من خلال تكوين لجنة أطلقوا عليها اسم ((اللجنة العليا للطلبة)) انبثقت منها لجان أخرى لتوجيه الدعاية الإعلامية لحركة وتعبئة الرأي العام وراءها والاتصال بالسياسيين والأحزاب مع الحرص الشديد على استقلال حركتهم عن الأحزاب السياسية وراحوا يطوفون على زعماء الأحزاب السياسية يدعونهم إلى تكوين جبهة وطنية متحدة لإنقاذ البلاد ففي 21 نوفمبر أصدرت ((اللجنة العليا للطلبة)) بيانا ناشدت فيه جميع الهيئات السياسية الوقوف جبهة واحدة في وجه العدو الغاصب للمطالبة بالاستقلال التام لمصر والسودان والتمسك بدستور 1923 فاستجاب زعماء الأحزاب – وخاصة أحزاب الأقلية – لهذه الدعوة وجاءت الاستجابة الأولى من محمد محمود باشا رئيس حزب الأحرار الدستوريين ثم اضطر الوفد وغيره من الأحزاب إلى قبول فكرة (( الجبهة المتحدة )) بعدما زادت ضغوط الحركة الطلابية وتطورت الأحداث بعد ذلك بالشكل الذي أدى إلى إعادة العمل بدستور 1923 ووصول الوفد إلى الحكم وبذلك كان طلاب الجامعة قد نجحوا في تحريك الموقف السياسي بصورة إيجابية وان كانت الظروف الدولية قد دفعت بريطانيا إلى تهدئة الأمور حتى تستطيع إبرام معاهدة مع وزارة مصرية تحظى بتأييد شعبي
اللجنة الوطنية للطلبة والعمال ( 1946 ):
زادت الانتفاضة الطلابية عام 1935 الأحزاب السياسية اقتناعا بتدعيم ركائزها بين صفوف الطلبة, وان كان النصف الثاني من الثلاثينيات قد شهد علو مد نشاط مصر الفتاة, بين صفوف الطلاب ثم جماعة الإخوان المسلمين التى كان لها الدور الأبرز فى تاريخ الحركة الطلابية من تضحيات و نضال غير منقطع بقيادة الإمام"حسن البنا" مؤسس الجماعة, حتى كانت بداية الأربعينيات عندما بزغت المنظمات الماركسية كفكر غريب ومثير للمجتمع, بين صفوف طلبة الجامعة
وخلال الحرب العالمية الثانية كانت الأحكام العرفية تحول دون قيام الطلاب بنشاط سياسي معارض بصورة علنية ومن ثم بدا النشاط السري يتخذ مواقعه بين طلاب الجامعة وأصبحت المنشورات أداة النشاط للتعبير عن المواقف السياسية للطلبة الذين فقدوا روح الاتحاد التي جمعت بين صفوفهم في انتفاضة 1935 غير انهم عادوا في نهاية الحرب يفرضون وجودهم على الساحة السياسية مطالبين بالاستقلال الوطني والعدالة الاجتماعية معا من خلال صيغة تنظيمية جديدة طرحت كبديل للقيادات السياسية التقليدية فقد كانت مصر تعانى أزمة اقتصادية خانقة كنتيجة طبيعية لظروف الحرب التي حملت مصر أعباء فوق طاقتها وبسبب التضخم الذي أدى إلى زيادة تكاليف المعيشة زيادة كبيرة وتفاقمت أزمة البطالة بين خريجي الجامعة وبين العمال على السواء وأثبتت الحرب أن (( معاهدة الشرف والاستقلال)) التي أبرمت مع بريطانيا عام 1936 كانت قيدا ثقيلا على حركة مصر وأنقصت من السيادة الوطنية لذلك كان المصريون جميعا يرون إلغاء المعاهدة والجلاء التام عن مصر والسودان وحل المعضلة الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية
ولما كان طلاب الجامعة يعبرون عن ضمير مصر السياسي وتمثل بينهم جميع التوجهات السياسية والأحزاب والهيئات السياسية الموجودة في مصر فقد تهيئوا للعب دور جديد فعال بعد أن وضعت الحرب أوزارها واتجه طلاب الجامعة إلى توحيد صفوفهم فقامت لجنة سميت (( لجنة أعمال الشباب )) – في سبتمبر 1945 – ضمت الطلبة المنتمين إلى الحزب الوطني والوفد والأحرار الدستوريين والهيئة السعدية والكتلة الوفدية والإخوان المسلمين ومصر الفتاة وبعض المستقلين لتحقيق وحدة الحركة الطلابية ولكن يبدوا انهم لم ينفقوا على برنامج موحد للعمل فعادوا إلى الانقسام وخاصة عندما نشط الإخوان المسلمين كما هو معروف عنهم بشكل يفوق قوة اللجنة فغضبت بعض النفوس و انقسمت الوحدة.
ومع بداية العام الدراسي (أكتوبر 1945) قامت محاولة أخرى لتكوين جبهة طلابية لعب فيها الشيوعيين و الطليعة الوفدية الدور الأساسي في التنظيم وتجاوزت دعوة الجبهة – هذه المرة – حدود الجامعة لتمتد إلى طلبة الأزهر والمعاهد العليا والفنية فعقد اجتماعا بكلية الطب ضم ممثلين للطلبة اتخذ قرارا بتكوين ((اللجنة التحضيرية للجنة الوطنية للطلبة)) وحددت الجبهة الجديدة أهدافها بالنضال من اجل الاستقلال الوطني والتخلص من السيطرة الاستعمارية الاقتصادية والسياسية والثقافية والعمل على تصفية العملاء المحليين للاستعمار واعتبرت اللجنة التفاوض مع المستعمر حول حقوق الوطن جريمة لا تغتفر واتفق المجتمعون على ضرورة تنظيم نضال الجماهير من خلال لجان وطنية تشكل لهذا الغرض بطريقة الانتخاب وبدؤوا التطبيق الفعلي لذلك بانتخاب (( لجنة تنفيذية )) منبثقة عن اللجنة التحضيرية ضمت عناصر من شباب الطليعة الوفدية والمنظمات الماركسية وطلاب الإخوان المسلمين وتولى رئاسة اللجنة التنفيذية الطالب مصطفى موسى وتولى السكرتارية ثلاثة من الطلبة أيضا هم فؤاد محي الدين وعبد المحسن حموده وعبد الرؤوف أبو علم وكانت الحكومة المصرية قد ارسلت مذكرة رسمية إلى الحكومة البريطانية تدعوها إلى الدخول في مفاوضات لإعادة النظر في معاهدة 1936 فتأخر وصول رد بريطانيا مما أثار القلاقل السياسية وعندما تسلمت الحكومة المصرية الرد ( في 26 يناير 1946 ) جاء الرد خاليا من الإشارة إلى موضوع الجلاء واقتصر على مراجعة المعاهدة في ضوء التجارب المشتركة مع مراعاة ميثاق الأمم المتحدة وأصدرت اللجنة التنفيذية للطلبة بيانا أبدت فيه رأيها في مذكرة الحكومة المصرية و انتقدت تدويلها للقضية كما انتقدت الرد البريطاني على المذكرة المصرية وراحت تثير الشبهات حول نوايا بريطانيا وطالبت الحكومة بعدم الدخول في مفاوضات إلا على أساس الجلاء على أن يصدر بذلك تصريح رسمي من جانب الحكومة البريطانية وطالبت الأحزاب المصرية بتحديد مواقفها في حالة رفض الحكومة البريطانية مبدأ التفاوض على أساس الجلاء ووحدة وادي النيل ثم وجهت اللجنة التنفيذية الدعوة إلى الطلبة لعقد مؤتمر عام في 9 فبراير للنظر في الموقف الراهن فعقد اجتماع كبير داخل الحرم الجامعي انتهى بإصدار بيان موجه إلى الملك طالبوا فيه الحكومة برفض الرد البريطاني رفضا قويا وعدم الدخول في مفاوضات مع بريطانيا إلا بعد إصدارها تصريح رسمي تعترف فيه بحق مصر في الجلاء ووحدة وادي النيل وطالبوا بسحب عبد الحميد بدوي باشا من وفد مصر في الأمم المتحدة بسب التصريح الذي أدى به إلى تدويل القضية المصرية مما اعتبره الطلاب ضارا بالقضية الوطنية .
وبعد المؤتمر قرر الطلبة التوجه في مظاهرة كبرى إلى قصر عابدين لرفع مطالبهم إلى الملك وكان البوليس قد اعد للأمر عدته منذ أعلنت اللجنة عن عقد المؤتمر فما كاد الطلاب يتحركون على كوبري عباس حتى فتحه البوليس الذي هاجمهم من الخلف فأصيب الكثير منهم وكما حدث عام 1935 أدت مواجهة المظاهرة الطلابية السلمية بالعنف إلى استمرار المظاهرات في اليوم التالي ( 10 فبراير ) وامتدادها إلى الإسكندرية والزقازيق والمنصورة وأسيوط وتصدى لها البوليس بالقوة ليقع المزيد من الإصابات بين المتظاهرين الذين خرجوا للتظاهر في تلك المدن احتجاجا على مأساة كوبري عباس وأرسلت اللجنة التنفيذية للطلبة مذكرة احتجاج إلى الملك على مواجهة الحكومة لهم بالعنف وعلى ما حدث يوم 9 فبراير وطالبوا بان تصر الحكومة المصرية على التفاوض إلا على أساس الجلاء ووحدة وادي النيل دون قيد أو شرط وحل المشاكل الاقتصادية حلا عاجلا والتوجه إلى مجلس الأمن لعرض قضية مصر في حالة رفض بريطانيا لمبدأ الجلاء على أن تطالب الدول العربية بتأييد مصر تأييدا رسميا وتضامن أعضاء هيئة التدريس بالجامعة مع الطلاب فقدموا احتجاجا على سياسة القمع التي انتهجتها الحكومة معهم وطالبوا بإجراء تحقيق عاجل لتحديد المسئولية فيما وقع من حوادث أليمة كما تضامنت معهم اتحادات خريجي الجامعة وخريجي الأزهر وكانت أحداث 9و10 فبراير موضع هجوم المعارضة على حكومة النقراشى باشا داخل مجلس النواب وقام الطلاب بتحطيم الزينات التي علقت على الجامعة بمناسبة الاحتفال بعيد ميلاد الملك فاروق وانتزعوا صورته وداسوها بالأقدام وكان مقررا أن يقوم الملك بزيارة الجامعة ووضع حجر الأساس للمدينة الجامعية فأعلن الطلاب مقاطعة الزيارة ولم يسمح بحضور الاحتفال إلا للطلبة الذين اختارهم الأمن بعناية من العناصر التي يطمئن إليها.
وإزاء عجز الوزارة عن حفظ الأمن والنظام لم يكن أمامها سوى الاستقالة فقدم النقراشى باشا استقالة وزارته في 15 فبراير 1946 وكلف الملك إسماعيل صدقي باشا بتشكيل الوزارة الجديدة واتبع صدقي باشا سياسة المهادنة فسمح بالمظاهرات وأطلق سراح الطلاب المعتقلين وكفت الحكومة عن مواجهة المظاهرات بالعنف وفى نفس الوقت راح يعمل على تفتيت جبهة الطلاب وشق صفوفهم فاستمال الإخوان المسلمين إلى جانب الحكومة كما استمال بعدهم شباب مصر الفتاة حتى يضرب الحركة الطلابية من داخلها ولم يبق باللجنة الوطنية للطلبة سوى الوفديين والشيوعيين وبعض شباب الأحزاب الصغيرة الأخرى وبعض المستقلين , ولعب الشيوعيون دورا هاما في دعم اللجنة الوطنية للطلبة بالالتحام مع الحركة العمالية فتكونت (( الجنة الوطنية للطلبة والعمال )) التي أصدرت بيانا أعلنت فيه قرارها بان يكون يوم الخميس 21 فبراير ((يوم الجلاء)) يقوم فيه المصريون بإضراب عام استئنافا للحركة الوطنية ((التي تشترك فيها كل عناصر الشعب المصري متكتلة حول حقها في الاستقلال التام والحرية الشاملة)) ونادت بتعطيل الأعمال العامة والمواصلات وإغلاق المحلات التجارية والمصانع ودور العلم في جميع أنحاء البلاد
الاحتجاج على هزيمة 1967
لم ينته دور الجامعة في الحركة الوطنية بانتهاء ذلك الدور الكبير الذي لعبه الطلبة في الحركة بعد الحرب العالمية الثانية فقد استمر طلاب الجامعة وهيئة التدريس فيما يعبرون عن الضمير الوطني في السنوات السابقة على ثورة يوليو 1952 فكان لهم دور بارز في الأحداث التي ترتبت على إلغاء معاهدة 1936 على يد حركة الكفاح المسلح ضد الوجود البريطاني في قناة السويس
وخلال تلك الفترة ( 1946 – 1952 ) كان النشاط السياسي داخل الجامعة قسمة بين الوفديين والشيوعيين والإخوان المسلمين كقوى سياسية أساسية إلى جانب بعض من ساروا في ركاب الحزب الاشتراكي ( مصر الفتاة ) وكان مظهر النشاط السياسي الوطني تنظيم المظاهرات وإضرابات في المناسبات الوطنية المختلفة.
وظل النشاط السياسي محصورا بين تلك القوى الأربع حتى قيام ثورة يوليو وتشكيل ( هيئة التحرير ) يناير 1953 فاستطاع التنظيم الجديد أن يستقطب عدد من الطلبة كما استقطب بعض أعضاء هيئة التدريس.. واصبح النشاط السياسي محظورا داخل الجامعة ولم يتم استئنافه إلا في الستينات غير انه كان قاصرا على أعضاء ( الاتحاد الاشتراكي العربي) و (منظمة الشباب) أما العناصر السياسية و الأساسية الأخرى والتى كان من أبرزها "الاخوان المسلمين" فاتجهت إلى العمل السري.
و بعد هزيمة يونيو 1967 والأحكام الهزيلة التي حكم بها على الضباط الذى قال عبدالناصر انهم المتسببين في النكسة اخذ السخط يتراكم في صدور الجماهير وخاصة العمال وطلاب الجامعة فعند إعلان أحكام قضايا التقصير والإهمال في سلاح الطيران التي اتهم فيها بعض الضباط ( 20 فبراير 1968 ) وكذلك أحكام ضباط المدرعات أحس الناس أن العقوبات التي جاءت بالأحكام لا تتناسب مع كارثة الهزيمة فانفجرت براكين الغضب الشعبي التي بدأت بعمال المصانع الحربية بحلوان الذين خرجوا في مظاهرة عامة متجهين إلى القاهرة فتصدت لهم قوات الأمن في ( 21 فبراير).
وعندما وصلت أنباء حوادث حلوان إلى الجامعة بعد ظهر نفس اليوم اجتمع الطلاب بأحد مدرجات كلية الآداب وشكلوا من بينهم لجنة لرفع رأيهم في الأحكام وفى أحداث حلوان وظلوا مجتمعين حتى المساء وحضر الاجتماع مدير الجامعة في محاولة لاحتواء الموقف وتجنب المضاعفات واستمر الاجتماع إلى اليوم التالي رغم انه كان عطلة رسمية (عيد الوحدة) حيث حضر وزير التعليم العالي وتناقش مع الطلاب على مدى أربع ساعات طرحوا خلالها مطالبهم التي كانت تتصل باتحاد الطلاب والاتحاد الاشتراكي وإدارة الجامعة وفوق ذلك كله أمر (( النكسة)) ومسالة الأحكام فوعد الوزير ببحث المطالب مع جهات الاختصاص ورفع ما اتصل بالنكسة والأحكام إلى الرئيس جمال عبد الناصر وقد أصر الطلاب على رفع المطالب السياسية للرئيس المتسبب فى الهزيمة.
وكانت المطالب محصورة في أمر النكسة والاحتجاج على الأحكام ثم أخذت تتسع لتشمل الحريات العامة وكان من الممكن احتواء الموقف لو أبدت السلطة حسن نواياها تجاه الطلاب غير انه تم إلقاء القبض على بعض أعضاء اللجنة التي شكلها الطلاب فانفجرت المظاهرات حيث خرج طلبة الهندسة من كليتهم إلى حرم الجامعة ثم انضم إليهم طلبة الكليات الأخرى واتجهوا في مظاهرة كبيرة إلى كوبري الجامعة صوب وسط المدينة مطالبين بالإفراج عن الطلبة المعتقلين مرددين شعارات التنديد بالهزيمة مطالبين بمحاكمة المسئولين عنها وبإطلاق الحريات العامة وتصدت قوات الأمن للطلاب عند مدخل كوبري الجامعة كما تصدت لطلاب الطب الذين كانوا يتحركون في نفس الوقت لملاقاة زملائهم رافعين نفس المطالب مرددين نفس الهتافات كذلك تزامنت حركة طلاب جامعة القاهرة مع طلاب جامعة عين شمس الذين خرجوا في مظاهرة كبيرة قابلتها قوات الأمن بالعنف عند ميدان العباسية ورغم حصار قوات الأمن استطاع الطلبة اختراق حواجز الشرطة والوصول إلى وسط المدينة (ميدان التحرير وباب اللوق) حيث ظلوا يرددون الهتافات احتجاجا على النكسة والأحكام القضائية الهزيلة على المتسببين فيها و مطالبين بالإفراج عن زملائهم المعتقلين.
وعند منتصف الليل اتخذ مجلس الوزراء قراراً بإلغاء الأحكام التي صدرت وإحالة القضية إلى محكمة عسكرية عليا أخرى وتمت الاستجابة لمطالب الطلبة الخاصة بإعطاء مزيد من الاستقلال والفاعلية وحرية الحركة لاتحاداتهم والسماح للاتحادات بالعمل السياسي وصدر قرار رئيس الجمهورية رقم 1532 لسنة 1968 بشان تنظيم الاتحادات الطلابية منفذا لهذه المطالب وبدأت الجامعة تموج بالحركة وعاد الطلاب يعبرون عن آرائهم بحرية داخل الجامعة و ارتفعت يد منظمة الشباب عن الجامعة.
الحركة الطلابية في السبعينات
بعد وفاة جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 2003 وتولي السادات السلطة في مصر كانت ردته على الناصرية هي إيذانا ببدء عهد جديد في مصر يتسم بالانفتاح الاقتصادي والتبعية لأمريكا وللكيان الصهيونية والتخلي عن القضايا العربية.. وكانت هذه السياسة الجديدة بعيدة كل البعد عن طموحات و آمال فرسان الحركة الطلابية المصرية الذين تصدوا للسادات من بداية عهده مطالبين بالثأر وخاصة حين أعلن أن عام 1971 هو عام الحسم.
اجتاحت مظاهرات الطلبة جميع أنحاء الجمهورية مطالبة بالثأر وواجهتها سلطة السادات بكافة أشكال العنف من ضرب و تعذيب واعتقال فقد أعلن السادات أن عام 1971 هو عام الحسم و لم يحرك ساكنا و أعلن أن عام 1972 هو عام "الضباب"! ولهذا لن يستطيع الدخول في معركة مما أشعل نيران الغضب في صدور الطلاب وعمت مظاهراتهم جميع أنحاء مصر حتى بدأ السادات يشعر تجاهها بالقلق خوفا من أن يتضامن بقية طوائف الشعب مع الطلبة, و لهذا قرر السادات التعجيل في قرار العبور في السادس من أكتوبر 1973.
ولما كان التياران الإسلامى واليسارى هما التياران الذي يعتنقه معظم فرسان الحركة الطلابية في ذلك الوقت فقد كان من الطبيعي أن ترتبط الحركة بأدق التفاصيل في الحياة الداخلية والاجتماعية في مصر ويتضح هذا من المظاهرات الضخمة التي خرجت من الجامعات والمصانع في 18 و 19 يناير 1977 بعد إعلان قرارات إلغاء الدعم و غلاء الأسعار وسقط العديد من شهداء الحركة الطلابية المصرية والطبقة العاملة برصاص اليمين المصري الذي يتزعمه السادات , ولكن هذه الانتفاضة الشعبية التي أشعلها الطلبة مع العمال كادت أن تطيح بالنظام وحاشيته مما اجبر السادات على التراجع في قراراته و عودة الأسعار كما كانت.
لقد شهدت معظم فترة السادات تحركات طلابية ضخمة لما شاب هذه الفترة من سياسات يمينية متصهينة وقد ابتلت هذه السياسات مصر والوطن العربي كله بأشياء كثيرة منها الردة على الناصرية والانفتاح الاقتصادي ومعاهدة الذل والخيانة التي وقعها مع العدو الصهيوني في كامب ديفيد.. ولكي يرتاح السادات من هذه التحركات الطلابية التي تعبر عن ضمير الأمة وقلبها النابض أصدر السادات لائحة 79 التي ألغى من خلالها اتحاد طلاب الجمهورية الذي كان يمثل رأيا عاما غاية في الخطورة ويعبر عن الحركة الطلابية المصرية وذلك في محاولة لاغتيال هذه الحركة الشامخة, كما ألغى السادات اللجنة السياسية في اتحادات الطلاب و حرم كافة أشكال العمل السياسي داخل الجامعة..
الحركة الطلابية في الثمانينات والتسعينات:
قتل السادات وتولى السلطة بعده مبارك الذي سار على طريق سلفه وبالتالي كان من الطبيعي أن يتخوف من الحركة الطلابية المصرية التي أصدر ضدها قرار في تعديله للائحة 79 والصادر عام 1984 و بموجب هذا القرار أصبح عمل الميليشيات العسكرية التي شكلها السادات داخل الجامعة و أطلق عليها كذبا اسم الأمن الجامعي لا يتوقف على حماية منشآت الجامعة فقط بل و "أمنها " , وبالطبع لم يحدد حسني مبارك ما هو المقصود بكلمة أمنها وتركها مطاطة حتى يسهل مهمة هذه الميليشيات في اعتقال وشطب من الانتخابات ومضايقة أي طالب جامعي.
في عهد مبارك أثمرت شجرة الجماعات الأسلامية داخل الجامعة التي راحت تمارس نشاطها بدون قيود و كأن لها لائحة طلابية أخرى تطبق عليهم غير اللائحة التي تطبق على بقية الطلبة و لكن ذلك لم يمنع الطلاب من التحرك بعد اندلاع الانتفاضة الأولى في الأراضي المحتلة وقاومهم أمن مبارك بكل شراسة و اعتقل العديد منهم مع العديد من قيادات الطبقة العاملة.. و في بداية التسعينات خرج فرسان الحركة الطلابية المصرية لينددون بالعدوان الثلاثيني على العراق الشقيق و الذي اشترك فيه نظام مبارك وقاومتهم السلطة بكل عنف حيث ألقت عليهم القنابل المسيلة للدموع وأطلقت كلابها البوليسية وضربتهم بالمياه.
وفي عام 98 خرج طلاب مصر عن بكرة أبيهم لينددون بالقصف الأمريكي على العراق الشقيق و يهاجمون نظام مبارك الذي اكتفى بمصمصة الشفاه في العلن و بالشماتة في النظام العراقي في السر.
وفي 29 سبتمبر 2000 خرجت جموع الطلبة من جميع جامعات الجمهورية و مدارسها الثانوية والإعدادية وحتى الابتدائية للاحتجاج على اقتحام شارون للمسجد الأقصى في اليوم السابق وفي جامعة الإسكندرية اشتعلت مظاهرات سلمية ضخمة فواجهتها شرطة مبارك بالرصاص الحي مما أدى إلى استشهاد الطالب محمد السقا و من الغريب أن طلبة الجامعة واجهوا رصاص شرطة مبارك بزهور وزعوها على الجنود بعد أيام من الحادث على اعتبار انهم لا يزالون مصريين !!!
و قد اشتعلت المظاهرات في كافة أنحاء مصر لدعم الانتفاضة الثانية وظلت هذه الفترة الأخيرة فترة مظاهرات دائمة من الطلبة احتجاجا على الوضع المخزي الذي تعيشه الأمة.. و في يوم 20 مارس 2003 بعد الهجوم الأمريكي على العراق تحرك فرسان الحركة الطلابية إلى ميدان التحرير و شاركهم في ذلك أبناء الشعب المصري ونجحوا في تحرير ميدان التحرير أكبر ميادين القاهرة من نظام حسني مبارك
ثورة يناير 2011
كما فى السابق هم الطلبة الأحرار الذين أشعلوا نيران ثورة يناير ضد الرئيس الخائن"حسنى مبارك"عن طريق وسيلة كانت لاتزال رفاهية بالنسبة للكثيرين و هى"الفيس بوك" ,.طريق ابتدعها الشباب للتواصل والتعريف بأماكن التجمعات الطلابية التى ستسير فى مجرى واحد وفى ذروة واحدة تجاه المناداة بإسقاط النظام العميل بقيادة مبارك وأعوانه من اتباع الصهاينة والأمريكان,نجح طلاب جامعة القاهرة فى التجمع فى ميدان رمسيس و الهتاف بسقوط النظام وانضم لهم طلاب عين شمس وحلوان,ليبدأ المد الطلابى فى جميع جامعات مصر ليخرجوا فى الميادين ويسقط منهم المئات برصاص الخائن مبارك وكان يقود الحركة الطلابية التيارات الإسلامية وأبرزهم "الإخوان المسلمين" الذين شكلوا قورابة60% من الشباب اللذين تمترسوا فى جنبات ميدان التحرير,و نجحوا فى إسقاط نظام مبارك الذى خلف وراءه فقراً ومرضاً وتعليماً مزيلاً فى قطار العالم ,و كل مايحلو لك من أشكال الفساد والتبعية وغيرها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.