ترتبط القارة الإفريقية بالقضية الفلسطينية ارتباطا وثيقا منذ عشرات العقود، حيث تدعم الدول الإفريقية نضال الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه في إقامة الدولة المستقلة، وكان آخر هذه المواقف الإفريقية ما حدث خلال قمة الاتحاد الإفريقي يوليو الماضي، عندما تم طرد وفد من منظمات يهودية أمريكية داعمة للكيان الصهيونى من قمة الاتحاد الأخيرة التى عقدت فى عاصمة غينيا الاستوائية بعد اعتراض وفد جامعة الدول العربية على وجوده. "مانديلا".. مواقف لن تنسى وبجانب هذا الارتباط الإفريقي بالقضية الفلسطينية، فإن هناك عدة مناضلين أفارقه اتخذوا مواقف مشرفة حيال تلك القضية وفي مقدمتهم الزعيم الجنوب إفريقي الراحل نيلسون مانديلا، الذي قال جملتة الشهيرة "إفريقيا لن تكتمل أهدافها قبل حصول الشعب الفلسطيني على حريته"، وأثناء فترة رئاسته في عام 1994 وبمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني بعث مانديلا، برسالة رسمية لدعم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، أكد فيها على حق تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة في إطار عملية السلام؛ كما دعا إلى وضع حد للحصار المفروض على قطاع غزة، مشيرا إلى أنه غير قانوني وغير مفيد لأنه يشجع المتطرفين. فلسطين تنعي "مانديلا" مع وفاة مانديلا، ذلك المناضل الجنوب إفريقي، أعلنت القيادات الفلسطينية أنها فقدت واحدا من أبرز داعمي الحق الفلسطيني والشعب من أجل إقامة دولة مستقلة، حيث قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في بيان له: "ننعي الزعيم الأممي الكبير فقيد شعوب العالم أجمعها وفقيد فلسطين الكبير الذي وقف معنا وكان أشجع وأهم رجالات العالم الذين وقفوا معنا"، ووصف مانديلا بأنه كان قائدا ومقاتلا من أجل حرية شعبه، وكان رمزا للتحرر من الاستعمار والاحتلال لكل الشعوب من أجل حريتها، القيادي في حركة فتح والمعتقل في سجون الاحتلال مروان البرغوثي، قال إن نضال نيلسون مانديلا، من أجل الحرية كان مصدر إلهام للفلسطينيين ومنحهم الأمل في تحررهم وكتب البرغوثي، في رسالة مفتوحة إلى مانديلا: "لقد كنت أكثر من إلهام، وحملت وعدا يتجاوز حدود بلدك بأن الطغيان والظلم سيهزمان، ما يمهد الطريق أمام الحرية والسلام"، وأضاف المناضل الفلسطيني أن كل التضحيات يمكن تحملها من أجل الأمل الوحيد في أن الشعب الفلسطيني سيتمكن في أحد الايام من نيل الحرية. الاحتلال يتشفى في موت "مانديلا" رد الفعل الصهيوني كان متشفيا في موت المناضل الجنوب إفريقي، لا سيما وأنه كثيرا ما انتقد تلك القيادات الصهيونية نظرا لتعنتها الذي تتبعه في المفاوضات مع الفلسطينيين، حتى إن رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو، لم يشارك في مراسم تشيع جنازة مانديلا، حيث أكد حينها في تقرير نشرته الإذاعة العبرية أن الغاء مشاركة تل أبيب في مراسم تشيع مانديلا ليست النفقات الباهظة التي تكلفها الرحلة، لكن السبب الحقيقي يعود لموقف مانديلا من القضية الفلسطينة ورفضه لسياسات حكومة إسرائيل، حيث كان من أشد المعارضين لسياسات رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقال نتنياهو لن أنسى مقولته الشهيرة "إنني أعلم أن عرفات قدم تنازلات كبيرة من أجل السلام لكنني لا أستطيع أن أقول نفس الشئ عن نتنياهو، وإن حكومة شيمون بيريز وحكومة نتنياهو انحرفتا كثيرا عن مسار سابقتيهما بقيادة إسحق رابين للأسف ونتمنى عودة إسرائيل لصوابها. جنوب إفريقيا.. على العهد باقون وفي العدوان الصهيوني الأخير ضد قطاع غزة لم تقف الدول الإفريقية موقف المتفرج أو تكتفي بالشجب والاستنكار، بل كان لتلك الدول مواقف مشرفة، فبالنسة لجنوب إفريقيا واصلت السير على درب زعيمها الراحل مانديلا، حيث أعرب الرئيس الحالي جاكوب زوما، عن دعمه للقضية الفلسطينية واستنكاره للأفعال الوحشية التي تنفذها قوات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، وبعث برسالة تسلمها رئيس الوزراء الفلسطيني رامي الحمد الله، أعرب فيها زوما عن تضامن الحكومة والشعب الجنوب إفريقي مع القضية الفلسطينية، ودعم بلاده لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتأييده للوصول إلى دولة فلسطينية مستقلة، فضلا عن ذلك استقبلت جنوب إفريقيا على أراضيها وفدا من الحكومة الفلسطينية لمناقشة الوصول لتهدئة وقف العدوان على قطاع غزة، كما دعت جنوب إفريقيا المجتمع الدولي لضرورة التوصل لتهدئة ووقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، داعية المجتمع الدولي إلى المزيد من التدخل العاجل والجدي لوقف هذا العدوان في أسرع وقت ممكن، كما أرسلت جنوب إفريقيا مساعدات طبيه وغذائية لقطاع غزة. غانا وكينيا.. امتداد جنوب إفريقيا في القضية الفلسطينية لم تكن جنوب إفريقيا هي الدولة الوحيدة التي كانت لها مواقف واضحة تجاه العدوان الأخير على غزة، بل استدعت غينيا السفير الإسرائيلي لديها من أجل التشاور حيال ما يحدث في قطاع غزة، واستنكرت الأعمال الوحشية التي تنفذها قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين، وهددت بطرد السفير الإسرائيلي ما لم يتم وقف العدوان على غزة، وكذلك أعربت جمهورية غانا عن استنكارها لكل الاعتداءات الإسرائيلية تجاة الفلسطينيين منذ احتلال الأراضي الفلسطينية، وقالت حكومة غانا إنها ستبذل قصارى جهدها لدعم الشعب الفلسطيني وحقه في الحياة بسلام على أراضيه المغتصبة. نائب رئيس الدولة الغاني، أكد أن غانا كانت وما زالت وستبقى تدعم الشعب الفلسطيني لأنه صاحب حق، وأنه قد حان الوقت لتعيش فلسطين بسلام، وقال موجها حديثه للشعب الفلسطيني: "بإمكانكم الاعتماد علينا لنساعدكم بما نستطيع مع الدول الصديقة لغانا". المنظمات والمحافل الإفريقية تحظى القضية الفلسطينية منذ احتلال الأراضي الفلسطينية بجانب كبير من اهتمام المنظمات الإفريقية واجتماعاتها الدورية، حيث كانت حاضرة وبقوة خلال معظم المؤتمرات التي تحتضنها القارة السمراء، واتخذت منظمات القارة عدة مواقف مشرفة تجاه القضية الفلسطينية، فضلا عن أنها تعمل كحائط صد للمحاولات الصهيونية الهادفة لقطع ارتباط القارة بالقضية الفلسطينية عبر التوغل في هذه المنظمات الإفريقية والتأثير على قرارتها. مساع صهيونية يجب التصدي لها خلال السنوات القليلة الماضية بدأ الكيان الصهيوني في مساع حثيثة من أجل تعزيز علاقاته مع عدد من الدول الإفريقية، بهدف الاستفاده من انعكسات تلك العلاقات في المنابر الدولية والإقليمية، فضلا عن خسارة فلسطين للمنظمات التابعة للقارة كواحدة من أبرز داعمي حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة. هذه السياسات الصهيونية يتزعمها وزير الخارجية الحالي أفيجدور ليبرمان، حيث أجرى خلال شهر يونيو الماضي جولة إفريقية شملت خمس دول هي رواندا وغانا وكينيا وإثيوبيا وساحل العاج، الأمر الذي يتطلب تصديا قويا لهذه المحاولات الصهيونية الهادفة للانتشار في إفريقيا والتأثير على القضية الفلسطينية ووقف المساندة الإفريقية لها في المحافل الدولية والإقليمية. المسؤولية الأولى تقع على الدول العربية التابعة للقارة مسؤولية مكافحة التوغل الإسرائيلي في القارة الإفريقية، يقع في المقام الأول على الدول العربية التابعة لمنظمات القارة واتحاداتها المختلفة، الأمر الذي يتطلب معاونة وثيقة بين هذه الدول والسلطة الفلسطينية لإعادة التوعيه بالقضية الفلسطينية والتصدي للمحاولات الصهيونية الهادفة لقطع أواصر العلاقة بين القضية الفلسطينية والشعوب الإفريقية وقادتها. ما بين الشعوب والقضية.. ارتباط لا ينفصل ارتبطت الشعوب الإفريقية بالقضية الفلسطينية منذ عقود طويلة، اتضح ذلك خلال الأحداث التي مرت بها القضية الفلسطينية سواء خلال فترة الانتفاضتين الأولى والثانية، أو حتى خلال الاعتداءات الصهيونية الغاشمة ضد الشعب الفلسطيني، حيث دائما ما تشهد تلك الدول تظاهرات داعمة للشعب الفلسطيني من أجل نيل حقوقه وإقامة دولته المستقلة، هذا الارتباط يمثل صمام أمان ضد المحاولات الصهيونية الهادفة للتوغل داخل القارة، لكنها تحتاج إلى مزيد من التوعية بالقضية.