الأهالي: - البيت الواحد مكون من طابقين ويعيش فيه أكثر من 5 أسر - الصرف الصحي يسرى أسفل البيوت كأفعي عاهرة تقتل الأحياء - البيوت كلها آيلة للسقوط وننطق الشهادة قبل النوم لا يحتاج "فيكتور هوجو" مكانا أكثر تعبيرا عن شقاء ومعاناة الفقراء لكتابة قصته "البؤساء" سوى زيارة تأملية لحكر "السكاكيني" بحي الشرابية، ولوجد الفنان الفرنسي "دومييه" ضالته ولعرفت ريشته طريقها لإنتاج لوحات تعبر بكل صدق عن أدق مظاهر اليأس والبؤس الذي يخيم علي كل تقاسيم وجوه الأهالي وكأنها تصرخ من الحسرة والظلم، بكل تأكيد مشهد عبثي لا يمكن أن يتواجد داخل دائرة زمن القرن 21. تلك الحواري الضيقة الموحشة التي تُسجن بين جنباتها البيوت المتهالكة المصنوعة من الطين والحجارة القديمة المخترقة بالشروخ، وها هي العشش البنية اللون التي يحتمي بها أكثر من أسرة، تحافظ علي تماسكها بالألواح الخشبية القديمة.. الرائحة العفنة تزكم الأنوف من الصرف الصحي الذي يسرى أسفل البيوت كأفعي عاهرة تقتل في صمت الأحياء، ونشع المياه يختال الجدران، لتجد نفسك وكأن عقارب الزمن توقفت وعادت بك إلي أحد العصور الوسطي. تجولت "البديل" فى "حكر السكاكينى" وشاركت الأهالي يوما من حياتهم، تعرفت من خلاله علي مشكلاتهم وهمومهم ومطالبهم من المسئولين.. في جلبابها الأسود، تجلس الحاجة فوزية، 50 عاما، في هدوء أمام "طاستها" الصغيرة لطهي الطعمية، ويقف حولها عدد من أطفال الحكر، رغم سنها الكبير وملامح وجهها المرهق جراء العمل، إلا أنها استقبلتنا بابتسامة صافية وبود عميق، قائلة: «صحافة وجايين تصورا.. مفيش أي كلام يتقال غير إننا فوضنا أمرنا لله، وتأكدنا أننا لسنا علي خريطة اهتمام الحكومة، ثورة قامت ولا فشلت، فلم نعد نصدق كل الوعود الكثيرة بتطوير الحكر وتوفير مساكن بديلة». واستكملت فى حصرة: «أصبحت كل أحلامي أن أستطيع تربية أولادي الثلاثة بهذه الجنيهات القليلة من ساندوتشات الطعمية بعد وفاة زوجي الصنايعي الذي لم يترك خلفه معاشا، وكل ما أطلبه مثل كثيرين من جيرانى، أن نموت في هدوء دون أن نمرض؛ لأننا لانمتك دواء». وقاطعتها جارتها أم موسي، التى طلت علينا من نافذة أحدي، قائلة: «أنا ساكنة في الحكر منذ أكثر من 45 عاما بعد أن تزوجت وجئت من الصعيد، قبل النوم لازم ننطق الشهادة أنا وأولادى»، مضيفة: «البيوت كلها آيلة للسقوط، وجدران المنزل مشروخة من الداخل، وبين لحظة وأخري من الممكن أن تقع فكلها مبينة بالطين النيء والحجارة، وهو ما حدث فعلا من سنتين، حيث راحت أسرة مكونة من أب وأم وثلاثة أطفال عندما سقط عليهم سقف البيت بعد أن حدث ماس كهربائي واحترق الجميع». وتابعت: «البيت الواحد مكون من طابقين فقط، ويعيش فيه أكثر من 5 أسر، وكل أسرة تعيش في غرفة تتكون من 7 إلي 10 أفراد»، مضيفة: «كل ما اتمناه أن نستطيع إصلاح الحمام المشترك بيني وبين جيراني، فالصرف الصحي يطفح أسفل العقار، ولم يسأل فينا الحي حتي الآن، ولم يرسل حتي عربة تسحب هذه المياه». ويقف علي ناصية الحارة رجلا خمسيني – يبدو أنه شخصية مؤثرة بالحي، كان يحل مشكلة بين رجلين- اقتربنا منه لنعرف مشكلات الحكر.. أحمد حافظ، أحد أهالى الحكر، قال: «الحكر عمره يزيد عن مائة عام، وكان ملكا لأحد البشوات القدامي يدعي السكاكيني باشا، وتبلغ مساحته 7.5 فدان، ويقطن به أكثر من 300 أسرة، ويعيش أكثر من 8 أفراد في غرفة واحدة»، متابعا: «نظام المنازل بالحكر، حجرات مشتركة في الطابق الواحد، والجميع يستخدم حماما واحدا، وأغلب رجال الحكر يعملون صنايعية "أرزقية" باليومية في مهن السباكة والمحارة ولحام الأكسجين وعمال بناء وكهربائية». وبحصرة، قال: «نشف ريقنا من كثرة الشكاوي التي تقدمنا بها إلي الحي ومحافظة القاهرة، ولم يستجب لنا أحد، والمسئول ينظر إلينا باحتكار شديد بمجرد معرفته أننا من أهالي حكر السكاكيني، وكأننا مواطنين من الدرجة الثانية»، موضحا: «بعد الثورة اعتقدنا أن يشعر أي مسئول بأوجاعنا، ويتعامل معنا علي أننا مواطنين ولسنا عبيدا، وينزل يستمع لشكاوانا، ولكن لم يحدث ذلك». قاطعه في غضب، سعودي منصور، صاحب قهوة "صعيدى": «احنا فاهمين كويس جشع وطمع المسئولين في الاستيلاء علي قطعة أرض الحكر؛ لموقعها المتميز والقريبة من المترو وحدائق القبة وغمرة وشبرا وكوبري أكتوبر، ولن نسمح لهم ان ينصبوا علينا، علي جثتنا لو ضحكوا علينا، احنا مش هنمشي من الحكر ونتركه للرأسماليين». لم يكن الصعيدي الأسمر وحده مفوها وواعيا بين أهالي الحكر، فتساءلت ثريا علي، 40 عاما – ببساطة تجبرك علي احترامها- الدولة بتودي فلوس المنح والإعانات الخارجية فين، والتي تأتى علي اسم مساعدة المناطق العشوائية؟ مضيفة: «لو الدولة فرطتت في فلوس المسئولين التي هربوا بها بعد ثورة يناير، من حقنا يستثمروا أموال المنح في تطوير المناطق الآيلة للسقوط والخطرة».