زيارة مفاجئة للجميع، وأولهم السفير السعودي بالقاهرة أحمد القطان، الذي نفى في بادئ الأمر الخبر، فقدوم العاهل السعودي إلى القاهرة لم يكن متوقعاً في هذا التوقيت أو في المستقبل القريب، بسبب أن الملك عبد الله بن عبد العزيز غير مؤهل صحياً لزيارات رسمية خارج حدود مقر اقامته، فتوقع الجميع أن يتم اللقاء الأول بينه وبين الرئيس عبد الفتاح السيسي في الرياض على هامش مؤتمر المانحين، بعد عودة الأول من دولة المغرب، حيث كان يمكث فيها منذ شهور طلبا للنقاهة والاستشفاء. تطورات الوضع في العراق، أمر لا يستهان به خاصة وأن البيت السعودي يعيد ترتيب أوراقه في الفترة الأخيرة، تحاشياً لأزمة "وراثة العرش" الذي لم يحسم إلى الأن من هو وما هي ردود فعل باقي أمراء آل سعود على توليه، فكان لابد من لقاء بين قطبي "محور الاعتدال" الجديد، لوضع أساس التحالف بين رأسي الدولتين. زيارة سريعة لم تتجاوز الأربعين دقيقة، خرجت عن جميع الأعراف والبروتوكولات مما حدا بالبعض بتسميتها "زيارة ترانزيت"، ما قيل عنها رسمياً أنها لتهنئة السيسي برئاسة مصر، والتأكيد على دعم المملكة لمصر في محاربتها للإرهاب، كذلك الترتيب بصورة نهائية لمؤتمر "اصدقاء مصر" الذي أُعلن أن الدعوة إليها ستكون من قبل القاهرةوالرياض، لا الأخيرة وحدها كما أعلن سابقاً على لسان العاهل السعودي. تاريخ العلاقات المصرية السعودية لا يتميز بالاستدامة على حال، فبنظرة سريعة نجد أن العلاقات بين البلدين منذ الستينات متقلبة وتحكمها المصلحة أولاً وأخيراً، فدعم السعودية لعبد الناصر بعد سحب تمويل السد العالي والعدوان الثلاثي سرعان ما تحول إلى عداوة وتكفير لناصر بسبب حرب اليمن، وبعد 1967 والصلح بين الملك فيصل وعبد الناصر في الخرطوم ودعوة الأول لمساعدة امتدت لما بعد حرب 1973 ثم انقلبت لقطيعة بين البلدين بعد معاهدة كامب ديفيد، إلى أن تم إعادة العلاقات مرة أخرى عام 1987 واستمرت في شكل شراكة بين النظاميين في البلدين، مع تطور الدور المصري في سنوات حكم مبارك الأخيرة إلى لعب دور ظهير المملكة ذو القوة العسكرية والبشرية الكبيرة، وتولى النظاميين وكالة تسويق مشروعات التسوية الأمريكية في الشرق الأوسط، والتي كان أهمها المبادرة العربية. غني عن القول أن النظام السعودي كان أول نظام وقف ضد ثورة الخامس والعشرين من يناير، بل انه الملك عبد الله كان تقريباً الحاكم الوحيد عربياً الذي أدلى بتصريحات رسمية عن دعمه للمخلوع حسني مبارك، وأن ما يحدث وقتها هو مؤامرة سببها مندسون، وهو الخطاب الذي أستمر منذ ذاك الحين وحتى الأن إعلاميا وسياسياً بقلم ولسان كل من حاول النيل من ثورة يناير وأعتبرها مؤامرة. بعد ثورة الثلاثين من يونيو وإعلان السعودية دعمها لمصر في محاربتها للإرهاب طرح سؤال على خجل حينها: كيف يدعم النظام السعودي مصر في حربه ضد الإرهاب وهو النظام الذي يرعاه ويموله على طول البلدان العربية؟ فمن سوريا إلى لبنانفالعراق الأن تجد أن السعودية هو الراعي الأول للإرهابيين من التمويل والدعم المادي وحتى الغطاء الإعلامي والسياسي، فأصبحت "داعش" في العراق انتفاضة ومقاتليها ثوار، في حين أن من على شاكلة داعش في مصر هم إرهابيين تعهدت السعودية بالوقوف بجانب مصر في حربها ضدهم؟! تقارير إعلامية أشارت منذ أكثر من عامين إلى تورط الاستخبارات السعودية في الإيعاز لإرهابيي "دولة العراق الإسلامية" بالدخول إلى سوريا، ودعمهم بالمال والسلاح والغطاء الإعلامي، ولكن بعد أن تمرد جزء منهم على رؤية رئيس الاستخبارات السعودية سابقاً، بندر بن سلطان الذي أطيح به لأسباب عدة أهمها انفلات أمر هذه الجماعات من قبضته، وهو ما دعا المملكة لإصدار قوانين وأوامر ملكية "وقائية" تضمنت إعلان عدد من هذه الجماعات تنظيمات إرهابية، يحظر على السعوديين أو غيرهم من المتواجدين داخل المملكة فقط الانتماء إليها. أيضاً من ضمن التقارير التي أشارت إلى الإشراف والدعم السعودي للجماعات الإرهابية خاصة في سورياوالعراق، هو تقرير الخارجية الأمريكية، الصادر منذ أسابيع، والذي أوصى بسن تشريعات جديدة للحيلولة دون استمرار قنوات الدعم المالي واللوجيستي للإرهابيين من "حلفاء الولاياتالمتحدة". السؤال هنا، هل تضمن السعودية عدم تمدد مسرح عمليات "داعش" إلى مصر؟ خاصة في ظل التهديدات المتصاعدة وتيرتها من قبل قادة هذا التنظيم ضد مصر، والذي وصل لتكفير السيسي والجيش والذين شاركوا في الانتخابات..والسؤال الأهم، هل هذه الجماعات الممولة سعودياً لن يتمرد جزء أخر منها لحساب من يدفع أكثر ليغير واجهته إلى بلادنا بعد سورياوالعراق؟ .. وهل الحلف المصري السعودي الجديد يضمن أن لا يكون هذه الجماعات ورقة ضغط على النظام المصري في حال رفضه التورط مستقبلا في أي صراع في الخليج؟ كل هذه الأسئلة المشروعة يجب التفكير فيها بهدوء قبل التهليل والاحتفاء والامتنان لعطايا "كبير العرب".. فلكل شيء مقابل، فدعم السعودية المادي والعسكري -المتمثل في صفقة الأسلحة الروسية- عقب ثورة 30 يونيو، كان مقابله التعهد بحماية أمن المملكة والخليج، والذي اختصرها الرئيس عبد الفتاح السيسي في مقولته"مسافة السكة"..فهل سيكون للجيش المصري دور في الخليج قريبا، في العراق على وجه التحديد، وهل ستصطف مصر حينها إلى جانب ما تسميهم السعودية ب"الثوار" على رأسهم "داعش"؟