يعملون بنصف أجر.. وثمن الموت 12 ألف جنيه نقيب العاملين: 1100 مصنع بكل منها 12 طفلا جمعية رائدات المستقبل: الأطفال يعانون من مشكلات صحية في العظام والعمود الفقرى الائتلاف المصرى لحقوق الطفل: المصانع ترتكب جريمة إنسانية.. وتخالف قوانين حماية الطفل شكاوى الأطفال: كان نفسى أكون دكتور… وآخر: يعنى إيه مستقبل؟ مليون ونصف طفل عامل تضج بهم الدولة المصرية، وفق آخر إحصائية صدرت عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2013، حيث أكد الجهاز في تقريره السنوى أن إجمالى عدد الأطفال العاملين فى مصر يصل إلى مليون و594 ألف طفل فى الفئة العمرية بين 5 و17 عاما، مشيراً إلى أن 87.4٪ من الأطفال العاملين يمنحون أجورهم لأولياء أمورهم. وتتنوع هذه العمالة تتوزع ما بين المصانع والشركات والمحلات والشوارع وباعة جائلين وورش النجارة والكهرباء والميكانيكا ومحلات الحلاقة والبقالة وغيرها من أشكال العمل، من أبسطها إلى أسوأها، وتفجر "البديل" أسوا هذه الأشكال من العمالة التى تواجه الأطفال من خلال استغلالهم في مصانع الطوب، وتعرضهم لمخاطر المصانع وحمل الأثقال وخطر الماكينات الحادة التي لا ترحم ضعفهم. قال رضا سلام، نقيب العاملين بصناعة الطوب والحرفيين بجنوب حلوان، الجيزة، وعضو مجلس ادارة اتحاد عمال مصر الديمقراطى، إن عدد مصانع الطوب بمنطقة الصف حلوان بلغ 1100 مصنع، وتقدر عمالة الأطفال فى كل مصنع من 10 إلى 12 طفلا، من دون أى غطاء قانونى، حيث يوجد ثلاثة مقاولين للأنفار فى كل مصنع يتم تسميتهم "بالموضب" أى يوضب الأنفار للعمل فى المصنع ويقوم بجلب هؤلاء الأطفال للعمل فى قطاعات ثلاثة بالمصنع، فهناك مقاول خط الإنتاج، ومقاول الطوب المجفف، (وهى مرحلة دخول الطوب إلى الفرن)أو "الخضراء" وأخيرا مقاول تحميل الطوب من الفرن على عربيات. وأضاف "سلام"، إن المقاول الثالث تكون الفئة العمرية المستهدفة للعمل معه من سن 12 عاما إلى 17 عاما، ويقوم الطفل فيها بوضع حامل خشب على ظهره النحيل يسمى "بالعصفورة" يحمل عليه الطوب مثل "أى حمار" وينقل الطوب من على ظهره من الفرن إلى العربيات، وقد يبلغ مايحمله فى كل مرة 17 إلى 20 قالب طوب، ويحتاج المقاول للعمل فى هذا القطاع من 6 إلى 7 أطفال، ويحسب أجر الطفل بنصف أجر الرجل الكبير البالغ الذى يعمل مثله، رغم تساوى ساعات العمل، ونفس الكمية من الطوب، ليكون أجر العامل الكبير 10 جنيه، والطفل 5 جنيهات، بالرغم من أنه قد يصل حمل الأطفال يوميا من 1000 إلى 2000 طوبة، ويسمى "الطفل" فى هذه المرحلة باسم "نصف راجل". أما مقاول الخضراء فهو أكثر مقاول يجمع أكبر عدد من الأطفال، ويحتاج إلى 12 طفلا على الأقل فى هذه المرحلة من صناعة الطوب، ويقومون فى هذه المرحلة بجمع الطوب الأخضر على عربات كارو، وإدخاله إلى الفرن ليتم حرقه، ويسمى "بالعربجى"، ويومية الطفل فى هذ المرحلة تعتمد على إنتاجه، ويعمل الطفل يوميا فيها من 4 الفجر حتى 2ظهرا . بينما تمثل آخر مرحلة من صناعة الطوب والتى يعتمد فيها مقاول الأنفار على أكثر من 7 أطفال فى تقطيع الطوب، ويقضوا فيها أكبر وقت ممكن من ساعات العمل التى تتجاوز 13 ساعة متصلة، ويحصلون على يومية 35 جنيه. ويرصد نقيب العاملين بصناعة الطوب المخالفات القانونية الجسيمة التى يقع فيها أصحاب المصانع وتنتهك حقوق الأطفال قائلا: إن الدستور الجديد 2014 حدد سن الطفولة ب18 عاما، ويسمح بعمل الطفل من سن 12 عاما فى أعمال تتناسب مع عمره ولاتؤثر على صحته الجسدية والنفسية، وهذا عكس مايحدث مع أطفال الصف بمصانع الطوب، حيث يدفع هؤلاء الأطفال للعمل منذ سنوات فى أعمال خطرة جدا، وأقل عدد ساعات عمل 10 ساعات متواصلة، على الرغم من أن قانون العمل حدد الساعات للبالغين ب8 ساعات فقط. وأضاف: إنه تقدم بشكاوى لوزارة القوى العاملة لضرورة القيام بمسئوليتها فى إرسال مفتشين من الوزارة على هذه المصانع ورصد مابها من المخالفات، وهذا لم يحدث لعذر قبيح بأن الوزارة لا يوجد بها عدد كاف من المفتشين للقيام بهذه المهام، وليذهب الأطفال للجحيم، فضلا عن غياب دور وزارة التضامن الاجتماعى وعدم تأمينها على العمال، وفى حال نزول مفتيشها يحصلون على رشاوى من صاحب المصنع، ولايكشفون عن تهربه من التأمين على العمال الذى لايقل عددهم عن كل مصنع ب200 عامل، بالإضافة إلى أن صاحب المصنع يصدر لموظف التامينات 4 عمال مؤمن عليهم من أقاربه وأصدقائه وليس لهم علاقة بالمصنع على الإطلاق. كشف سلام عن ظاهرة خطيرة داخل هذه المصانع وهى تعاطى الأطفال للمخدرات بشكل مستمر عن طريق تناول "الترامادول"، حيث لا يخلوا أى مصنع من "كانتين" لبيع الترامادول حتى يتمكن الطفل أو البالغ من الاستمرار لمدة 13 ساعة عمل متواصلة ولا يشعر بالإرهاق، حيث يبلغ نسبة المدمنين فى هذه المصانع 98% دون أى تفتيش من وزارة الداخلية. ويوضح سلام أن هذه المصانع تغيب فيها الخدمات الصحية رغم أن اعامل فيها يتعرض لإصابات جسمية، حيث تبلغ حالات فقد الأذرع ل80 حالة، و300 حالة إصابة ربو، و78 حالة فشل كلوى نظرا لغياب المياة الصحية التى يشرب منها العمال، بل تشهد إصابات الأطفال أعلى معدلاتها، فقد قتل أحد الأطفال تحت تروس قطاعات الطوب التى دهست رأسه، وكانت أقرب مستشفى على بعد 7 كيلو متر من المصنع، ولفظ أنفاسه الأخيرة غارقا فى دمائه، ويكون التعويض لأسرته الفقيرة 12 ألف جنيه لا غير باعتبار الحادث قضاء وقدر! بينما قالت سحر عثمان، رئيسة جمعية رائدات المستقبل بالصف، إن منطقة الصف بضاحية حلوان تعانى من مشكلات كثيرة كأي منطقة مهمشة محرومة من الخدمات تقع بعيدا عن مركز اهتمام العاصمة، ولكن أخطر هذه المشكلات وأكثرها تعقيدا هو ما يؤثر على مستقبل الوطن وهم "عمالة الأطفال فى مصانع الطوب الأحمر المخصص للبناء المنتشرة بالمنطقة"، مشيرة إلى أنه يوجد قرى فقيرة تصدر عمالة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 6 إلى 18 عاما مثل عزبة السلام وجزيرة الشقراء، وهى قرى تعانى سوء الأحوال الاقتصادية لأهلها الذين يدفعون بأطفالهن للعمل بالمصانع للمساهمة فى تأمين احتياجات الأسرة. وأضافت أن هؤلاء الأطفال يمارسون أعمالا خطرة على صحتهم الجسدية والنفسية، فهم فى سن صغيرة مجبرين على حمل الطوب على ظهورهم بكميات كبيرة، فضلا عن استمرار ساعات عملهم لأكثر من 13 ساعة بدخل منخفض، وإصابتهم بأمراض العمود الفقرى والعظام والعيون وفقر الدم. مشيرة ان دور الدولة غائب تماما فى حماية هؤلاء الاطفال ،فلا تقوم بالتفتيش على اصحاب المصانع وتمنعهم من تشغيل عمالة صغيرة فى هذا السن فى اعمال خطرة ،ولا تقدم الدعم المادى المناسب لاسر هؤلاء الاطفال حتى لاتجبر لتسريب اطفالها من التعليم ودفعهم للموت لسد عوزهم . وأشارت عثمان إلى أن دور المجتمع المدنى هو الأبرز فى حماية هؤلاء الأطفال، وعن تجربتها مع جمعية رائدات المستقبل التى تتولى إدارتها، تقول: الجمعية تعمل الآن على حصر بيانات جميع الأطفال العاملين فى المصانع من أجل إدراجهم فى استمارات ترصد حالتهم الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية ، والعمل على تقديم الخدمات الميسورة لهم، فبعض الأسر توفى عائلها، وتربى الأم خمسة أولاد، وتضطر لإخراج اثنين من المدارس للإنفاق على الأسرة، وفى هذه الحالة تسعى الجمعية لبحث دراسة جدوى لأحد المشروعات الصغيرة وتقوم بتمويله حتى تتمكن الأسرة من العيش منه. وأوضحت عثمان أن الجمعية تحاول إعادة الأطفال إلى مدارسهم ومساعدتهم من خلال مراكز تقوية لاستذكار دروسهم بالمجان، ومن تجاوز فرصة العودة تقيم له فصول محو الأمية، بالإضافة إلى تنظيم قوافل طبية للكشف عن الحالة الصحية للأطفال بشكل دوري حيث اكتشفنا فى إحدى المرات غياب شنطة الإسعافات الأولية عن 38 مصنعا! بينما يوضح علاء الراعى، الناشط الحقوقى بالائتلاف المصرى لحقوق الطفل، إن قانون حقوق الطفل المصرى 12 لسنة 1999 المعدل إلى 26 لسنة 2008 وضح آليات التعامل مع الطفل، وهذا القانون استمد تشريعاته من المعاهدات الدولية التى أصحبت جزءا لا ينفصل عن التشريعات الوطنية، ومنع هذا القانون عمالة الأطفال تحت سن 15 عاما، وسمح بمزاولة الأطفال تدريبا مهنيا من سن 13 عاما فى مهن تبعد أسوأ أشكال العمالة، والتي تمثل خطورة على صحتهم وتربيتهم وتنشئتهم. أضاف الراعى أن الأطفال فى مصانع الطوب تنطبق عليهم ممارسة أسوأ أشكال العمالة، لاسيما مع غياب الرقابة، مشيرا إلى أن ساعات العمل الطويلة التى تزيد عن 13 ساعة تخالف قانون حماية الطفل المصرى الذى حدد عدد ساعات لا تتجاوز 6 ساعات فى حال الأعمال التى لا تؤثر على صحتهم، بل يتخللها ساعة للترفيه. وأكد الراعى أن أطفال مصانع الطوب يتعرضون لأسوأ أشكال الاستغلال المادي، وعقوبة من يستغلهم الحبس أو الغرامة، حيث يتقاضون رواتب أقل من الأجر الحقيقي الذى يجب أن يتقاضوه، فضلا عن تعرضهم لمخاطر العمل دون أي ضمانات أو تامين صحي، ودون توثيق عقود رسمية تضمن هذه الحقوق ليكونوا أقرب لعمل "السخرة " ولكن بطريقة القرن 21. ويرى الراعى أن عمالة هؤلاء الأطفال بمصانع الطوب تخالف الدستور الجديد بشدة، إذ كفل لهم الحق فى الحياة والبقاء والتنمية والصحة والتعليم، وهذا لا يحدث، بل يخلق لنا جيلا من المتسربين من التعليم، يمثلون عبئا على المجتمع، ويدخلون فى حلقة البطالة والعمالة الرخيصة، بالإضافة إلى الحياة المهددة والتعرض للموت فى أى لحظة. واتهم الراعى المجلس القومى للطفولة والأمومة بالتقصير وغياب الدور، باعتباره الآلية الوطنية الأولى المدافعة عن حقوق الأطفال فى مصر، وحمايتهم من أى خطر، متسائلا: أين الدور الرقابى للجان الحماية التى أطلقها رئيس الجمهورية؟ وأين تفعيلها على أرض الواقع للكشف عن هذه الانتهاكات، مطالبا بضرورة مطالبة المجلس القومى للطفولة كلا من الوزارات المعنية بالكشف والتفتيش على هذه المصانع، مثل القوى العاملة لرصد هذه العمالة المهمشة خارج أى ضمانات أو حقوق، مضيفا: وزارة الصناعة لديها قدرة سحب ترخيص المصنع حال عدم التزامه بضمانات الأمان والجودة. ومن شكاوى الأهالى تقول فايزة أحمد، ربة منزل، إن لديها ثلاثة أطفال، والمعيشة صعبة جدا، وهى تعولهم بمفردها بعد غياب الزوج، واضطررت لإخراج ابنيها الذكور، الأول فى الصف الثالث الإعداى والثانى فى الأول الإعدادي، لكى يساهموا فى الإنفاق على الإسرة، مشيرة إلى أنها تعلم أن مصانع الطوب خطرة على أطفال فى عمر الزهور لا يتجاوز عمرهم 12 عاما، ولكن لا بديل من أجل الحصول على لقمة العيش وتربية الأخت الثالثة. وأضافت "فايزة" إن أولادها يعودون يوميا فى حالة يرثى لها من التعب والإرهاق، ويعانون دائما من آلام فى الظهر والركبة نتيجة حمل قوالب الطوب الثقيلة، مطالبة بضرورة أن تتدخل الحكومة لإنقاذ أطفالها من الموت، وأن تقدم للأسرة أى دخل شهرى على سبيل الإعانة للإنفاق أو مساعدتهم فى بدء مشروع صغير يأكلون منه لقمة عيش بسيطة. بينما قال أحمد حمدى، 10 سنوات، إنه يعمل بمصانع الطوب وهو عمره 8 سنوات، واضطر للعمل مثل غيره من أصحابه بالقرية، فوالده انفصل عن أمه التى لم تستطع الإنفاق عليه مع إخوته السبعة، وقررت أن تحضره لأحد مقاولى الأنفار ليوفر له فرصة عمل. أضاف أنه يستيقظ يوميا من الساعة 4 فجرا ليذهب إلى مصنع الطوب حيث يحمل على ظهره يوميا أكثر من 500 طوبة ليدخلها إلى الفرن ليتم حرقه، مشيرا إلى أنه يشعر بتعب شديد فى ساقه، ويتمنى أن يجلس ليستريح، لكن المقاول ينهره ويسبه حتى يواصل العمل. وقال سيد زينهم، 15 سنة، إنه كان يتمنى أن يكمل تعليمه، فقد خرج من الصف الرابع الابتدائى، وكان متفوقا، وتمنى أن يصبح طبيبا، ولكن بعد وفاة والده، اضطر للعمل حتى يساعد الأسرة فى إكمال نفقاتها، خاصة وأن والدته مريضة بالقلب المزمن، وتحتاج علاج شهرى قيمته 200 جنيه. وأضاف سيد إنه يشعر بالإهانة يوميا من ضرب المقاول له، موضحا أنه تعلم تناول المواد المخدرة عندما بدأ العمل بالمصنع مقلدا أصدقائه الذين كانوا يتهكموا عليه قائلين: "متبقاش راجل لو مشربتش سجاير وترامادول" .. وسألناه: أنت شايف مستقبلك ازاى؟ فرد قائلا "يعنى إيه مستقبل؟