24 مليون صوت هم إجمالي الكتلة التصويتية لنساء «المحروسة»، تتلقفها أيادي الحكام والمسئولين من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين «بكلمتين حلوين» من قبيل أن المرأة هي الأم والأخت والزوجة والابنة، ومؤتمرات ولقاءات للترحيب والاستماع لمشكلاتها وقضاياها ومطالبها، وبمجرد أن تأتى اللحظة المطلوب فيها ترجمة الوعود إلى حقوق على أرض الواقع، تخرج مئات الأعذار والمبررات التي حالت دون التنفيذ! فمنذ اندلاع ثورة يناير، واعتقاد المرأة أنها ستنال شيئا من حقها المهدر، تلقت أول لطمة في لجنة تعديل الدستور في 19 مارس لتختفي منها النساء وكأنهن لا يفقهن في القانون، وجاء أول برلمان منتخب بعد الثورة لتمثل المرأة نسبة 2% منه فقط. وخلال هذه الفترة الخالية من الاستفتاءات كانت المرأة المصرية تدفع الثمن باهظا، فبين ثانية وتاليتها، نالت الكثيرات لقب «أم الشهيد» سواء كان هذا الابن الشهيد من الثوار أو من الجنود. واندلعت ثورة 30 يونيو، لتشارك المرأة المصرية مجددا بأمواج نسائية فاعلة، حيث شعرت نساء مصر بالخطر على مستقبل أبنائهن وهوية وطنهن، في ظل حكم تيار متطرف أسلم البلاد للانقسام والفتن. بعدها، ورغم كل ذلك، لم تحظ المرأة بتمثيل عادل في تشكيل الوزارات المتعاقبة، ليظل وضعها كما كان قبل 2010، والآن تخوض النساء معركة جديدة لتعديل قانوني مباشرة الحقوق السياسية وانتخاب مجلس الشعب، لتغيب تماما عن هذه اللجنة المعنية بالتعديلات.. فضلا عن خروج منتج من التعديلات لا ترضى عنه جموع النساء.. «البديل» تستعرض الأزمة بين اللجنة والمنظمات والكيانات الحقوقية العاملة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة. قالت سلمى النقاش – مير برنامج المشاركة السياسية للنساء «نظرة للدراسات النسوية»، لا أدري بأية طريقة سوف تترجم مؤسسات الدولة الاستحقاقات الدستورية للمرأة، ولم توضح لنا اللجنة المختصة بصياغة قانون مباشرة الحقوق السياسية ومجلس الشعب طريقة عملها حتى الآن بعد أن أقصت النساء من تشكيلها. واستنكرت «النقاش» طريقة عمل اللجنة، حيث خالفت صراحة قرار رئيس الجمهورية رقم 126 لسنة 2014 لإعداد مشروعي قرارين بتعديل بعض أحكام كل من القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية، والقانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب والذي نص على أنه: «على اللجنة أن تنتهي من أعمالها خلال خمسة عشر يوما من تاريخ العمل به، على أن تعرض ما انتهت إليه من تعديلات المواد القانونية المُشار إليها على القوى السياسية والشعبية لإبداء الملاحظات على التعديلات خلال مدة خمسة عشر يوما، وللجنة خلال هذه المدة عقد جلسات استماع مع هذه القوى إن ارتأت ضرورة ذلك». وأوضحت «النقاش» أن مخالفة اللجنة للقرار الجمهوري المذكور تمثلت في امتناعها عن دعوة أغلب الأطراف للمناقشة حول تعديلات القانون وتضمين مطالب هذه الأطراف قبل صياغة التعديلات، وعزوفها عن الاستماع لمقترحات منظمات المجتمع المدني، مشيرة إلى أن «نظرة للدراسات النسوية» تقدمت إلى رئاسة الجمهورية، منذ فبراير الماضي، بمقترح تعديلات لقانون مجلس الشعب يعالج إشكالية ضعف مشاركة النساء في العملية السياسية ومواقع صنع القرار. وقالت إن المقترح الذي تقدمنا به تضمن – على سبيل المثال – وجوب أن تتشكل كل قائمة انتخابية بالتساوي بين الرجل والمرأة، فلا يزيد عدد نوع عن الآخر في القائمة الانتخابية، بحيث تكون القائمة تراتبية، بمعنى رجل فامرأة ثم رجل فامرأة وهكذا، على أن يتم الانتخاب بشكل «مختلط»، 50% منه فردي، و50% للقوائم النسبية المغلقة، ومراعاة المناصفة بين النوعين في المقاعد الفردية، الأمر الذي يضمن حصول النساء على نسبة تمثيل عادلة في البرلمان المصري القادم. وأشارت «النقاش» إلى أن تصريحات ممثلي اللجنة التي نشرتها بعض الصحف مؤخرا مخيبة للآمال، وغير مبشرة، حيث تضمنت استقرار اللجنة على شكل النظام الانتخابي شبه المختلط، بنسبة 80% للانتخاب بالنظام الفردي و20% قائمة قومية مطلقة تضم "الفئات المهمشة" والمرأة وذوي الاحتياجات الخاصة والعمال والفلاحين؛ على ألا تقل نسبة العمال والفلاحين في تلك القائمة عن 50%، مما يجعل نسبة المرأة في هذا الشكل الانتخابي لا تتعدى 5% وهي نسبة غير عادلة ومجحفة ولا تحقق ما جاء في الدستور المصري الجديد طبقاً للمادة 11 منه التي تنص على تمثيل مناسب للنساء في المجالس النيابية. فيما قالت السفيرة مرفت التلاوي – رئيس المجلس القومي للمرأة، إنه لم يعد مقبولا بعد ثورتين كانت المرأة المصرية ضمن وقودهما أن تظل نسبتها في البرلمان أقل من 2%. مشيرة إلى ضرورة وجود المرأة في البرلمان بنسبة تتناسب مع مكانتها وحجم عطائها وإسهامها في المجتمع. وأوضحت «التلاوي» أن المجلس تقدم للجنة الانتخابات بأكثر من مقترح، حاول فيها عرض البدائل المختلفة التي يمكن أن تضمن وجود 130 سيدة في البرلمان؛ لعل أهمها مقترح وجود مقعدين للمرأة في كل محافظة، في حالة الأخذ بالانتخاب الفردي، وأن تلتزم الأحزاب بوضع المرأة في الثلث الأول من القائمة الحزبية التي لا يزيد عدد أعضاءها عن أربعة. وأضافت داليا الأسود – عضو أمانة المرأة بحزب الدستور، أن النظام الفردي يقوم على العصبيات والقبلية الداعمة للمرشحين، وهو ما تفتقده النساء في الأرياف والصعيد، بالإضافة إلى اعتماد هذا النظام على رأس المال، الذي لا تمتلكه المرأة بشكل مؤثر مثل الرجل، فضلا عن كون النساء الأكثر بعدا عن فساد استغلال المال السياسي للحصول على الأصوات، وهو ما يؤدي إلى ضياع فرص تواجد المرأة في البرلمان بالنسبة التي تستحقها. وأشارت إلى أن حزب الدستور، بالتشاور مع عدد من الأحزاب الأخرى، يرى أنه حال إقرار النظام المختلط، يجب أن تكون النسبة للفردي 30%، وللقائمة 70%، حتى نتمكن من الوصول إلى برلمان مستقر، يترجم نصوص الدستور التي حافظت على حقوق المرأة في المادة 11، التي أقرت فقرتها الثانية أن «تعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسبا في المجالس النيابية». وقالت «الأسود» إن التصريحات الخاصة بالتعديلات جاءت بشرط غير قانوني، حيث اشترط نص المادة المعدلة في المرشح أن يكون من أب مصري، وتجاهل حق أبناء الأم المصرية في الترشح، وهو ما يعد تمييزا وتجاهلا لما استقرت عليه التعديلات القانونية عام 2004 بالقانون رقم 154 لسنة 2004 المعدل بأحقية أبناء المرأة المصرية في الحصول على الجنسية المصرية ومن ثم الترشح للمناصب العامة؛ ويخالف المادة السادسة من دستور مصر المعدل في 2014، حيث نصت على أن: «الجنسية المصرية حق لمن يولد لأب مصري أو لأم مصرية» وهذا يعني إنهاء معاناة المرأة في منح أبنائها الجنسية. بينما قالت الدكتورة هدى بدران – رئيس الاتحاد العام لنساء مصر، إن المرأة المصرية تعانى من أزمة حقيقية، مؤداها أنه رغم التهليل للمرأة والإشادة بدورها في ثورتي يناير ويونيو، فإنه عند اتخاذ القرارات المصيرية يتم تهميش النساء وإقصائهن، والدليل ما حدث في لجنة صياغة قانون مباشرة الحقوق السياسية التي لم تستعن بامرأة واحدة في تشكيلها، في استمرار واضح لنفس مسلسل تهميش المرأة منذ أول لجنة لتعديل الدستور في 19 مارس 2011، وصولا إلى لجنة الخمسين التي لم تضم سوى خمس سيدات فقط. وأضافت «بدران» أنها نقلت استيائها لأعضاء لجنة صياغة القانون، واصفة إياهم بالتعصب ضد النساء، مشيرة إلى أن أية تبريرات واهية وعبثية تقولها النخبة أو صناع القرار بالدولة من قبيل أن الشارع المصري متدين ولن يقبل مناصفة النساء في مجلس الشعب، مجرد حجج باطلة، فالرجل الفقير في الشارع لا يهتم بالرجل أو المرأة بقدر اهتمامه بمسئول يحقق له مطالبه. وأشارت إلى أن السيدة المصرية لن تضع يدها على خدها وتنتظر عطف المسئولين، بل ستتحرك لنيل حقوقها في مشاركة سياسية حقيقية في البرلمان المقبل، وأحد أشكال هذا التحرك ما تعده رابطة المرأة العربية واتحاد نساء مصر من أجل حملته «نساء من أجل النساء» لتوصيل 100 سيدة في البرلمان، ومن خلال جمع طوابع قيمة الطابع جنيه واحد لا غير ليساهم في الميزانية الخاصة بحملات الدعاية التي تحتاجها المرشحات لخوض الانتخابات. من جانبها، قالت الدكتورة إيمان بيبرس – رئيس جمعية نهوض وتنمية المرأة، إنه لا بد من إعادة النظر في تقسيم الدوائر الانتخابية سياسيا وجغرافيا، لأن الدوائر بتقسيمها الحالي لن تفرز سوى برلمان شبيه بالبرلمان السابق الذي كانت الغلبة فيها لتيار الإسلام السياسي. وبعد استعراض «البديل» آراء ووجهات نظر المنظمات النسائية حول تشكيل وطريقة عمل اللجنة المكلفة بتعديل قانوني مباشرة الحقوق السياسية، وانتخاب مجلس الشعب. فإنه ثمة تساؤل «برئ» يفرض نفسه قبل هذا الاستعراض وبعده، وهو: كيف للجنة تبحث إنصاف النساء أن تخلو من النساء؟!