في الضجة التي أثارها قرار رئيس الوزراء "إبراهيم محلب" بوقف عرض فيلم "حلاوة روح" في دور السينما، كان السؤال الأخلاقي هو سيد المشهد. صحيح أن البعض حاول أن يبرز عدم قانونية القرار نظرا لأن محلب لا يملك صلاحية إصدار قرار إداري بمنع عرض فيلم سبق للرقابة على المصنفات الفنية التصريح له بالعرض، إلا أن هذه النقطة ظلت شبه ضائعة في خضم العديد من النقاط الأخرى التي أثيرت حول الفيلم. والأهم أنه بينما حاول البعض تحديها بالقول بأن الرقابة على المصنفات الفنية هي في النهاية هيئة تابعة لوزارة خاضعة للحكومة التي يرأسها محلب مما يخوله حق التدخل في قراراتها (وهو تبرير غير صحيح قانونا)، إلا أن الغالبية اختارت تخطي ذلك والحديث عن أولوية الدافع الأخلاقي حتى وإن كان تدخل محلب غير صحيح من الناحية القانونية. يضيف هذا دليلا جديدا على ما سبق وأن أشرت إليه من سيادة حالة من عدم الاعتداد بالقانون والتسليم بأن الواقع وضروراته يمكن أن تبرر تخطيه. الجديد هذه المرة أنه بدلا من تبرير تخطي القانون بحالة طارئة، مثل مواجهة الإرهاب، يتم تبريره بحالة دائمة. فالحاجة إلى الدفاع عن ثوابت المجتمع الأخلاقية في مواجهة ما يراه كثيرون تعديا عليها من قبل أعمال فنية أو أدبية أو غيرها، هي حاجة متجددة ولا يوجد ما يدعم تصور أنها مؤقتة أو طارئة. وفي حين يحتوي القانون المنظم للرقابة على المصنفات الفنية على ترسانة كبيرة من المواد التي تتيح لمؤسسات الدولة سلطات واسعة في منع عرض أو نشر أي مواد مقروءة أو مسموعة أو مرئية بحجة الحفاظ على أخلاق وتقاليد المجتمع، فإنه لسبب ما لم يعد يبدو لكثيرين أن المسار القانوني كاف لحماية المجتمع. استخدم المدافعون عن قرار محلب مبررات متعددة، فلجأ بعضهم إلى الإشارة إلى أن صناع الفيلم قد خرقوا عددا من مواد قانون حماية الطفل. كما أشار آخرون إلى اعتراض المجلس القومي للمرأة على الشخصية التي جسدتها بطلة الفيلم بوصفها تشوه من صورة المرأة المصرية. ويتم خلط الأمرين وكأنهما متساويين في الأثر وصولا إلى نتيجة واحدة وهي أن قرار محلب كان مناسبا ومبررا بل مطلوبا وضروريا لمواجهتهما. ويغفل مستخدمو الحجتين أنهما مختلفان تماما عن بعضهما. فقانون الطفل يحدد حالات بعينها تعتبر استغلالا للطفل وتعريضا لسلامته ولأخلاقه وتربيته للخطر إلخ، ويقرر عقوبات واضحة لمن يثبت ارتكابه لهذه الانتهاكات، كما أنه ينظم الإجراءات اللازمة لتحريك الدعوى ضد المنتهك. وكغيره من القوانين فإن عقوباته وإجراءاته تترك للنيابة العامة (أو نيابة الطفل) وللقضاء الحق في إجراء التحقيق اللازم وتحديد ما إذا كانت جريمة قد وقعت قبل توقيع أي عقوبة. وبالتالي لا مكان على الإطلاق هنا لأن يتدخل رئيس الوزراء لتوقيع عقوبة هي وقف عرض الفيلم متجاهلا القانون وليس كما يصور البعض الأمر وكأنه ينفذه. أما اعتراض المجلس القومي للمرأة فهو أمر مختلف تماما، وليست له أي حجية قانونية وله فقط أهمية اجتماعية تتلخص في توضيح موقف المجلس للرأي العام، وهذا حق مشروع تماما للمجلس، سواء قبلنا رأيه أو اختلفنا معه، فللمجلس أن يخاطب المجتمع وعلى وجه الخصوص في هذه الحالة صناع السينما ليطالبهم بالعمل على تقديم صورة للمرأة في أعمالهم تسهم في تحسين واقعها اليومي في المجتمع بدلا من الإضرار به. ولكن مرة أخرى لا علاقة بين هذا وبين قرار محلب ولا يصلح كمبرر له. بدلا من أن يدور حديثنا عن حرية الرأي والإبداع الذين يمثل قرار محلب تهديدا حقيقيا لهما، نضطر إلى التراجع خطوات لندافع عن سيادة القانون ففي حين يكثر الحديث عن مؤامرات وهمية لهدم الدولة يبدو الجميع وعلى رأسهم مؤسسات الدولة نفسها، مشاركون بحماس في تقويض دعامة أساسية لها. فهل تدرك هذه المؤسسات عواقب ما تقودنا إليه قبل فوات الأوان؟