أصبح الأمر معتادا! فهو يتكرر كل أسبوع. اكتسب نمطا أصبح الجميع يعرفون تفاصيله. الجميع هنا إشارة لأطراف الوقائع الأسبوعية. الإخوان والأمن، البلطجية والأهالي. برغم تبدل مواقف كل طرف منهم من أسبوع لآخر أحيانا إلا أن ذلك لا يغير كثيرا في النمط المعتاد للأحداث. تمر المسيرات، يتدخل الأمن أو لا يتدخل، يتدخل البلطجية إلى جانب هذا الطرف أو ذاك، تحدث احتكاكات تضطر الأهالي للتدخل بدورهم أو يكون التهديد كبيرا بحيث يفقد بعضهم أعصابه فيتدخل. تزكم رائحة الغاز المسيل للدموع وبارود الألعاب النارية الأنوف. تبدأ أصوات الخرطوش في القرقعة يعقبها الأصوات المميزة للآلي. تتناثر الدماء ويسقط القتلى دون أن يعرف أحد على وجه اليقين من أي سلاح في يد أي طرف انطلقت الرصاصات التي أردتهم. هذه المشاهد تتكرر كل أسبوع تقريبا في عين شمس والألف مسكن، وتتكرر مثيلات لها في مناطق أخرى من القاهرة وغيرها من المحافظات ربما بمعدل أقل. تكرارها يخلق اعتياد أطرافها لها. تصبح جزءً من حياتهم اليومية. تخلق ممارسات ثابتة وأنماطا للسلوك والتعامل تزداد استقرارًا مع الوقت. هذه الصورة تسمى لدى الدارسين "احترابا أهليا"؛ نقطة تبعد فقط مسافة قصيرة عن الحرب الأهلية وإن لم تؤدي إليها في كل الأحوال. ولكنها بالتأكيد تختلف عما يسميه الدارسون أيضا حالة الاضطراب أو العنف الأهلي. الفيصل في اختلاف الحالتين هو أنه في الحالة الثانية يكون للقانون وجود يحتفظ بقدر من الحياد. يبقى بالإمكان أن يتم تحقيق له قدر من الموثوقية يتوصل إلى تحديد جرائم بعينها وينجح إلى حد ما في توجيه أصابع الاتهام إلى الجناة بين الأطراف المختلفة بما في ذلك أفراد وضباط الأجهزة الأمنية، إذا ما ثبت تورطهم في استخدام القوة المفرطة لمواجهة الاضطراب والعنف. في حالة الاحتراب يبقى للقانون وجود ولكنه يتحول فقط إلى أداة لمواصلة ما بدأه العنف. فالمواجهة لم تعد بين أطراف مدنية تتدخل الشرطة لوقف اشتباكها فتخطئ أحيانا أو لا تخطئ. المواجهة في حالة الاحتراب الأهلي تكون فيها الشرطة طرفًا أصيلًا في حالة حرب ضد طرف رئيسي؛ وكلاهما في حالة تحالف مؤقت مع هذا الطرف الثانوي أو ذاك حسب الظروف. وفي هذه الحالة تكون الشرطة ممثل الدولة في هذه الحرب، والقانون ممثل آخر للدولة ينهي ما بدأته الشرطة، فالتحقيق والإجراءات القانونية المختلفة تكون جميعها سبلا للتنكيل بأعداء الدولة الذين لم يطالهم رصاص الشرطة في معمعة الاشتباك. في الجمعة الماضية سقط أربعة ضحايا على أقل تقدير في عين شمس وحدها. في قلب المناقشات الحادة بين أطراف مختلفة تسعى لإثبات مسؤولية الإخوان أو الشرطة عن سقوط الضحايا، غاب بشكل تام أي توافق على أن يترك للقانون أن يقطع في هذا الخلاف بتحديد الجاني الحقيقي. الحقيقة التي لم يعلنها أحد أن الجميع كان يسلم بأن القانون بصفته أداة لكشف الحقيقة أصبح معطلا. ما غاب أيضا كان أي شعور بحقيقة أن تحديد المسؤولية عن قتل هذه الضحية أو تلك لم يعد له أي قيمة في حماية أرواح غيرهم. ليست الممارسة الاعتيادية للقانون وحدها ما قد أصابه العطب، بل الغرض الأصلي من وجود القانون لم يعد موضع اهتمام أحد! وهذا مظهر إضافي من مظاهر حالة الاحتراب الأهلي. فدائرة العنف فيها لا يمكن وقفها بالقانون المعطل. كأي حرب أخرى لا نهاية لأعمال العنف فيها إلا بهزيمة تامة وساحقة لأحد الطرفين، أو باعترافهما كلاهما بعدم جدوى الاستمرار في حربهما وتوافقهما على إنهائها. ولكن ما الحل إن كانت الهزيمة النهائية لأي من الطرفين أمرا مستحيلا بينما يصر كلاهما على إنكار هذه الحقيقة؟ هل علينا نحن، من يدفعون ثمن هذه الحرب العبثية أن نقف مكتوفي الأيدي؟ أما آن لنا كطرف ثالث في حرب لا ناقة لأي منا فيها أو جمل أن نضع حدا لفاتورة الدم؟