لا يدور الحديث هذه الأيام عن الرئيس القادم إلا ليتعلق بشخصه الذي يبدو أمرا محسوما للكثيرين بينما تبقي قلة على تشككها في أن تحمل الأيام والأسابيع القادمة مفاجآت غير متوقعة بهذا الخصوص. ما يكاد يكون غائبا تماما عن هذا الحديث هو تناول حقيقة أن أي رئيس قادم لمصر أيا كان شخصه سيجد نفسه بلا أدنى شك في مأزق بالغ التعقيد والصعوبة. واقع الأمر بالطبع أن مصر ذاتها في مأزق صعب، ومأزق الرئيس القادم يتلخص في أن مهمته التي لن يكون بإمكانه تجنب مواجهتها بشكل أو بآخر ستكون في الخروج بمصر من هذا المأزق. يمكننا تلخيص مأزق الرئيس القادم في أنه سيكون عليه أن يجيب على مجموعة أسئلة صعبة يبرز بينها ثلاثة هي الأكثر إلحاحا والأكثر صعوبة أيضا. هذه الأسئلة الثلاثة هي: كيف سيتعامل مع حالة المواجهة المستمرة مع جماعة الإخوان المسلمين؟ وكيف سيحجم وينهي خطر الإرهاب المتنامي والمتوسع؟ ثم كيف سينزع فتيل المشكلة الاجتماعية الاقتصادية التي تهدد بانفجار لا علم لأحد بأبعاده في مستقبل لا يبدو بعيدا؟ لا أظن أن عاقلا في مصر اليوم يتصور أن التعامل الأمني مع جماعة الإخوان المسلمين كاف بذاته للوصول إلي حل لحالة المواجهة المستمرة بينها وبين الدولة المصرية طوال الشهور الماضية. ولكن ما هو أسوأ اليوم بعد شهور من التعامل الأمني الغشيم والعشوائي أن آفاق الحلول السياسية أصبحت أضيق مما كانت عليه في أي وقت سابق. وينبغي الإشارة إلى أن سؤال الإخوان بصفة خاصة ستكون له صعوبة إضافية قد تصل إلى حد استحالة التعامل معه في حال كان الرئيس القادم هو ذلك الذي يتوقعه أكثرنا. ولكن دعنا هنا نتجاهل هذه التفصيلة مؤقتا. فأي من كان الرئيس القادم ستبقى الحلول السياسية المتاحة أمامه لهذه المشكلة محدودة ومحفوفة بعوامل الفشل أكثر مما يؤمل معه نجاح أي منها. فما أصاب أفراد الجماعة والقريبون منهم خلال الشهور الأخيرة من قمع يجعل أي مصالحة سياسية مع قياداتها محكوم عليها بأن تؤدي إلى تفكيك الجماعة وتشظيها لأنه من المستحيل تصور أن يحقق أي حل سياسي لقواعد الجماعة ما يتصورونه كعلاج عادل لخسائر كل منهم على المستوى الشخصي. النتيجة أنه سيكون علينا التعامل مع عشرات الآلاف من شباب الجماعة الغاضب واليائس والذي فقد أي ثقة في أي قيادة يمكن التفاوض معها. هذه النتيجة المرجحة في نهاية أي مسار للتعامل السياسي مع مشكلة جماعة الإخوان المسلمين، تضيف تعقيدا إضافيا للسؤال الثاني حول مواجهة إرهاب الجماعات الجهادية. وبصفة خاصة مع تطور وجود هذه الجماعات في سيناء من مجرد نقطة تجمع وتدريب ثانوية إلى قاعدة عمليات مع تحول مصر بالنسبة لها إلى أرض (جهاد). وهو ما يعني سعي هذه الجماعات إلى نقل وتصعيد عملياتها في الداخل المصري. وبغض النظر عن غياب أي معلومات واضحة عن تطور عمليات المواجهة الأمنية والعسكرية في سيناء فإن ثمة ملمحين رئيسيين لا يمكن تجاهلهما لنتائج هذه المواجهة. أولا، أنها لا تبدو ناجحة في تحجيم العمليات الإرهابية في العمق المصري. ومع مرور الوقت ربما يكون التعامل العسكري في سيناء عاملا ثانويا في مواجهة الإرهاب إذا ما نجحت الجماعات في إنشاء قواعد تمركز لها في الوادي وبدأت في استخدام مسارات إمداد بالسلاح من الجنوب والغرب. ثانيا، بينما تبقى جدوى المواجهة العسكرية موضع شكوك مختلفة فإن آثارها السلبية وربما الكارثية على أهالي سيناء لم يعد بالإمكان التقليل من حدتها. وهو ما يؤذن بأن تفرخ لنا مشكلة الإرهاب مشاكل أكثر تعقيدا وأبعد مدى. هذا التناول المختصر هو مجرد إشارة إلى الطبيعة المعقدة لهذين السؤالين، أما السؤال الثالث فيحتاج اختصار تعقيداته إلى مقال مستقل قادم.