يمكنك أن تتصور كم يمكن لمشهد عبثي يدور فيه النقاش حول سؤال "إلى أي مدى يمكن لامرأة حبلى في شهرها الأخير أن تقذف زجاجة مولوتوف"؟ أن ينتزع من الضحكات إذا ما كان جزء من مسرحية كوميدية. ولكن عداد الضحكات لا شك سيسجل نتيجة بائسة للغاية إذا ما كان مثل هذا الحوار جزء من الواقع الذي عليك معايشته، وإذا ما كانت بطلة القصة العبثية امرأة حقيقية من لحم ودم، كان عليها أن تمضي شهرها الأخير من الحمل في ظلمة تخشيبة يناير وفبراير الباردة، قبل أن تنقل في النهاية لتضع مولودتها في سرير مستشفى يربط رسغها إلى حديده كلابشات لم تفارقها للحظة في رحلتها البائسة التي مرت فيها مرتين أمام وكيل نيابة لم يجد في التساؤل عن قدرتها على قذف المولوتوف ما يكفي من العبثية ليستوقفه للحظة قبل أن يأمر بحبسها 15 يوما على ذمة التحقيق، أو قبل أن يجدد حبسها 15 يوما أخرى. كثيرون أزعجتهم صورة السيدة الشابة وهي راقدة في سرير المستشفى تضم بيد واحدة صغيرتها بينما يدها الأخرى معلقة إلى حديد السرير بالكلابشات. ولكن البعض فقط أزعجه أكثر السؤال البسيط: كيف وصلت هذه السيدة وصغيرتها إلى هذا الوضع؟ أو الأسئلة الأعقد قليلا: أي إجراءات قانونية من شأنها أن تنتهي بسيدة في شهر حملها الأخير محتجزة على ذمة التحقيق في مجموعة من الاتهامات العبثية، التي يستحيل تحت أي منطق عقلاني تصور نسبتها إلى إنسان في مثل حالتها؟ أي آلية للتعامل الشرطي مع المظاهرات ثم أي منهجية لتحقيق النيابة العامة مع المقبوض عليهم على خلفيتها يمكن أن تنتهي بأن يقبض على امرأة حامل في شهرها الأخير ثم أن توجه إليها اتهامات ماسة بالأمن الوطني تبرر حبسها 15 يوما، ثم التجديد لها 15 يوما أخرى؟ ثم كم معتقل ومعتقلة من بين الآلاف (ربما عشرات الآلاف في الواقع) الذين اعتقلوا في الشهور الأخيرة يمكن أن نثق في أن الآلية والمنهجية ذاتهما قد غيبتاه في سجون مصر على ذمة تهم حقيقية؟ العجيب أنه لا يزال كثيرون مستعدون للدفاع عن مثل هذه الإجراءات العبثية التي تلقي بالعشرات تلو العشرات من البشر إلى السجون. لا تستوقف أي منهم حقيقة أن أي إنسان معرض لأن تنزلق قدمه إلى هذه الدوامة السوداء دون ذنب جناه سوى أن يوجد في المكان غير المناسب (الذي أصبح أي مكان يمكن تصوره) في الوقت غير المناسب (الذي أصبح أي ساعة من أي يوم). وهم لا يكتفون بالتقليل من قيمة الزج بكل هذا العدد من البشر وراء القضبان بل هم مستعدون لتجاهل أو حتى لتبرير تعرض أغلبهم إن لم يكن كلهم للتعذيب وإساءة المعاملة والحرمان من أبسط الحقوق التي تفرضها كرامة الإنسان. كل ذلك وأكثر هم مستعدون لتقبله والدفاع بحماس عنه مستخدمين العبارة التي أبلاها كثر استخدامها بالحق مرة وبالباطل آلاف المرات. "نحن في حرب على الإرهاب". نحن بالتأكيد نواجه حربا من الإرهاب. آخر وقائع هذه الحرب هو تفجير أتوبيس سياحي قرب معبر طابا في جنوبسيناء. ولكن الأسئلة التي ينبغي أن يسألها كل منا لنفسه: كيف أسهم حبس دهب في شهر حملها الأخير في مواجهة الإرهاب؟ كم من العمليات الإرهابية تمكنا من تجنبها بحبس الآلاف القابعين في السجون الآن؟ ما علاقة حربنا على الإرهاب بتأييد الحكم بحبس مجموعة من نشطاء الإسكندرية عامين، لمشاركتهم في مظاهرة تطالب بتحقيق العدل في محاكمة قتلة خالد سعيد؟ أي إرهاب ذلك الذي يعلن الحرب علينا؟ هل هو إرهاب الإخوان والجماعات ضد الدولة، أم أنه في الواقع إرهاب الدولة وإرهاب الجماعات والإخوان ضدنا وضد حقنا في حياة تشبه ولو من بعيد حياة الآدميين؟