في مكان ما من سيناء يتحلق جماعة من "التكفيريين" في أحد "أوكارهم" يناقشون في فزع شديد ترتعد له فرائصهم، مشروع قانون "الإرهاب" الذي قررت حكومة الببلاوي أن تعيد طرحه من جديد كرد حاسم وحازم بل وقاصم على تصاعد الأعمال الإرهابية ووصولها إلى قلب القاهرة وعقر دار وزارة الداخلية من خلال التفجير الأخير لواجهة مديرية أمن القاهرة وعملية اغتيال مساعد وزير الداخلية. ولا شك أن أي إرهابي سيفكر في حال تم إقرار القانون ألف مرة قبل أن يقدم على تفجير نفسه في عملية انتحارية جديدة خشية العقوبات المغلظة وإجراءات المحاكمة الصارمة التي يستحدثها القانون الجديد. كما أن مواد هذا القانون التي تساوي بين الفعل الإرهابي وبين مجرد الشروع فيه أو التفكير في الشروع فيه ستلقي الرعب في قلوب هؤلاء الذين إذا ما تم الكشف عن مخبأ لهم في سيناء يتم تفجيره بصواريخ طائرات الأباتشي دون حاجة إلى إذن نيابة خاصة لها سلطات قاضي التحقيق أو غيرها. علينا الآن أن نقر عينا ونهدأ بالا وننام ملئ عيوننا نعاس الأمن والأمان. فلا شك أن القانون الجديد سيطرد أشباح الإرهاب الأسود من شوارعنا، ولن يصحو أحدنا بعد اليوم على خبر تبادل إطلاق للنار أمام كنيسة تقع على طريق أولاده إلى مدرستهم، أو تفجير سيارة في ميدان يمر به يوميا في طريقه إلى عمله. وفي مقابل هذا الشعور بالأمان الذي لا سبيل إلى أن يحيا أي منا حياة طبيعية دونه لا بأس بأي تضحية ضئيلة خاصة وإن كان من المتوقع أن يدفعها غيرنا. فلا بأس مثلا لأن تخضع مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت للرقابة، ولا ضير في أن يجد مستخدموها ممن يتطاولون على حماة هذا الوطن أنفسهم يحاكمون أمام القضاء بتهم الإرهاب. صحيح أن أحدا منهم لم يفجر أو يفكر في تفجير شيء، ولكننا في ظروف خاصة ولا شك أن في تعقب هؤلاء حكمة لا يدركها أمثالنا من المواطنين العاديين. وثمة بالتأكيد علاقة خفية لا تراها إلا أعين الخبراء الأمنيين والاستراتيجيين بين انتقاد الحكومة على الإنترنت وبين العمليات الإرهابية التي يقوم بها جماعات تكفيرية تتخذ من سيناء مركزا لها. علينا أيضا أن ندرك أن أي صوت يعلو ضد هذا القانون الذي سيحسم الحرب ضد الإرهاب لا شك أن صاحبه أحد خلايا جماعات التكفير النائمة. ولا ينبغي أن نعير ادعاء هؤلاء بأن القانون الجديد يخالف الدستور الذي خرجنا في عرس ديموقراطي للتصويت بالموافقة عليه، أي اهتمام. فليس هذا هو وقت الحديث عن دستورية قانون أو عدم دستوريته، وليس هذا هو وقت الحديث عن حريات البشر أو حقوقهم، فثمة ما هو أهم كثيرا من هؤلاء البشر. وذلك الذي هو أهم وأعلى وأسمى، والذي لا ندري ما هو بالضبط، هو على المحك الآن. وفي سبيل الحفاظ عليه لابد أن نضحي بالغالي والنفيس. خاصة إن كان هذا الغالي هو أرواح أناس لا نعرفهم وحرية أشخاص لا يعنوننا. وقبل أي شيء آخر، علينا جميعا ألا ندع تكرار الأعمال الإرهابية رغم التفويض وتمرير القوانين الاستثنائية ورغم كل الدم المراق والآلاف الذين تم تغييبهم في ظلمات السجون، يقلل من ثقتنا الكاملة في أن السلطة الحالية مخلصة في حربها ضد الإرهاب، وليست بأي حال منشغلة بقمع معارضين لها لا علاقة لهم بالإرهاب من قريب أو بعيد. والأهم علينا أن نبقى واثقين كل الثقة في أن مصر أم الدنيا، وأنها بكل تأكيد ستكون "قد" الدنيا.